القاهرة 23 يوليو 2024 الساعة 10:31 ص
بقلم: عمر أبوالقاسم الككلي
تعتبر الحركة الثقافية الليبية، عموما، ضعيفة، إذا ما قورنت بمثيلاتها في بعض الأقطار العربية مثل سوريا و لبنان ومصر وتونس والمغرب. ولهذا الضعف أسباب عدة، ولكن السبب الأكثر فاعلية، في اعتقادنا، هو ما تمكن تسميته بالسبب الوراثي.
فتاريخيا لم تنشأ في المنطقة المعروفة الآن بليبيا مراكز حضارية متقدمة على غرار المراكز الحضارية التي قامت في أنحاء متعددة من الوطن العربي مثل بغداد ودمشق والقاهرة والقيروان وفاس. وقد تضافرت في هذا الشأن جملة عوامل متداخلة ومتفاعلة، منها اتساع رقعة البلاد وغلبة المظهر الصحراوي على تضاريسها، ما أدى إلى تناثر التجمعات السكانية في مواطن متباعدة قليلة الكثافة، أو ترحلها وعدم استقرارها في بقعة محددة. ذلك أن الثقافة، كما يقول الدكتور محمد الجراري: "لا تزدهر. . إلا وسط فائض بشري ومادي واسع بل مترف، قد يبدأ المثقف في الأطراف- والأغلب كذلك- لكنه سرعان ما ينجذب للبؤر الواسعة المؤثرة والمجزية ماديا ومعنويا داخل زحام المدن وأسواقها وساحاتها.."(1). يضاف إلى ذلك أنه حتى المراكز الحضارية الصغيرة التي قامت في كل من طرابلس وبني غازي ومرزق وزويلة وغدامس وغيرها، التي كان يمكن أن تتبلور فيها حركة ثقافية ملائمة، أخذت تتعرض إلى ضمور وتآكل منذ القرن السابع عشر مع تبدل حركة التجارة العالمية بعد حركات الكشف الجغرافي الأوربي وتراجع أهمية تجارة القوافل(2).
إلا أن هذا لا يعني أن التجمعات الحضرية في ليبيا كانت تخلو تماما من أي شكل من أشكال الثقافة.
-
إرهاصات الأدب الحديث في ليبيا والبدايات المجهضة للقصة القصيرة
يعود ظهور ملامح الأدب الحديث في ليبيا إلى سنة 1908 مع صدور الدستور العثماني الذي عرف باسم "المشروطية" والذي سمح بالصحافة الخاصة في الولايات التابعة للدولة العثمانية ومنها ليبيا، أو ما كان يعرف بإيالة طرابلس. "ومنذ ذلك التاريخ عرفت ليبيا بعض الصحف التي كانت تنشر ما يمكن اعتباره إرهاصات أولى للقصة القصيرة في ليبيا في شكل مقالات قصصية"(3). ثم يضيف الفقيه: "وهكذا فإننا نجد أن بدايات نشوء هذا الفن في الأدب الليبي الحديث لا تختلف عن بداية نشوئه في بلد عربي آخر له ثقله الثقافي مثل مصر، ولكن لسوء الطالع فإن الحياة الثقافية في ليبيا ونتيجة للهجمة الاستعمارية الشرسة التي شنتها الأساطيل الإيطالية على ليبيا في أوكتوبر 1911 قد شهدت حالة من الركود والانطفاء"(4). ويدلل الفقيه على رأيه هذا بالإشارة إلى ما أورده الناقد المصري د. سيد حامد النساج في كتابه"تطور فن القصة القصيرة في مصر" من أن مؤرخي القصة القصيرة في الوطن العربي يعتبرون قصصا مثل "سنتها الجديدة" لميخائيل نعيمة التي نشرت عام 1914، و"في القطار" لمحمد تيمور التي نشرت عام 1917 هي بداية ظهور فن القصة القصيرة في الأدب العربي الحديث(5).
