القاهرة 11 يونيو 2024 الساعة 10:36 ص
بقلم: د. هويدا صالح
كيف أصبحت هوليود الذراع الدعائية (بروباجنداpropaganda) غير الرسمية للجيش الأمريكي؟ أو لنقل منذ متى قد كرّست السينما الأمريكية كل مجهودها لخدمة السياسة الخارجية الأمريكية، وصارت صوتها الذي يبرر كل حروبها ضد شعوب العالم؟
يمكن أن نقول إن الحرب العالمية الثانية قد دفعت هوليود أن تنخرط في إنتاج أفلام بتكلفة إنتاجية عالية لتصبح هذه الأفلام أصواتا دعائية للجيش الأمريكي. ولتصنع صورة للجندي الأمريكي البطل الذي يخوض الحروب من أجل تحرير شعوب العالم ومن أجل الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها من تلك الشعارات التي كذبتها كل سياسات الولايات المتحدة، ليس في منطقتنا العربية فقط، بل في كل بقاع الأرض شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، فعندما دخلت الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، لم يكن الشباب والشابات وحدهم هم الذين جندوا، بل كل صناع السينما صاروا جزءا حيويا من هذه الاستراتيجية الأمريكية.
قال تانر ميرليس، الأستاذ المشارك في دراسات الاتصالات والإعلام الرقمي في جامعة أونتاريو للتكنولوجيا:" لا توجد دولة في العالم تنتج هذا العدد من الصور لنفسها مثل البطل العسكري... كما تفعل الولايات المتحدة. وهذه ظاهرة ثقافية فريدة من نوعها".
هذه قضية رئيسية تطرحها الكاتبة السورية هديل الغانم في كتابها" صناعة الأثر..هوليود" الذي صدر حديثا (2024) عن دار يافا لنشر الكتب العلمية بالأردن، حيث ترى هديل الغانم أننا: "عندما نتحدث عن هوليود، فإننا نتحدث عن تلك الأداة الإعلامية العملاقة التي استطاعت من خلالها بلاد العم سام أن تعيد رسم الخرائط حول العالم ولا نبالغ حين نقول بأن هوليود هي أكثر سلاح فتاك في يد الولايات المتحدة، فهناك دائما رسائل خفية وراء كل مشهد سينمائي يعرض تحت راية الترفيه".
ولا يمكن الفصل بين إنتاج هوليوود وبين توجهات السياسة الأميركية، فترى هديل الغانم أن الصور التي قدمتها هوليوود عن الشعوب الأخرى غير الأميركية، حيث قدمت "صورا نمطية للعربي القادم من البادية، والروسي الساذج، والألماني المتعصب، والبريطاني المغفل، والمكسيكي المجرم، والأميركي البطل الذي ينتصر دائما في النهاية".
رغم أن قضية السياسة الدعائية قضية مركزية في الكتاب إلا أن الكاتبة تطرقت بشيء من التفصيل إلى مراحل صناعة الأفلام وبداية صناعة الصورة المتحركة، حيث تشير إلى أن هوليوود لم تكن هي السباقة لاختراع أول صورة متحركة، فقد سبقها الأخوان الفرنسيان أوجست ولويس لوميير في اختراع جهاز عرض الصور المتحركة في الثالث عشر من فبراير عام 1895.
ويعتبر هذا التاريخ البداية الحقيقية لميلاد السينما في العالم، لكن نيويورك استطاعت تطوير الفكرة على يد المخترعين آرمان وجنكيز، اللذين اخترعا جهازا أفضل للعرض وبمزايا جديدة.
ويعتبر فيلم “رحلة إلى القمر” (آ تريب تو ذا مون) أول تجربة سينمائية قدمها الفرنسي جورج ميليه للعالم في عام 1905، لكن العرض لم يكن ليتجاوز الخمس دقائق! إلا أنهم استطاعوا في عام 1926 إدخال خاصية الصوت إلى السينما، ثم بعد ذلك بدأ بناء الاستوديوهات الكبرى. وانتشرت الصالات السينمائية في أرجاء الولايات المتحدة. وكانت تعرف حينها بـ”منتديات النيكل”. ثم بدأ عالم السينما الصامتة والتي كان من أهم ممثليها شارلي شابلن وديفيد غريفيث، كما تشير الكاتبة إلى المكاسب التي حققتها السينما الأميركية من الحرب العالمية الأولى.
