القاهرة 02 يوليو 2024 الساعة 01:53 م
بقلم: د. حسين عبد البصير
منذ فجر التاريخ، تُعد مصر منارة للحضارة والثقافة والفكر، ويشكل المصريون نسيجًا متنوعًا ومترابطًا من الصفات التي تجعل شخصيتهم فريدة من نوعها، حيث يجمع المصريون بين العراقة التاريخية، والتنوع الثقافي، وروح العزة والكرامة، والضيافة والترحاب، والنضال المستمر من أجل الحرية والعدالة.
مصر، أرض الفراعنة، هي واحدة من أقدم الحضارات في العالم، وتاريخها العريق يمتد لآلاف السنين. تأسست الحضارة الفرعونية حوالي 3200 قبل الميلاد، وازدهرت على ضفاف نهر النيل. اشتهرت بالإنجازات الهندسية والمعمارية مثل الأهرامات ومعابد الأقصر والكرنك. كانت مصر القديمة مركزًا للتقدم في العلوم والفنون والأدب. الطب والفلك والهندسة والكتابة الهيروغليفية، كلها إبداعات شهدت تألقها في تلك الفترة. كان الفراعنة يعتبرون أنفسهم أبناء الآلهة، وكانت الديانة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. الاعتقاد بالحياة بعد الموت كان محوريًا، مما أدى إلى بناء الأهرامات كقبور فخمة للملوك.
بعد غزو الإسكندر الأكبر لمصر عام 332 قبل الميلاد، أصبحت الإسكندرية عاصمة مصر الهلنستية ومركزًا للعلم والثقافة. كانت مكتبة الإسكندرية منارة للمعرفة. عمل العلماء مثل إقليدس وأرشميدس بها. بعد أن أصبحت مصر جزءًا من الإمبراطورية الرومانية في 30 قبل الميلاد، استمرت الإسكندرية في لعب دور رئيس كمركز اقتصادي وثقافي.
في 641 ميلادية، فتح المسلمون مصر بقيادة عمرو بن العاص، وأصبحت مصر جزءًا من الدولة الإسلامية. تأسست القاهرة عام 969 ميلادية، وأصبحت عاصمة جديدة ومركزًا ثقافيًا ودينيًا رئيسًا في العالم الإسلامي. يعد جامع الأزهر، الذي تأسس في نفس العام، أحد أقدم الجامعات في العالم ويعد مركزًا للتعليم الإسلامي.
تعد مصر موطنًا لتنوع ثقافي هائل، حيث امتزجت العديد من الحضارات والثقافات عبر العصور. اللغة العربية هي اللغة الرسمية، ولكن اللهجة المصرية العامية غنية بالمفردات المستعارة من اللغات القبطية واليونانية والتركية والفرنسية. تظل اللغة المصرية القديمة جزءًا من التراث المصري، ويستمر استخدامها في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
شهد الأدب المصري ازدهارًا كبيرًا عبر العصور، من الأدب الفرعوني القديم مثل "قصة سنوحي" إلى الأدب الحديث. كان لنجيب محفوظ، أول عربي يحصل على جائزة نوبل في الأدب، تأثير كبير على الأدب العربي. تشمل الفنون المصرية الموسيقى والسينما والمسرح. لعبت السينما المصرية، التي تُعرف بـ "هوليوود الشرق"، دورًا كبيرًا في تشكيل الثقافة العربية. كان الفنانون مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ رموزًا للموسيقى العربية.
تعد العادات والتقاليد المصرية متنوعة وتعكس التنوع الثقافي والجغرافي للبلاد. وتعد الاحتفالات الدينية مثل رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، بالإضافة إلى الأعياد القبطية مثل عيد الميلاد وعيد القيامة، مناسبات مهمة لتبادل الزيارات والهدايا. يعبر الزي التقليدي، الطعام، الرقصات الشعبية عن التراث الغني والتنوع في مصر.
تتميز الشخصية المصرية بروح العزة والكرامة، حيث يظهر الشعب المصري تفانيًا كبيرًا في الحفاظ على هويته وثقافته وقيمه. المصريون لطالما كانوا مقاتلين شرسين في الدفاع عن أرضهم ضد الغزاة. من الحيثيين إلى الفرس، ومن الرومان إلى الفرنسيين والبريطانيين، لم يفتأ المصريون يقاومون كل محاولة للسيطرة على بلادهم. تشمل الأمثلة الحديثة المقاومة ضد الاحتلال البريطاني في أوائل القرن العشرين، والنضال من أجل الاستقلال الذي تُوّج بثورة 1952. أطاحت الثورة المصرية عام 1952، بقيادة الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر، لنظام الملكي وأقامت الجمهورية المصرية. لم تكن تلك الثورة مجرد تغيير في النظام السياسي، بل كانت بداية لعصر جديد من التحديث الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. صار عبد الناصر رمزًا للعزة القومية والتحديث، حين سعى لتحقيق العدالة الاجتماعية والتحرر من الاستعمار.