ولم تنشأ تحت نير الاحتلال الإيطالي ما تمكن تسميته بحركة ثقافية، لا بالعربية ولا حتى بالإيطالية، ذلك أن هذا الاستعمار كان استعمارا استيطانيا لم يكن يهدف إلى استعمار البلاد وطلينة الليبيين (على خلاف الاستعمار الفرنسي في الجزائر الذي كان يهدف إلى فرنسة الجزائريين) وإنما كان يستهدف إفراغ البلاد من سكانها وإحلال الإيطاليين بدلهم. كما أن سيطرة الفاشية على إيطاليا سنة 1922 كان نكبة للثقافة في إيطاليا ذاتها. إضافة إلى أنه لم تتح لهذا الاستعمار فرص الاستقرار بسبب قصر المدة التي بقيها في البلاد (حوالي ثلاثين سنة) وبسبب المقاومة الباسلة التي أبداها الليبيون طوال عشرين سنة وحدوث الحربين العالميتين المعروفتين. ورغم صدور عدد من الصحف في ليبيا تحت نير الاحتلال بداية من 1919(6) إلا أنه لم تظهر كتابة قصصية تقترب من القصة بمعناها الحديث إلا أواسط الثلاثينيات على يد وهبي البوري. لكن هذه المحاولة سرعان ما بترت بسبب توقف الكاتب نفسه لظروف شخصية عن الكتابة كما أنه لم تواكبها أو تتأثرها محاولات على نفس القدر من الجدية بحيث تشكل ظاهرة وتيارا، وذلك للسبب الذي ذكر أعلاه. فاستمرت حالة الانقطاع ما يربو على عشرين سنة أخرى. أي إلى آواسط الخمسينيات من القرن العشرين.
-
القصة القصيرة الليبية: الانطلاقة الفعلية
تمثل آواسط الخمسينيات بداية الانطلاقة الجادة والمثابرة للقصة الليبية، أي بعد سنوات قليلة من إعلان الاستقلال في 24 ديسمبر 1951.
والملاحظ أن القصة الليبية في هذه الفترة دخلت مرحلة اليفاع مباشرة دون أن تمر بمرحلة الطفولة، أو أنها، على الأقل، قد اختزلت مرحلة الطفولة اختزالا بالغا. ويكاد يكون هناك إجماع بين الأدباء الليبيين على هذا الرأي. كما يكاد المثقفون الليبيون يجمعون على أن القصة تعتبر أقوى جوانب الحركة الأدبية الليبية منذ ذلك الوقت وحتى الفترة الحالية، ما عدا عقد الثمانينيات. ويمكن القول إن ما يكتبه القصاصون الليبيون المتميزون ينتمي إلى أرقى ما يكتب من قصة في المنطقة العربية، إلا أن المشكلة تتمثل (لأسباب ليس هنا محل تناولها) في مجهولية هذا الأدب في الوطن العربي، ومن ثم في العالم. فهذا الناقد المعروف أمين مازن يكتب سنة 1966( أي في بحر عشر سنوات من ظهور القصة القصيرة في ليبيا) قائلا: "حقا أن القصة في هذا الوطن ولدت منذ بدايتها متكاملة ولم تمر بمرحلة المحاولة الساذجة، بل جاءت مستفيدة من تجارب الكتاب العرب إلى حد كبير. وفضلا عن ذلك فإن ثمة من كتبها بنفس الجودة التي كتب بها فرسان القصة في العالم العربي"(7).
