القاهرة 17 يوليو 2024 الساعة 06:08 م
ترجمة: سماح ممدوح حسن
توفي إسماعيل قادري، الكاتب الألباني الذي سبر أغوار تاريخ وثقافة البلقان في الشعر والرواية على مدار أكثر من 60 عامًا، عن عمر يناهز ال 88، حسبما صرّح ناشره.
وقال"بوجار حضري"محرر قادري في دار أونوفري للنشر ومقرها تيرانا، إن قادري توفي يوم الاثنين بعد نقله إلى المستشفى. وذكرت وكالة رويترز أن الكاتب أصيب بسكتة قلبية.
فى كتاباته التى ألفها أثناء حكم الدكتاتور الألبانى"أنور خوجة"، درس قادري المجتمع المعاصر من خلال عدسة الرمز والأسطورة، خاصة في رواياته: "جنرال الجيش الميت. والحصار. وقصر الأحلام".
وبعد هروبه إلى باريس قبل أشهر قليلة من انهيار الحكومة الشيوعية في ألبانيا في عام 1990، استمر تزايد شهرته خاصة مع العودة إلى الأقليم في رواياته. تُرجمت أعماله إلى أكثر من 40 لغة، وفاز بسلسلة من الجوائز بما فيها جائزة البوكر العالمية.
ولد قادري، 1936 في جيروكاستر، وهى مدينة عثمانية حصينة وقريبة من الحدود اليونانية. تربي قادري فى نفس الشارع الذى كان يعيش فيه"أنور خوجة" قبل جيل واحد.
نشر مجموعته الشعرية الأولى فى سن السابعة عشر. وبعد دراسته في جامعة تيرانا، حصل على منحة حكومية لدراسة الأدب في معهد جوركي في موسكو. عاد إلى تيرانا عام 1960 برواية عن اثنين من الطلاب يعيدان تأليف نص ألباني مفقود. وعندما نشر مقتطفًا من الرواية فى إحدى المجلات، منعتها الرقابة فورا.
وقد صرّح لصحيفة الجارديان فى عام 2005، وقال"حدوث ذلك كان شيئا جيدا، ففى أوائل الستينيات كانت الحياة فى ألبانيا ممتعة ومنظمة جيدا. والكتّاب لم يكونوا على دراية بحظر الكتابة عن تزيف التاريخ".
بعد ثلاث سنوات استطاع تجاوز الرقابة بروايته "جنرال الجيش الميت"، وتحكي الرواية عن جنرال إيطالي يسافر عبر ألبانيا في الستينيات، لاستعادة رفات الجنود الإيطاليين الذين ماتوا اثناء الحرب العالمية الثانية. يتجول الجنرال الذي لم يُذكر اسمه، عبر القرى الموحشة والحقول الموحلة، متشككًا في المغزى من مهمته الكئيبة"بعد كل ما قيل وكل ماحدث، هل يمكن أن تمتلك كومة من العظام اسمًا؟"
حالما نشرت الرواية، هاجمها النقاد الألبان، وقالوا إنها بعيدة كل البعد عن الواقعية الاشتراكية التي يتطلبها نظام أنور خواجة. لكن عندما نشرت الرواية فى فرنسا 1970، أحدثت صدى مدوياً، وأشادت بها صحيفة اللوموند وذكر التقرير أن الرواية"مذهلة، مليئة بالسحر".
رغم أن سمعته العالمية وفرت له بعض الحماية، إلا أن"قادري" أمضى العشرين عاما التالية محدد المسار بين التعبير الفني والنجاة. فبعد حظر قصيدته السياسية "الباشاوات الحمر" عام 1975، رسم صورة رائعة لخوجة في روايته "الشتاء الكبير" عام 1977.
في عام 1981 نشر روايته"قصر الأحلام" والتى كانت هجوما مجازيًا على الشمولية. ففي الرواية يكتشف شاب الأسرار الخطيرة لمكتب حكومي يدرس الأحلام. ومُنعت الرواية خلال ساعات. وعلى الرغم من هذه الانتكاسات، إلا أن قادري صار شخصية مهمة في اتحاد الكتاب الألبان، وعمل كنائب في مجلس الشعب. كما كان قادرًا على النشر والسفر إلى الخارج.
