القاهرة 17 يوليو 2024 الساعة 05:53 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
عندما قرأت سيرة هذا الفيلسوف فإن أول ما ثار في ذهني: لماذا يعد من الحكماء السبعة؟ سيرته غاية في القسوة، ولم يقدم الكثير من الكتب أو النصائح، ولكن كلما تعمقت في دراسة هذا الرجل وجدت أنه يصلح لأن يكون فيلسوفا، فهو أول من وضع أسس الفكر السياسي.
يقول طاليس المالطي أنه لم تعرف السنة التي ولد بها برياندرس، ولا السنة التي توفي فيها أيضا، وهو من الفلاسفة المتقدمين، ملك مدينة كورنته، وكان فيه نوع من الجنون، ويكمل طاليس المالطي في كتابة تاريخ الفلاسفة أن اليونانيين جعلوه حكيما، وسبب ذلك أنه كانت له حكم ظريفة ساطعة، كما كانت له أفعال قبيحة رديئة جدا، فاغتروا بسواطع حكمه، ولم يتأملوا أفعاله القبيحة مدة عمره، وكان تارة يتكلم كلام الحكماء، وأخرى بكلام الحمقى، ولا يستحي ولا يخشى من الفضيحة!
ويبدو أنه كان حاكما طاغية، فتقول عنه الحكايات أنه نذر نفسه أنه إذا انتصر في الملاعب الأوليمبية فسوف يصنع تمثالا من الذهب على شكل الإنسان الكامل ويهديه لمعبد جوبيتر -إي الشمس- وانتصر في أول الملاعب ولم يجد عنده من المال ما يوفي به هذا النذر، فقطع حلي النساء الذين كانوا في المدينة من صدورهن، ووفي بنذره !
وقد تزوج من لوسيس بنت أمير أبيدور، وكان يحبها حبا جما، فغير اسمها إلى ميليس، وولدت له ابنان، أولهما سبسيليس وكان فاتر الهمة بليد العقل، أما الثاني فكان أليفكرون، ولأسرته مأساة كبيرة..
بدأت المأساة عندما استهزأن نسوة من المدينة بزوجته ميليس التي كانت ضخمة الجثة، ووصل إليه الأمر، فقارن بين نساء كورنته الجميلات وزوجته الضخمة القبيحة، فاغتاظ بشدة، وعاد إلى بيته ذات يوم ووجد زوجته مستندة على السلم فضربها برجله في بطنها، فسقطت من فوق السلم، وماتت هي وجنينها، فاغتم الرجل لما فعله، وأتى بتلك النسوة وأمر بحرقهن، ولما وصل الخبر إلى أبيها أتى بولديها وكان يحبهما بشدة، وسألهما هل تعرفان من قتل أمكما؟ لم يفهم الأكبر، أما الابن الأصغر الذكي فكان يدرك أن اباه هو من فعل تلك الفعلة، فأضمر في نفسه أنه إذا عاد إلى كورنته ألا يكلم أباه أبدا، وعاد الابنان إلى كورنته، وحاول برياندرس أن يجعل الابن الأصغر واسطة بينه وبين جده، ولكن الابن رفض، فأمر برياندرس أهل كورنته أن لا يدخل أحدا ابنه إلى بيته أبدا، ففهم الابن الأصغر أنه قد طرد أو نفي من كورنته، واجتمع أصحابه ليدخلوه إلى بيته، ولكن برياندرس أمر بأن يكون عقاب من يأوي ابنه هو الموت، فمكث أليفكرون في العراء مدة أربعة أيام، يعيش في أزقة المدينة لا يأويه أحد، ومر عليه والده ليجده في حالة يرثى لها، فحاول أن يجعله يعود مرة أخرى إلى طاعته، ولكن الابن الأصغر كان صعب المراس، أخذ عن أبيه القسوة، فرفض، ونفاه أبوه إلى مدينة قورقيرة، واغتاظ برياندرس من جد أبنائه الذي أحدث شقاقا بينه وبينهم، فجهز جيشا عظيما واستطاع ان ينتصر عليه وتركه في السجن.
كانت حياة برياندرس حافلة بالمواقف السياسية العجيبة مما يجعله بالفعل مؤسس علم السياسة، ومن أقواله التي نسبت إليه:
- متي كان الإنسان متعلقا بشيء وصرف إليه جهده وصل إليه، كيف لا مع أن الانسان إذا احتال على برزخ بين بحرين لهدمه.
- لا ينبغي للإنسان أبدا أن ياخذ في نظير عمله ذهبا ولا فضة فإن ذلك قليل عليه.
- إن الملوك لا يمكن أن يوجد عندهم فخر أعظم من محبة الرعية لهم.
- لا ينبغي أن يُقتصر على معاقبة فاعل الشر، بل يعاقب مثله من أضمر على فعله.
- الحظوظ تمر والفخار لا يعتريه ذهاب.
|