وفي نفس السنة تقريبا يكتب ناقد آخر هو نجم الدين غالب الكيب قائلا بالخصوص: "القصة القصيرة بدأت تأخذ مكانها بارزا بين مختلف إنتاج الفكر الليبي المعاصر"(8). بعدهما بأكثر من سنتين يكتب القصاص كامل حسن المقهور، أحد أهم رواد القصة الليبية وكتابها، يقول في عدد يناير 1969 من مجلة "الرواد" الليبية: "لم يعد خافيا أن القصة في الأدب الليبي تمثل إلى جانب الشعر، أنضج أنواع الأدب الذي تفجرت إمكانياته بعد الاستقلال. فعلى الرغم من معاصرة الشعر الليبي لسنوات طويلة من حياة الشعب، وعلى الرغم من حداثة نشأة القصة الليبية على نحو سوي.. فإن المتتبع للحركة الثقافية يمكنه القول بأن القصة الليبية قطعت شوطا بعيدا وحققت انتصارا لم يكن من السهل تحقيقه في باقي عناصر الثقافة الأخرى"(9). وبعد ذلك بشهرين، أي في عدد مارس وأبريل من نفس السنة، تنشر نفس المجلة مقالا للأديب الليبي المعروف خليفة التليسي جاء فيه بهذا الشأن: "أما القصة فتاريخها حديث في بلادنا. . ولكنها رغم هذا العمر القصير قد استطاعت أن تثبت وجودها، و أن تبلغ عند بعض الكتاب درجة من التفوق والإبداع تضعها في مستوى الأعمال القصصية الناضجة التي يكتبها اللامعون من كتاب القصة في العالم العربي"(10).
يمكن المضي في إيراد المزيد من الاستشهادات على النضج المبكر للقصة القصيرة الليبية ومكانتها البارزة في الحركة الأدبية في ليبيا، لكننا نكتفي بهذه الأقوال التي تعمدنا أن يكون صدورها بعد فترة قصيرة نسبيا من نقطة الانطلاق، للتدليل على شدة وضوح الظاهرة وقوة وعمق الانتباه إليها.
وقبل مغادرة هذه النقطة أجد أنه من المهم إيراد شهادتين لناقدين مصريين حول القصة القصيرة في ليبيا. ففي دراسة له بعنوان "القصة والإنسان في ليبيا" نشرت في عدد يونيو 1968من مجلة "الآداب" البيروتية كتب الدكتور أحمد عطية: "فالقصة الليبية هي أنضج الأعمال الأدبية الليبية بعد الاستقلال بالرغم من حداثتها بالقياس إلى قدم الشعر الليبي"(11). أما الدكتور عبد القادر القط الذي اشتغل فترة بالتدريس الجامعي في ليبيا، والذي يعود إليه الفضل في أنه أول من نبه إلى أهمية قصص وهبي البوري في تاريخ الحركة الأدبية في القطر الليبي، فقد كتب في دراسة بعنوان "بدايات القصة الليبية القصيرة" في عدد يناير 1971 من مجلة "المجلة" المصرية عن القصص الليبية التي كتبت في الفترة ما بين سنتي 1954-57 "وتبدأ مرحلة جديدة في نمو القصة الليبية القصيرة تتعدد فيها الاتجاهات وتختلف المستويات وتتحقق في أغلب قصصها المقومات المعروفة لهذا الفن الأدبي. والناظر في قصص هؤلاء الكتاب يدرك لأول وهلة أنهم قد تجاوزوا تلك البدايات واكتمل لهم قدر غير قليل من النضج والأصالة وتبلورت تجاربهم ووضحت اتجاهاتهم الفنية"(12).
إذا كان لا بد لأية ظاهرة أو واقعة، أيا كانت، من أن تكون نتيجة، أو محصلة، لجملة عوامل متضافرة ومتفاعلة، فإن السؤال الذي يطرح نفسه علينا الآن: ما هي عوامل هذا النضج المبكر الذي أحرزته القصة القصيرة الليبية؟
يمكن تلمس عدة عوامل شاركت في التسريع بهذا النضج المشهود نعتقد أن أهمها:
1- توفر نخبة مثقفة طموحة ومتطلعة إلى البناء والتغيير تكونت من المثقفين الليبيين الذين تكونوا في المنافي بسبب هجرتهم أو هجرة أسرهم أيام الاحتلال الإيطالي، ثم عادوا أواسط الأربعينيات بعد زوال الاحتلال الإيطالي إلى أرض الوطن، وكذلك الأشخاص الذين تمكنوا من نيل قدر من التعليم والثقافة تحت ظروف الاحتلال. وهذه النخبة هي التي أسهمت بشكل فعال في تكوين الأحزاب السياسية وإنشاء الصحف.
