القاهرة 24 يوليو 2024 الساعة 04:46 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
إن من يحاول أن يتتبع تاريخ الفلسفة والفلاسفة سيجد العشرات بل المئات من الفلاسفة والمدارس التي ظهرت، بعضها استمر وبقي في التاريخ، وبعضها لم يستطع أن يصمد أمام المذاهب المضادة التي ظهرت لتدحض فكر تلك المدارس، فكانت كتب المؤرخين تعج بتلك الأفكار والأسماء المختلفة.
وإن كنت أحاول أن "أوجز" في تلك الموسوعة، إلا أن الموضوع كبير، وقد أدركت ذلك وأنا أبحر في وسط عشرات الكتب والمراجع، وقد يقول البعض لماذا لم تذكر فلان أو المدرسة الفلانية؟! فأقول أنني قد انتقيت المؤثر منهم ومنها، حتى يكون ما أكتب وأنقله للقارئ هو الخلاصة، التي قد تعين الباحث على البحث ولكن ليست هي المصدر.
وعندما أنهيت الحديث عن عظماء الفلاسفة السبعة في سبعة فصول، كان من الطبيعي أن أعرج من فوري إلى العظماء الثلاثة: سقراط وأفلاطون وأرسطو، باعتبارهم الأشهر للعامة والخاصة، وتبلورت في فكرهم كل كتابات وأقوال السابقين، فكان نتاج فكرهم هو المحصلة النهائية للفلسفة القديمة، ولنبدأ بأولهم.. سقراط
يقول عنه برتراند راسل في كتابه تاريخ الفسلفة الغربية: "سقراط موضوعه جد عسير على المؤرخ، فلئن كان هنالك من الناس من لا نشك في أننا نعلم عنهم جد قليل، ومن الناس من لا نشك في أننا نعلم عنهم الشيء الكثير، فإن الأمر في سقراط هو أننا لا ندري هل نعلم عنه القليل أو الكثير!"
ويعزي راسل ذلك إلى تضارب سيرة سقراط بين المؤرخين، وعدم اتفاقهم على شيء محدد في حياته، فيؤكد أن من كتبوا عنه هم زينفون وأفلاطون، وقد كانوا من تلامذته، ولكن كل واحد منهم كتب عن أستاذه سقراط شيئا مختلفا!
يلقب سقراط بأنه أكثر الرجال حكمة في العالم القديم، عمل في الفن فترة قصيرة ثم تحول إلى الفلسفة، واشتهر كمفكر، وابتدع طريقة للتعليم، وكان دائم السعي وراء الحقيقة، ودخل في مناقشات كثيرة بسبب معتقداته، الأمر الذي أكسبه العداوات، احتضنه بريكليس حيث كان معجبا به، ولكن بعد وفاة هذا الأخير فقد السند، واتهم بإفساد الشباب، وحكم عليه بتجرع السم وهو في سن السبعين.
وتعتبر حوارات أفلاطون من أكثر الروايات شمولية بشخصية سقراط، وبحسب وصف أفلاطون له فقد أصبح سقراط مشهورا بإسهاماته في مجال علم الأخلاق، وإليه تنسب مفاهيم السخرية السقراطية، أو علم البيداغويا الذي تطور فيما بعد إلى أحد روافد علوم التربية، التي تطرح مجموعة من الأسئلة ليس بهدف الحصول على إجابات وإنما كوسيلة لتشجيع الفهم العميق للموضوع.
كما ساهمت أفكاره في مجالات ومباحث عدة، منها مبحث المعرفة والمنطق، وظل تأثيره وأفكاره وأسلوبه قويا حتى أصبحت أساسا للكثير من أعمال الفلسفة الغربية التي جاءت بعد ذلك، وقدمه أفلاطون باعتباره المثالي، حيث قدم مثلا أعلى للفلسفة، ومدرسا أدين بالهرطقة بسبب تعاليمه، ولكنه على أي حال ما زال لغزا!
أما زينفون وهو رجل عسكري محافظ على وجهة نظره بشكل عام، فما يتألم له زينفون أن يتهم سقراط بعدم التقوى وبإفساد الشباب، ويؤكد أنه على عكس ذلك كان معروفا بالتقوي وكان له أحسن الأثر على أولئك الذين تأثروا به، ولعل زينوفون قد بالغ في الدفاع عنه، ولم يعلل لنا لماذا كرهه الناس حتى يصل به الأمر إلى حد إعدامه بتجرع السم؟!
ما زال الرجل حتى هذه اللحظة لغزا، ويزيد المؤرخون التعقيد، فيؤكد برتراند راسل أن هناك اتجاها بين المؤرخين أن يظنوا الصدق فيما يرويه زينفون، لأنه لم يكن من الذكاء بما يعينه على اختلاق ما ليس بصحيح، وهو ما يتعارض مع أفلاطون.
|