القاهرة 23 يوليو 2024 الساعة 10:29 ص
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
عزيزي القارئ، سواء أكنت مسلمًا أم مسيحيًّا، فلا تجعل في القلب والفكر والسلوك مكانًا للتعصب والكراهية والرفض، فالفروق بين المسيحية والإسلام أقل مما نظن، والاختلاف بينهما لا يبرر العداوة والقتل والتكفير، ولقد أوصى الإسلام بأهل الكتاب، وأوصانا السيد المسيح بالصلاة حتى من أجل الذين يسيئون إلينا، والإسلام لا يسيء إلى المسيحية، بل يكرّمها حتى وإن رأى بعض من يدَّعون الإسلام غير ذلك.
هذا ما تقوله ليلى تكلا في كتابها "تراثنا المسيحي الإسلامي المشترك"، الصادر عن الهيئة العامة للكتاب، وتراه يحمل رسالة صادقة مخلصة لا تسعى لشيء سوى التفاهم والتعايش والسلام، إنه ليس مناظرة بين جانبين، بل ببساطة دعوة للفهم المشترك والاحترام المتبادل، ونعرف منه أن الحرب بسبب الدين كانت هي النموذج السائد في حروب العصور الوسطى والقديمة وكان الدين في تلك الفترة هو السبب والمحرك الرئيس للحرب وكانت الحروب تعد نزاعات يتجلى فيها تفوق آلهة بعض الشعوب على البعض الآخر وكانت تُعتبر حروب خاصة بالآلهة نفسها وبيان لتفوقها.
تكلا توجّه كتابها لمن لا يعرفون الإسلام حق المعرفة فيرفضونه لمجرد أنهم لا ينتمون إليه، دون أي إلمام به، وتوجهه إلى من يدّعون أنهم يؤمنون بالإسلام دون أن يفهموا جوهره ويسلكون مسلكًا لا يتفق مع تعاليمه. كذلك توجهه إلى الذين لا يعرفون المسيحية والذين ينتمون إليها لكنهم لا يستوعبون مغزى معانيها وتعاليمها فيرفضون الآخر على غير ما أوصى به المسيح. تكلا تصف كتابها أيضًا بأنه رسالة تهدف إلى التوفيق لا التفضيل وتسعى للجمع والتقارب وليس للتفرقة والتنافر ولا تسعى لإقناع أي فرد بعقيدة غيره بل تسعى لأن يهتم كلٌّ بمعرفة صحيحِ عقيدته ويعرف عقيدة الآخر ويدرك ما فيها من اتفاق وتوافق.
تكلا تقول إننا ابتلعنا طُعْمًا مسمومًا مرتين، مرة عندما تَشرّبنا مقولة صِدام الأديان، ويقصد بها الإسلام والمسيحية، ومرة عندما داهمتنا مقولة التراث المسيحي اليهودي.
يضم كتاب تكلا عدة مقالات تتناول الحديث عن السلام، عن الأديان والسلام، عن الحروب الدينية، عن التراث المشترك، عن الصراع والسلام، وإلى جانب هذه المقالات هناك أربعة ملاحق تتحدث تكلا فيها عن ملاحظات حول مفهوم الحضارة، عن الآيات القرآنية التي تشير إلى الإنجيل والتوراة وتلك التي تحدد العلاقة بين المسلمين والمسيحيين، عن بعض مواد قانون العقوبات وعن موقف الإسلام من ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية.
تكلا تقول في أحد مقالاتها إن جميع الأديان تدعو إلى الخير والتكافل والخلق النبيل والسلوك القويم وإخراج أفضل ما في الإنسان، لكن أسوأ ما بالبشر جعلها سببًا للصدام.
ومن العوامل التي جعلت الاختلاف سببًا للخلاف، كما ترى تكلا، المادية والأنانية والغرور وحب السلطة والتسلط والبعد عن التدين والفهم الصحيح للأديان.أما في مقالها ليست حروبًا دينية تذكر تكلا أن ما يرتكبه الإرهابيون باسم الإسلام في بعض بقاع الأرض ليس له علاقة بالجهاد، كذلك تؤكد الشواهد أن المتعصب هو من لا يفهم دين الآخر، أما الإرهابي فهو من لا يفهم حتى دينه هو.
كذلك تؤكد تكلا أن ما نحتاج إليه اليوم هو أن يعرف أصحاب كل دينٍ صحيحَ عقيدتِه ويتعرف على ثقافات وأديان الآخرين، فنحن لا نعرف القدر الكافي عن معتقدات الآخرين أو ما يدينون به ومع ذلك نسارع في نبذهم وإدانة معتقداتهم، وفي موضع آخر تقول تكلا إننا نؤمن بالتدين وليس بالدولة الدينية ولا وصاية لأحد على أي إنسان ولا على اختياره وأسلوب التعبير عنه وممارسة شعائره، الصلاة مثلًا مناجاة مع الخالق لا يتدخل فيها أحد ولا يعاقبه سواه والثواب منه وحده وهي تجعل الإنسان يقدم الخير لغيره ليس فقط لأنه يحسب له لكن أساسًا لأن يسعد الآخرين.
نهاية ترى تكلا أن كتابها هذا، بلغة العاطفة، رسالة حب وسلام، وبلغة العلم والواقع، رسالة توضيح وتصحيح ومعرفة.
|