تعد الضيافة جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المصريين، حيث يتسمون بترحاب الضيوف وتقديم الضيافة الدافئة والكريمة. الضيافة والكرم جزء لا يتجزأ من الثقافة المصرية. يعتبر المصريون استقبال الضيوف في منازلهم وتقديم الطعام والشراب لهم علامة على الاحترام والتقدير. في المناطق الريفية، يتمتع الضيوف بمعاملة خاصة، حيث يُقدم لهم أفضل ما في المنزل، سواء أكان ذلك في المأكل أو المشرب. تُعتبر الأعياد والمناسبات الاجتماعية، مثل شهر رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، فرصًا لتبادل الضيافة وتوطيد العلاقات الاجتماعية. في رمضان، تعتبر دعوة الأصدقاء والجيران لتناول الإفطار أمرًا شائعًا، ويعبر عن الروح الجماعية والترابط الاجتماعي. تُظهر حفلات الزفاف والاحتفالات العائلية الأخرى أيضًا الكرم والضيافة المصرية، حيث يتم إعداد الولائم ودعوة الأقارب والأصدقاء للاحتفال.
مصر شهدت العديد من الحركات التحررية والنضالات السياسية، حيث خاض المصريون معارك طويلة من أجل الحرية والعدالة وتحقيق الديمقراطية. بقيادة سعد زغلول، كانت ثورة 1919 من أبرز الثورات ضد الاحتلال البريطاني. قاد المصريون احتجاجات واسعة للمطالبة بالاستقلال التام، مما أسفر عن منح مصر استقلالاً نسبيًا في عام 1922 وإنشاء دستور جديد. تلك الثورة كانت نقطة تحول في التاريخ المصري، حيث وحدت المصريين بمختلف طوائفهم وأديانهم ضد الاستعمار. أطاحت ثورة 1952 بالنظام الملكي وأقامت الجمهورية المصرية، وأصبحت تحت قيادة جمال عبد الناصر. أحدثت تلك الثورة تغييرات جذرية في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في مصر. تم تأميم الصناعات والبنوك، وإطلاق برنامج للإصلاح الزراعي لتوزيع الأراضي على الفلاحين الفقراء. كانت ثورة يناير 2011 نقطة تحول مهمة في التاريخ الحديث، حيث خرج الملايين إلى الشوارع مطالبين بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. تلك الثورة أدت إلى الإطاحة بالرئيس حسني مبارك بعد 30 عامًا من الحكم، وفتحت الباب أمام مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. لقد كانت ثورة 30 يونيو 2013 حدثًا تاريخيًا فارقًا في تاريخ مصر. وبدأت الثورة بموجة غضب كبيرة من التظاهرات والاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد في 30 يونيو 2013. وجذبت ملايين المصريين من مختلف الأعمار والتيارات السياسية. واحتشد المصريون في ميدان التحرير بالقاهرة وفي مدن مصرية عديدة. وخرج ملايين المصريين إلى الشوارع للتعبير عن رفضهم لحكم محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين. وكانت المطالب الرئيسة للمتظاهرين هي استقالة مرسي وتنحيه عن السلطة، والدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. ووصلت التظاهرات إلى ذروتها في 3 يوليو 2013، حين أعلن الجيش المصري إقالة مرسي من منصبه بعد أن فشل في الاستجابة لمطالب المحتجين. وأعلن الجيش المصري خطته لتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات جديدة. وتم استبدال مرسي بالمستشار عدلي منصور كرئيس مؤقت للبلاد.
لقد كانت ثورة 30 يونيو 2013 نقطة تحول في تاريخ مصر المعاصر، وكانت ذات تأثير كبير على المشهد السياسي والاجتماعي في البلاد. وقد أثارت الكثير من الجدل خارج البلاد. ولقد كتب المصريون الوطنيون عددًا كبيرًا من الكتب عن ثورة 30 يونيو. رغم كل التحديات والصعوبات التي واجهتها مصر بعد تلك الثورة، إلا أن تلك الفترة تمثل نموذجًا للنضال الشعبي من أجل الديمقراطية.
باختصار، الشخصية المصرية هي مزيج فريد من العراقة التاريخية والتنوع الثقافي وروح العزة والكرامة والضيافة والنضال المستمر من أجل الحرية والعدالة. تتجلى هذه السمات في حياتهم اليومية، وعلاقتهم بماضيهم، وتطلعاتهم نحو المستقبل. تجمع الشخصية المصرية بين قوة الصمود أمام التحديات والقدرة على التكيف مع التغيرات، مما يجعلها فريدة ومتميزة. تستمر مصر في كونها مصدر إلهام وفخر لملايين الناس في جميع أنحاء العالم، وتراثها الثقافي الغني يؤكد على أهمية الحفاظ على الهوية والتراث في مواجهة العولمة والتغيرات السريعة.
|