2- الرغبة الجامحة لدى المثقفين والمتعلمين الليبيين في إعادة الارتباط بمحيطهم العربي بعد أن فصلوا عنه على مدى أكثر من ثلاثة عقود، وتشرب أحدث ما فيه في مجال الأدب والثقافة، وكانت القصة من الفنون الحديثة في البلاد العربية.
3- انتشار الفكر الاشتراكي وتنامي حركة التحرر القومي، وكلاهما ذو إطار وهدف تحديثي في كافة المجالات، وفي طليعتها المجال الثقافي.
4- إيفاد البعثات من الطلبة الليبيين، إلى مصر تحديدا، حيث أتيحت لهم فرصة المعايشة المباشرة لما يعتمل في أهم ساحة ثقافية في الوطن العربي.
5- ضعف الحركة الشعرية في ليبيا بحيث لم تجد القصة في الشعر مزاحما كبيرا يسلبها قراءها.
6- الوضع الاجتماعي في ليبيا بعد الحرب وعند بداية الاستقلال والمشاكل التي يواجهها لم تكن من ذلك النوع الذي يتغذى عليه الشعر. على حين شكل ذلك مادة ثرية للقصة.
7- انتشار الصحف وحاجتها إلى مادة تسد بها الفراغ، من ناحية، وتجتذب القراء من ناحية أخرى.
مع نهاية الستينيات من القرن الماضي توقف العديد من كتاب القصة القصيرة عن مواصلة الكتابة، والجدير بالذكر أن ظاهرة نشاط وتوقف الكتاب بشكل مفاجيء تعد مظهرا بارزا من مظاهر الحياة الأدبية في ليبيا في جميع مجالاتها. إلا أن النمو المطرد للقصة القصيرة في ليبيا استمر، مع ذلك، بقوة، وهذا عائد إلى ظهور مجموعة من القصاصين الشبان آنذاك الذين أضافوا إضافات مشهودة لمدونة القصة القصيرة الليبية.
وهنا أريد أن أفتح قوسين لأتحدث عن الخصوصية التاريخية لهذا الجيل.
لقد صادف المسار التاريخي أن يتزامن ظهور هذا الجيل في ليبيا مع صعود الدكتاتورية العسكرية، متمثلة في الانقلاب العسكري الذي قاده معمر القذافي في 1 سبتمبر 1969، ثم الحكم الفردي الاستبدادي الذي استطاع أن يحرزه معمر القذافي. لقد كابد هذا الجيل (المولود أفراده في النصف الأول من الخمسينيات) في عمومه تمزقات حادة. فجزء لا بأس به منه كان منبعا لتغذية النزعة الفاشية والاستبدادية للنظام، وتوزع جزء آخر، أقل من الأول بالطبع، بين السجون والمنافي، وتكيف جزؤه الأغلب مع ظروف الحياة المستجدة.
وفي مجال الأدب فُرض على هذا الجيل خوض معركة طاحنة على جبهتين:
الأولى هي جبهة بعض التيارات المحافظة في المجتمع والأدب، والثقافة عموما، القائلة أن لا علاقة للأدب بالسياسة والآيدولوجيا (وأصحاب هذا الرأي يتخذون هذ الموقف ليس بناء على قناعة، وإنما كحيلة في وجه التيارات اليسارية). والجبهة الثانية هي جبهة النظام الشعبوي والتيارات الشعبوية التي تريد أن تجند كل شيء، ليس لصالح المشروع السياسي، وإنما لصالح الشعار السياسي، وتريد الزج بالخطاب السياسي المباشر في الأدب. وقد وقع أدباء هذا الجيل بين سندان الاتجاهات المحافظة (اليمينية) ومطرقة النظام الشعبوي، لأن عددا معتبرا من كتاب هذا الجيل كان يقول التالي: إن أي إنتاج فني أو أدبي هو، في المحصلة، إنتاج آيدولوجي ويصب، بوعي أو بدون وعي، في رؤية سياسية وآيدولوجية معينة، ما دام يحمل تصورا عن الحياة والعالم ويتخذ منهما موقفا. إلا أن هذا الجانب الآيدولوجي، أو السياسي، لا يدخل إلى الأدب والفن بما هو آيدولوجيا أو سياسة، أي بشروط الخطاب الآيديولوجي والسياسي، وإنما بشروط الأدب والفن ويمر بعملية تقطير يجريها عليه العمل الأدبي أو الفني من حيث هو عمل جمالي يستهدف المتعة الجمالية. كان هذا الجيل يناضل كي يشق طريقه بين هذين التيارين اللذين يبدوان متعارضين، لكنهما متفقان، في الحقيقة، علي محاصرة هذا التيار وقمعه. النقطة الثانية التي ميزت هذا الجيل هي تركيزه، سواء في الشعر أو القصة أو الرواية إلخ، على مسألة القهر والقمع السياسي وأيضا القمع الاجتماعي، من خلال إعلائه من شأن الحرية الفردية والكيان الفردي وحق الفرد في الاستمتاع بالحرية على المستوي السياسي، وعلى المستوى الاجتماعي في إقامة علاقات إنسانية طبيعية لإشباع حاجاته العاطفية وما إلى ذلك.
