القاهرة 18 يونيو 2024 الساعة 12:31 م
بقلم: د. حسين عبد البصير
تمثل الأهرامات المصرية رمزًا عظيمًا للحضارة المصرية القديمة، وهي شهادات حية على عظمة المصريين القدماء وإبداعهم الهندسي منذ أكثر من 4700 عام في بداية عصر الدولة القديمة، أُنشئت الأهرامات المصرية في سقارة التي كانت البداية لتكون مقابر للملوك المصريين القدماء، ثم بُنيت تلك المقابر الضخمة في هضبة الجيزة التي وفرت بيئة مثالية لذلك. وفي عصر الدولة الحديثة، كانت الظروف الجغرافية في طيبة (الأقصر حاليًا) مختلفة تمامًا، مما أدى إلى تغير كبير في تصميم وبناء المقابر الملكية في تلك المنطقة. لقد كان تأثير الجغرافيا والدين على تصميم مقابر الملوك المصريين القدماء عظيمًا، منذ عصر الأهرامات الضخمة في الجيزة في الدولة القديمة إلى المقابر الملكية المنحوتة في الصخور في وادي الملوك في الدولة الحديثة.
تعد هضبة الجيزة من أشهر المناطق الأثرية في العالم، وتضم الأهرامات الثلاثة الكبرى التي تخص الملوك خوفو، وخفرع، ومنكاورع. أتاح الامتداد الواسع للهضبة مساحة كبيرة لبناء تلك الأهرامات الضخمة، التي كانت تستخدم كمقابر للملوك المصريين القدماء. كانت الأهرامات رمزًا للسلطة الإلهية والعظمة الملكية. وقد ارتبط تصميمها بشكل مباشر بإله الشمس رع. كانت الأهرامات تمثل الدرج الذي يصعد من خلاله الملك إلى السماء ليلتحق بالإله رع.
على النقيض من ذلك، كانت الظروف الجغرافية في طيبة (الأقصر) مختلفة بشكل كبير. كانت المدينة محصورة بين المنحدرات الصخرية، مما جعل بناء مقابر كبيرة مثل الأهرامات أكثر تحديًا. بالإضافة إلى ذلك، كانت المقابر في المناطق الصحراوية المحيطة بطيبة معرضة لخطر الفيضانات. كانت تلك الفيضانات تشكل تهديدًا كبيرًا لاستمرارية المقابر وسلامتها.
في فترات لاحقة، وخصوصًا في عصر الدولة الحديثة، طغت أهمية الإله آمون على رع، وأصبحت صفات آمون جزءًا أساسيًا من معتقدات المصريين القدماء. كانت إحدى صفات آمون هي "الخفي"، مما يعني أن إخفاء مقبرة الملك أصبح مقبولاً بل ومرغوبًا فيه من الناحية الدينية. سمح ذلك التحول للمصريين بفصل المعبد الجنائزي أو معبد الشعائر تمامًا عن مكان الدفن الفعلي للملك، مما أتاح لهم إخفاء المقابر بشكل أفضل.
وفرت تلك الاستراتيجية الجديدة ميزة إضافية تمثلت في حماية مقبرة الملك من لصوص المقابر، الذين كانوا يشكلون تهديدًا دائمًا. في وادي الملوك، تم دفن معظم الملوك المصريين القدماء في عصر الدولة الحديثة في مقابر ذات أعمدة منحوتة في الصخور. لم تكن تلك المقابر فقط مخفية بشكل أفضل عن أعين اللصوص، بل كانت أيضًا أقل عرضة للفيضانات، مما وفر حماية أفضل لمكان استراحة الملوك الأبدية. ومن أشهر تلك المقابر، مقبرة توت عنخ آمون التي اكتُشفت عام 1922 في حالة سليمة.
يعكس تطور تصميم مقابر الملوك من الأهرامات الضخمة في الجيزة إلى المقابر المنحوتة في الصخور في وادي الملوك التفاعل الدينامي بين الجغرافيا والدين في الحضارة المصرية القديمة. لقد كانت الظروف الجغرافية والدينية عوامل حاسمة في تحديد شكل وبنية تلك المقابر، مما يظهر مدى تعقيد وثراء الثقافة المصرية القديمة في التعامل مع مفاهيم الحياة والموت والخلود.
|