القاهرة 25 يوليو 2024 الساعة 02:09 م
بقلم: د. حسين عبد البصير
تعد قصة المصري القديم الذي بدأ بتقطيع الحجر وتشييد أعظم الآثار واحدة من أعظم قصص النجاح الهندسي والتقني في التاريخ البشري، تتعلق هذه القصة ببناء الأهرامات والمعابد التي تعتبر من أهم الإنجازات الهندسية في العصور القديمة. في بداية الحضارة المصرية القديمة كانت الحاجة إلى المباني الضخمة والمعابد الكبيرة قد بدأت تظهر بشكل ملحوظ، سواء لأغراض دينية أو جنائزية، وكانت الملكية المصرية بحاجة إلى رموز قوية تعبر عن قوتها وخلودها.
كانت العمالة منظمة بشكل كبير، وكان العمال الذين قاموا ببناء تلك الآثار يعيشون في مدن عمالية خاصة، وكانوا يحصلون على طعام وسكن ورعاية طبية. وكان المهندسون والمعماريون المصريون يتمتعون بمستوى عالٍ من المعرفة في الرياضيات والفلك والهندسة، مما مكنهم من تصميم تلك المباني الضخمة بدقة متناهية.
استخدم المصريون القدماء أدوات بدائية مثل الأزاميل المصنوعة من النحاس والحجارة الصلبة لتقطيع الحجارة. كان المصريون القدماء يستخرجون الحجارة من المحاجر القريبة من النيل. كان أشهر المحاجر في الجبل الأحمر وأسوَان. استخدم المصريون زلاجات خشبية، وجذوع الأشجار المدهونة بالدهون الحيوانية لتسهيل حركة الحجارة الكبيرة. وتميز المصريون القدماء بتقنيات مبتكرة لنقل الأحجار الضخمة وتشكيلها بدقة عالية. وابتكروا طرقًا لنقل الكتل الحجرية الضخمة عبر النيل واستخدموا الأنظمة الهيدروليكية والبكرات لرفع الأحجار وتثبيتها في مكانها.
لقد لعبت الأهرامات والمعابد دورًا مهمًا في الديانة المصرية القديمة، حيث كانت تُعتبر مواقع مقدسة لتكريم الآلهة والملوك. وتم بناء الأهرامات في جبانة منف. ويعد هرم الجيزة الأكبر، من عجائب الدنيا السبع القديمة، هو أكثرها شهرة، وقد استغرق بناؤه حوالي 20 عامًا. وقد بُني كمقبرة للملك خوفو. ويتكون الهرم من حوالي 2.3 مليون كتلة حجرية. ويبلغ ارتفاعه الأصلي حوالي 146.6 مترًا. واستخدم المصريون القدماء الأهرامات كنماذج للملاحة والتقويم السماوي. واستخدم المصريون القدماء أدوات قياس دقيقة ومعرفة متقدمة بالهندسة لتصميم الأهرامات والمعابد.
ويعد تمثال "أبو الهول" الشهير مثالاً آخر على الهندسة المعمارية المصرية القديمة. وتم بناء معابد مثل معابد الكرنك والأقصر بواسطة عدة ملوك، وتضم أعمدة ضخمة ومنحوتات معقدة. وتعد معابد الكرنك واحدة من أكبر المجمعات الدينية في العالم، ويحتوي على العديد من المعابد والأعمدة الضخمة. وشُيد على مدار أكثر من 2000 عام وضمّ إضافات من ملوك مختلفين، كما تم نحت معبدي "أبو سمبل" في الصخور خلال عهد الملك رمسيس الثاني، ويشمل معبدين رئيسيين يعكسان براعة المصريين في النحت والتخطيط المعماري.
لم يكن بناء الأهرامات والمعابد مجرد عمل هندسي، بل هو تعبير عن الإيمان الديني والثقافة العريقة لمصر القديمة. تعد هذه الآثار اليوم شهادة على عبقرية المصريين القدماء وإبداعهم. وسوف تظل هذه الآثار شهادة حية على عظمة المصريين القدماء وإبداعهم الهندسي الذي ألهم الكثيرين في مختلف العصور والحضارات. ساهمت تلك الإنشاءات في تعزيز الهوية الثقافية للمصريين القدماء وتركت إرثًا معماريًا ومعرفيًا أثرى الحضارات التالية.
تجسد هذه القصة كيف أن الحضارة المصرية القديمة كانت قادرة على تحقيق إنجازات عظيمة باستخدام تقنيات وأدوات بسيطة نسبيًا، ولكن بفضل التنظيم والتخطيط الدقيقين، استطاعوا بناء آثار خالدة تدهش العالم إلى اليوم.
|