القاهرة 25 يونيو 2024 الساعة 10:36 ص
بقلم: د. حسين عبد البصير
الأفروسنتريك أو المركزية الأفريقية هي حركة فكرية وثقافية تهدف إلى إعادة النظر في تاريخ وثقافة الشعوب الأفريقية من منظور يبرز مساهماتهم الحضارية، ويعيد لهم الاعتبار الذي تم تهميشه أو تحريفه في التأريخ التقليدي. ومع ذلك، تواجه هذه الحركة انتقادات كثيرة، خصوصًا عندما يتم طرح أفكار تعتبرها بعض الأوساط الأكاديمية غير دقيقة أو مبالغ فيها بخصوص الحضارة المصرية القديمة.
أثارت الحركة "الأفروسنتريكية" جدلاً واسعًا عن أصول الحضارة المصرية، حين ادعت بالأصول الأفريقية السوداء للحضارة المصرية القديم، حيث. ادعى بعض الأفروسنتريكيين أن المصريين القدماء كانوا بالكامل من العرق الأفريقي، وأن الحضارة المصرية هي حضارة أفريقية سوداء أصيلة. والحقيقة إن هذه الادعاءات تتجاهل الطبيعة العرقية والثقافية للمجتمع المصري القديم. وتشير الأدلة الأثرية إلى تفاعل مصر مع شعوب من شمال أفريقيا والشرق الأدنى. ويؤكد بعض الأفروسنتريكيين أن المؤرخين الأوروبيين تعمدوا تبييض التاريخ المصري القديم والتقليل من شأن الأصول الأفريقية للحضارة المصرية.
بينما يمكن القول بأن هناك تحيزات في بعض الدراسات التاريخية، فإن الأدلة العلمية الحديثة، بما في ذلك دراسات الحامض النووي وتحليل الهياكل العظمية، توفر صورة أكثر وضوحًا للأصول العرقية للمصريين القدماء.
ويزعم بعض أنصار الأفروسنتريك أن المصريين القدماء كانوا أفارقة سود، وأن الثقافة المصرية القديمة هي جزء من التراث الأفريقي الأسود. وتشير الدراسات الأثرية والأنثروبولوجية إلى أن مصر القديمة لم تكن متميزة بسيادة العرق الأفريقي الأسود.
وقد أظهرت دراسات حديثة، مثل دراسات الحامض النووي، أن المصريين القدماء كانوا مرتبطين جينيًا بشعوب شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى أكثر من ارتباطهم بشعوب أفريقيا جنوب الصحراء. وأشارت دراسات الهياكل العظمية إلى أن المصريين القدماء كانوا متقاربين في الصفات الجسدية، مما يوضح التجانس في أصولهم العرقية.
قال أصحاب الادعاء الأفروسنتريكي أن الحضارة المصرية استمدت ثقافتها وتطورها من جنوب الصحراء الكبرى ومن الحضارات الأفريقية السوداء الأخرى. على الرغم من وجود تأثيرات ثقافية متبادلة بين مصر وجيرانها الأفريقيين، فإن الحضارة المصرية تطورت بشكل مستقل إلى حد كبير. وكان لمصر علاقات تجارية وثقافية مع مناطق مختلفة، بما في ذلك الشرق الأدنى والبحر الأبيض المتوسط.
كما ادعى بعض الأفروسنتريكيين أن المصريين القدماء حصلوا على معرفتهم التكنولوجية والعلمية من الحضارات الأفريقية السوداء. لقد كان التطور التكنولوجي والعلمي في مصر القديمة نتيجة لجهود محلية مكثفة، على الرغم من التأثيرات المتبادلة مع جيرانها. وتظهر الأدلة الأثرية تطورًا مستقلاً في مجالات مثل الهندسة، والطب، وعلم الفلك. ويستخدم الأفروسنتريكيون التماثيل والنقوش التي تظهر مصريين بملامح أفريقية كدليل على أن المصريين القدماء كانوا سود البشرة. والحقيقة أن الفن المصري القديم صور بعض الشخصيات بملامح أفريقية، وآسيوية، وبغيرها. ويعكس التنوع في الفن المصري الامتداد الجغرافي للحضارة والإمبراطورية المصرية خارج حدودها. ويفتقر هذا التفسير إلى الدقة؛ فقد أظهرت التماثيل والنقوش دقة واتساقًا في ملامح المصريين القدماء.
ينتقد العلماء الحركة الأفروسنتريكية بسبب تبسيطها المفرط لتاريخ معقد ومتعدد الأوجه مثل التاريخ المصري. ويُنظر إلى بعض الادعاءات الأفروسنتريكية على أنها متحيزة أيديولوجيًا، وتركز على بناء هوية عرقية بدلاً من الالتزام بالحقائق التاريخية.
وتفتقر بعض الادعاءات الأفروسنتريكية إلى الأدلة القاطعة، وتعتمد على تفسيرات جزئية وانتقائية للأدلة المتاحة. وتتجاوز الأفروسنتريكية الأدلة المتاحة لتقديم روايات أحادية الجانب. بينما تسعى الأفروسنتريك إلى إعادة الاعتبار للتراث الأفريقي وإبراز مساهماته الحضارية، فإنه من الضروري الاعتماد على الأدلة العلمية الموثوقة وتجنب التفسيرات الانتقائية والتأويلات غير الدقيقة.
وهناك مخاوف من أن هذه الحركة قد تؤدي إلى تحريف التاريخ وتعزيز الأفكار القومية العرقية. بشكل غير دقيق. يتم أحيانًا استخدام الأفروسنتريك لأغراض سياسية لتعزيز الهوية العرقية على حساب الحقيقة التاريخية.
سوف تظل حضارة مصر القديمة عصية على السرقة أو السطو على تاريخها وتراثها الفريد المميز لها كبصمة الإصبع، ولفهمها بشكل كامل، ويجب على أولئك الأدعياء الدخلاء دراسة وفهم كل المظاهر التي شكلت حضارة مصر القديمة العظيمة.
|