لكن القصة في ليبيا أصيبت في نهاية عقد السبعينيات بنكبة بالغة بسبب اختفاء خمسة أصوات قصصية مهمة عن ساحة الفعل الثقافي في البلد، فخمدت حركة القصة القصيرة في ليبيا طوال عقد الثمانينيات وجزء من عقد التسعينيات بحيث لا نكاد نظفر طوال هذه الفترة بأكثر من صوتين مهمين.
مع أواسط التسعينيات تقريبا وحتى الآن استعادت القصة القصيرة في ليبيا حيويتها بانضمام أصوات جديدة مبدعة إلى هذه المسيرة.
-
انشغالات القصة القصيرة الليبية
امتازت القصة الليبية التي كتبت في الخمسينيات والستينيات، عموماً، بالتصاقها الحميم بالطبقات والفئات الاجتماعية الفقيرة والمعدمة ونهلت موضوعاتها من معاناة الحياة اليومية، ووقفت موقفاً ناقداً من بعض التقاليد الاجتماعية التي كان المثقفون ينظرون إليها على أنها مرتبطة بالتخلف الاجتماعي، وكانت جماليات الرؤية الواقعية في إطارها العام هي المحددة لوعي كتابها فنياً وجمالياً. ويعد علي مصطفى المصراتي وكامل حسن المقهور وعبد الله القويري وخليفة التكبالي وبشير الهاشمي وأحمد إبراهيم الفقيه ويوسف الشريف أهم الأسماء التي مثلت هذه المرحلة.
أما قصص الكتّاب الذين ظهروا مع نهاية الستينيات وبداية عقد السبعينيات فصارت قصصهم تنحو أكثر فأكثر نحو استلهام مواضيعها من الطبقة البرجوازية الصغيرة، المثقفة غالباً، وصار مناخ القمع في بعديه الاجتماعي والسياسي (أو لعله قمع اجتماعي مدعوم سياسيا) هو الأبرز حضوراً فيها. ودخل كتابها في مغامرات تجريبية تنتمي إلى الكتابة الحداثية. وأبرز من مثّل هذه المرحلة إبراهيم الكوني وخليفة الفاخري وخليفة حسين مصطفى ومحمد سالم الحاجي ومحمد المسلاتي ومرضية النعاس وعمر أبو القاسم الككلي وعبدالسلام شهاب وجمعة بوكليب ومحمد الزنتاني والطاهر الدويني وفاطمة محمود.
في عقد الثمانينيات تقلص حضور القصة في الساحة الأدبية إلى حد كبير جداً، كما أسلفنا، بفعل الاعتقالات التي حدثت منذ أواسط السبعينيات في أوساط الأدباء والمثقفين الشباب، الذين كان من بينهم ثلاثة من كتاب القصة هم: عبد السلام شهاب (توقف عن الكتابة بسبب محنة السجن) وجمعة بوكليب (توقف ولم يعد إلى الكتابة إلا بعد ما يقارب عشرين سنة بعد الخروج من السجن) وعمر أبو القاسم الككلي، وتوقف عن الكتابة عدد من كتاب القصة ممن نجوا من الاعتقال، أهمهم محمد الزنتاني والطاهر الدويني. ولم يظهر في هذا العقد من الأصوات القصصية المهمة سوى صوتين هما إبراهيم حميدان وبشير زعبية.