تعتبر الانطلاقة الأولى للسينما الأميركية ورؤية هوليوود التجارية مع فيلم “بيرث أوف نايشن” الذي قدمه الأميركي ديفيد غريفيث في عام 1915، وقد أثار الفيلم جدلا واسعا بسبب محتواه العنصري.
في هذا الإطار، استعرضت الكاتبة المراحل التي مرت بها السينما، مشيرة إلى فترة العشرينيات من القرن الماضي عندما تحولت السينما إلى مشروع ربحي، حيث أنتجت هوليوود أفلاما كثيرة. وشهدت هذه المرحلة سيطرة شركات كبرى مثل (بارامونت، وفوكس، ومترو، ويونيفرسال، ولوي،وول ستريت).
وتضيف الكاتبة أن فترة الثلاثينيات من القرن العشرين شهدت صياغة نصوص هوليوود من قبل مجموعة من أشهر كتاب العالم مثل، وليام فولكنر، وسكوت فيتزجيرالد، وبرتولد بريشت، وتوماس مان. واستطاع كتاب السيناريو الاستحواذ على الشهرة والأضواء في هوليوود. ليجيء بعدها العصر الذهبي الذي امتد منذ أوائل الأربعينيات وحتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي. وقد كان للحرب العالمية الثانية الدور الكبير في تبديل الكثير من المفاهيم، وإحداث تغييرات جذرية في صناعة السينما الأميركية، كما أشرنا في المقدمة، حيث اتجه الإنتاج الهوليودي إلى الرسائل المباشرة التي تحملها أفلام الأبطال الأمريكية التي تنقذ شعوب العالم من الدكتاتورية والتوحش غير الأمريكيين.
أما أواخر السبعينيات، فقد اتجهت أستوديوهات هوليوود الكبرى إلى دعم أفلام الإيرادات الكبيرة. وارتبطت هذه المرحلة بسينما "الأكشن"، المسلية.
وشهد مطلع التسعينيات تطورا في فن الجرافيك وتقنيات الكمبيوتر التي ساعدت كثيرا في التصوير وصناعة كادرات خارقة لم يكن من الممكن صناعتها بهذا الشكل المبالغ فيه لولا استخدام التقنية في التصوير. وترى غانم أن هذه الفترة أخذت صناعة السينما في هوليوود منعطفا جديدا، حيث تحول الاهتمام إلى العناصر السينمائية من إضاءة وتصوير وموسيقى، وأصبحت الموضوعات أكثر جدية وواقعية.
أما عصر هوليوود الفضي، فشهد خروج أفلام الروائع، حيث لمعت فيه أسماء أبدعت في عالم الإخراج والتمثيل، مثل فرانسيس كوبولا، وروبرت دي نيرو، وداستن هوفمان.
أما مطلع الألفية الثالثة، فقد توطدت العلاقة بين هوليوود وبين التكنولوجيا، واعتمد فيه صنّاع السينما على التطور التقني في الانتقال إلى عصر سينمائي جديد، تأخذ فيه الصورة منحى آخر فهي تعبر فيه عن كل شيء، وتختصر الوقت والجهد والمال، وبذلك صارت السينما أكثر قدرة على إنجاز المشاهد والمواقف الصعبة والمستحيلة.
هكذا استطاعت هوليوود أن تسيطر على صناعة السينما في العالم، وأن تحكم سيطرتها على السوق السينمائية في كل بقاع الأرض وتحتل الصدارة، حتى باتت تتحكم بأمزجة سكان العالم.
جاءت أهمية الكتاب كونه يقدم صورة عن واقع السينما الأمريكية ويعرف بها. واستطاعت غانم تقديم معلومات موسعة عرّفت المشاهد العربي من خلالها على هذا الواقع، والنظرة التي ينُظر بها إلى عالمنا والعوالم الأخرى.
من خلال هذا الكتاب بفصوله الخمسة يمكن أن نفهم مقولة الرئيس الأميركي الأسبق روزفلت "السينما مكون اقتصادي واجتماعي مهم في المشروع القومي الأميركي". وبتوجيه من روزفلت قامت شركات الإنتاج السينمائي بدور مهم في تصوير البطولة الأميركية، وتهيئة الشعوب لتقبل السيطرة الأميركية على العالم.
|