وبعدما توفي أنور خوجة عام 1986، بدأ الرئيس الجديد "رامز علياء" في اتخاذ خطوات أولية لإعادة الإصلاح. وعندما سقط جدار برلين في عام 1989، التقى قادري بالرئيس لمناقشة التغيير. ولكن فى أكتوبر 1990، توصل إلى هذا الاستنتاج "من غير الممكن إيجاد معارضة قانونية فى ألبانيا وهذا أكثر من أي إجراء يمكنني القيام به في ألبانيا، لأن انشقاقي سيساعد في تحقيق الديمقراطية في بلادي"
كان قادري، من بين 100 مثقف استهدفتهم الشرطة السرية الألبانية لاعتقالهم، لكنه هرب إلى باريس وطلب اللجوء السياسي إلى فرنسا.
وقد صرّح لصحيفة نيويورك تايمز وقال: "كانت التهديدات المباشرة أو غير المباشرة من"السيجوريمي، أمن الدولة" لمن أرادوا تصفية حسابات قديمة معهم. واستغل السيجوريمي أول إشارات القلاقل لتصفية تلك الحسابات".
استقر قادري، بأمان في باريس، وبدأ في نشر أعمال تتناول الشمولية بطريقة مباشرة أكثر. مثلا نوفيلا "أمر التعمية" التى تحكي قصة السلطان العثماني الذى يصدر مرسومًا يأمر الرعايا ممن لديهم "أعين، نظرة شريرة" بأن يٌعموا، يتم تعميتهم.
ومع تزايد شهرته، حصل على وسام جوقة الشرف الوطني. فضلا عن جائزة البوكر العالمية، ثم جائزة إنجاز العُمر عام 2005. ولكن هذه الجائزة الأخيرة أثارت الأسئلة المزعجة. حيث قالت الكاتبة الرومانية ريناتا دوميتراسكو: "لقد بُنيت مسيرته المهنية على ركائز مريبة" ثم صرّحت وقالت: "قادري ليس سولجينتسين ولن يكون أبدًا".
وكتبت دوميتراسكو: "مثل معظم أقرانه في الدول الشيوعية الأخرى، كان قادري حرباء ماهرة، يلعب ببراعة دور المتمردين هنا وهناك لإثارة الغربيين الساذجين الذين كانوا يبحثون عن أصوات المعارضة من الشرق. ولكن ما من شك على الإطلاق فى نوع الحيوان الذي كان عليه، ومن هو القطيع الذي يركض معه. في الواقع، سيرته الذاتية تصرخ بالمهنية والامتثال".
ورفض قادري الاتهامات بأنه تعامل بأوراق اعتماد مزورة، مقترحا أن يركز منتقدوه على عمله بدلا من ذلك.
وقال قادري لصحيفة جيروزاليم بوست: "أنا لم أدعي قط أني، منشق، بالمعنى الصحيح للكلمة. فالمعارضة الصريحة لنظام خوجة، مثل المعارضة الصريحة لستالين أثناء حكم ستالين في روسيا، كانت ببساطة مستحيلة. فالانشقاق هو مكانة لا يمكن لأحد أن يتبوئها، ولو لبضعة أيام، دون أن يواجه الإعدام رميا بالرصاص. ومن ناحية أخرى، فإن كتبي فى حد ذاتها تُمثّل شكلاً واضحًا من أشكال المقاومة للنظام".
ومع استمرار نشر قادري لرواياته المتقنة، بدأ الجدل حوله يخفت حتى التلاشي. عندما صدرت روايته باللغة الإنجليزية 2008، والتى تحكي عن قلعة ألبانية تقاوم الجيش التركي العثماني في القرن الخامس عشر. حينئذ أشارت صحيفة لوس أنجلوس تايمز إلى أن المؤلف كان"واحداً من بين الكتاب الأكثر إثارة للجدل في الأدب الغربي المعاصر". لكن لا يجب أن يمنع هذا القراء من قراءة رواية"الحصار" والتى هى عمل مهم لمؤلف مهم ورائع.
وبعد مرور عام، أصر قادري على أنه"ليس كاتبًا سياسيًا، وعليه، وفيما يتعلق بالأدب الحقيقي، لا يوجد في الواقع كتاب سياسيون. أعتقد أن كتابتي ليست أكثر سياسية من المسرح اليوناني القديم. وكنت سأصبح الكاتب الذي أنا عليه في ظل أي نظام سياسي".
بعد عودته إلى تيرانا للاحتفال بافتتاح متحف في موقع شقته القديمة في عام 2019، قال قادري لفرانسا 24 إن عمله"خضع لقواعد الأدب فقط، ولم يخضع لأي قواعد أخرى".
وأضاف: "إن الناس الذين عاشوا تلك الفترة كانوا تعساء. لكن الفن فوق كل هذا، الفن ليس تعيسًا ولا سعيدًا في ظل النظام".
|