قد يبدو عدد الذين سجنوا أو توقفوا عن الكتابة من القصاصين بسيطاً ويستغرب أن يؤثر في حركة أدبية لبلد ما، ولكن يمكن التساؤل عما كانت لتكون عليه القصة والرواية في روسيا وفرنسا وبريطانيا وأميركا لولا وجود ثلاثة أو أربعة أعلام في كل منها، كما لا ينبغي أن ننسى أن عدد سكان ليبيا آنذاك كان يبلغ ثلاثة ملايين.
مع بداية عقد التسعينيات وعقب الإفراج العام عن المساجين السياسيين في بداية 1988، انتعشت القصة من جديد بفعل توافر حد أدنى من حرية الرأي مكنت بعض كتاب القصة ممن كانوا في السجن وعدداً من الذين كانوا توقفوا عن الكتابة من العودة إلى الحياة الثقافية مجدداً، كما أن عدداً من الأصوات الأخرى التي كانت نشطة في عقد الثمانينيات ولم تهتم بمسألة الجودة الفنية أعادت النظر في تجربتها السابقة وعادت إلى الكتابة في شكل إبداعي. أبرز أسماء هذه الفترة أحمد يوسف عقيلة وسالم العبار وعلي الجعكي.
في العقد الأول من القرن الحالي يعتبر محمد العريشية، نجوى بن شتوان، مفتاح قناو، محمد الاصفر، إبراهيم بيوض، غازي القبلاوي، محمد مصراتي، عبدالله هارون، محمد العنيزي، عزة المقهور وحسن بوسيف أبرز الأسماء. تجدر الإشارة إلى أن مسرح أحداث القصص التي كتبت منذ البداية وحتى نهاية السبعينيات كان المدينة أساساً. في حين أصبحت عوالم القرية تأخذ موضعاً واضحاً إلى جانب المدينة في القصة التي تكتب حالياً.
1 - د. محمد الجراري، أحمد النائب الأنصاري و المؤسسة العلمية. مقاربة في الأزمنة و الأدوار( ورقة مقدمة إلى ندوة" المؤرخ أحمد النائب الأنصاري، حياته و آثاره و عصره، في الذكرى المئوية لصدور كتابه، مع نهاية القرن 1899-1999، المنعقدة بمركز جهاد الليبيين للدراسات التاريخية، من 8 إلى 10/10/1999). (مخطوطة).
2- نفسه.
3- د. أحمد إبراهيم الفقيه، بدايات القصة الليبية القصيرة، المنشأة العامة للنشر و التوزيع و الإعلان. طرابلس، 1985، ص 8
4- نفسه، ص 17
5- نفسه، هـ 7 ص17
6- نفسه، ص17-18
7- أمين مازن، في: خليفة التكبالي، تمرد،قصص قصيرة، اللجنة العليا لرعاية الفنون و الآداب. طرابلس.( د.ت). المقدمة. ص10
8- نجم الدين غالب الكيب، في الأدب و النقد، وزارة الدولة، الإدارة العامة للثقافة، وحدة التأليف و الترجمة و النشر، كتاب الشهر، العدد 20، طرابلس 1975، ص45
9- كامل حسن المقهور، حول القصة الليبية. في: بشير الهاشمي، خلفيات التكوين القصصي في ليبيا، دراسة ونصوص، المنشأة العامة للنشر و التوزيع و الإعلان، طرابلس 1984، ص181
10- خليفة التليسي، رحلة عبر الكلمات، الشركة العامة للنشر و التوزيع و الإعلان، طرابلس ط 2، 1979، ص261
11- د. أحمد عطية، في الأدب الليبي الحديث، دار الكتاب العربي، طرابلس( د. ت) ص59
12- في بشير الهاشمي، مذكور، ص 224-225.
|