القاهرة 26 يونيو 2024 الساعة 01:46 م
بقلم: د. حسين عبد البصير
إن مفهوم الطاعة في الفكر السياسي هو مفهوم متجذر في الحضارات القديمة، بما في ذلك مصر والعراق القديم.. في مصر القديمة، كان الملك هو ممثل الآلهة على الأرض، وكانت الطاعة له واجبًا دينيًا وسياسيًا في الوقت نفسه. كان الملوك المصريون يعتبرون تجسيدًا للآلهة، مثل رع وأوزيريس، مما جعل طاعتهم واجبة ولا غنى عنها للحفاظ على النظام الكوني والعدالة (ماعت). وكان الأساس في ذلك هو الناحية الوظيفية للحاكم باعتبار أنه يضمن تحقيق العدالة على الأرض.
وتعكس النصوص الأدبية، مثل "تعاليم الحكيم بتاح حتب" و"نصائح الحكيم إيبوور"، أهمية الطاعة للسلطة الملكية. تنص النقوش والنصوص المصرية القديمة على أن الملك كان هو الحامي والمنظم للحياة، والطاعة له تضمن الاستقرار والازدهار. وتعبر النصوص عن دور الملك كحاكم مطلق يتلقى الدعم المباشر من الآلهة. وتشيد النصوص المصرية القديمة بطاعة الشعب للملك، وتصور التمرد أو العصيان كفعل غير طبيعي يستدعي العقاب الشديد.
في بلاد ما بين النهرين، كانت السلطة الملكية تُدعم بفكرة أن الملك هو نائب الآلهة على الأرض. كان الملوك، مثل حمورابي وسرجون الأكدي، يقدمون أنفسهم كخدام للآلهة، ويتلقون الشرعية من رعاية الآلهة لهم. ويظهر قانون حمورابي، الذي يعد من أقدم القوانين المكتوبة، دور الملك كمنظم للمجتمع وكحامي للعدالة. وكانت الطاعة للقوانين والملك تُعد واجبًا دينيًا وأخلاقيًا، يعكس الإرادة الإلهية.
توضح النصوص الملكية، مثل نصوص نبوخذ نصر في بابل، دور الملك في الحفاظ على النظام والعقاب الصارم للمتمردين. تتحدث النصوص العراقية القديمة عن الطاعة كمبدأ أساسي للحفاظ على النظام الاجتماعي والديني.
اعتمدت الحضارتان على الشرعية الدينية لتعزيز سلطة الملك، لكن في مصر، كانت تلك الشرعية أكثر تركيزًا على الملك كحاكم يطبق العدالة على الأرض نيابة عن الآلهة، بينما في بلاد النهرين، كان الملك يُعد خادمًا للآلهة. في العراق القديم، كانت هناك قوانين مكتوبة مثل قانون حمورابي، تعكس تنظيمًا قانونيًا محددًا للطاعة والعقاب، بينما في مصر، كانت الطاعة أكثر ارتباطًا بالنظام الكوني والديني. تظهر النصوص في كلا الحضارتين أهمية الطاعة، لكنها في مصر كانت غالبًا مصحوبة برموز دينية، في حين أن النصوص في بلاد النهرين ركزت على الإنجازات الملكية والبنى التحتية.
عكست الطاعة في الفكر السياسي لمصر والعراق القديم أهمية الطاعة كركيزة أساسية للحكم والاستقرار. وكانت الطاعة في كلتا الحضارتين تعد جزءًا من النظام الديني والأخلاقي، وتدعمت بشرعية إلهية لضمان ولاء الشعب واستقرار المجتمع.
|