القاهرة 28 مايو 2024 الساعة 09:30 ص
كتب: عثمان المخيلد - المغرب
إن تحقيق كتب التراث مهمة جليلة يطلع بها بعض الباحثين، وقد قام علي بن سعيد بن سالم الريامي بتحقيق ودراسة مفصلة لكتاب أبو العباس أحمد بن سعيد الدرجيني "كتاب طبقات المشايخ" الذي اهتم فيه بتراجم علماء الإباضية في المغرب العربي. في كتاب "الدرجيني ومنهجه في كتاب طبقات المشايخ في المغرب" والذي صدر عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن ضمن منشورات الجمعية العُمانية للكتاب والأدباء.
يقول الريامي في مقدمة كتابه "الدرجيني ومنهجه في كتاب طبقات المشايخ بالمغرب": «ألَّف أبو العباس أحمد بن سعيد الدرجيني (ت: تقريبًا 670هـ/ 1271م) "كتاب طبقات المشايخ" بناءً على طلب إباضيَّة المشرق بعُمان، رغبةً منهم في الاطلاع على سِيَر إخوانهم في المغرب، وقد استفاد الدرجيني في الجزء الأول من كتابه من سِيَر أبي زكرياء يحيى بن أبي بكر الوارجلاني (ت: بعد 474هـ/ 1081م)، وقد كشفت هذه الدراسة عن حجم ذلك التداخل بين الكتابين، والكيفيَّة التي تعامل بها الدرجيني مع سِيَر أبي زكرياء، أما الجزء الثاني فهو تراجمُ لعلماء الإباضيَّة في المشرق والمغرب، وكان لتراجم المغرب النصيبُ الأوفر منها، وقد استفاد الدرجيني في هذا الجزء من سِيَر أبي عمَّار التي يبدو أنها فُقدت، وأخذ عنه فكرة تقسيم العلماء إلى طبقات، هذا إلى جانب استفادته الكبيرة من "سِيَر الوسياني"، أبي الربيع سليمان بن عبد السلام».
ومن الجدير بالذكر كما يقول الريامي أن عنوان الكتاب لا يشتمل على مصطلح "المغرب"، وإنما العنوانُ الأصليُّ للكتاب هو "كتاب طبقات المشايخ"، وقد أقحم المحقِّق مصطلح "المغرب" على العنوان، لتأكيد عناية الكتاب بسِيَر مشايخ الإباضيَّة بالمغرب.
ويضيف الريامي: «تُعَدُّ الفصول، الثاني والثالث والرابع، من أهمِّ فصول الدراسة، كونها تكشف على الترتيب موارد الدرجيني ومنهجه وأهمَّ الجوانب التي تطرَّق إليها في كتابه، وهو ما لم تتم دراسته من قبل بشكلٍ معمَّق في دراسةٍ علميَّة، وتأتي أهميَّة دراسة منهج الدرجيني من خلال كتابه "طبقات المشايخ" من محاولة التعرُّف على موقعه الثقافي، ومقدار فائدته لكونه يمثِّل مرحلةً وسطى بالنسبة لحركة التأليف في موضوع سِيَر العلماء والأئمة الإباضيَّة، علاوةً على أنه وكتابه "طبقات المشايخ" لم يحظيا بدراسةٍ علميَّة أكاديميَّة وافية، وكان من غير الممكن الوقوفُ على منهجه، وبيانُ مدى القيمة العلميَّة لكتابه، إلا من خلال دراسة مادَّته ومقارنتها مع المؤلَّفات التي سبقته في المجال نفسه، خاصَّةً أنه يُعَدُّ أحد المصادر الرئيسية لدراسة الأوضاع: السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والفكريَّة والثقافيَّة، لمجتمعاتٍ طالما كان هناك اعتقاد أنها تعيش ما يُشبه العُزلة والاستقلاليَّة، في أفكارها وأنظمتها السياسيَّة والإداريَّة والاجتماعيَّة، في عصرٍ كان يسوده الاضطرابُ السياسيُّ».
ويقول الريامي أن قيمة الكتاب تبرز -خاصة الجزء الثاني منه- فيما أدَّاهُ الدرجيني من استكمال حلقةٍ مهمةٍ في كتابة السير الإباضية التي بدأها سلفه أبو زكرياء الوارجلاني، وتعد أخباره عن تأسيس نظام العزَّابة بالمغرب، ذات أهمية كبيرة، وبالأخص حديثه عن حلقة وارجلان التي انتسب إليها طالبًا لمدة سنتين (616-618هـ/1219-1221م)، إذ كان حديثه من واقع تجربةٍ عايَشها، إذ تحدث عن هيكلية هذا النظام، والمجالات التي تُشرف عليها حلقة العزَّابة، ونظامها التعليمي، وفكرها التربوي، بالإضافة إلى ما قدَّمه من معلومات في غاية الأهمية عن ملابسات انحسار الوجود الإباضي في العديد من المناطق التي كانوا قد استوطنوها لفترة طويلة، خاصةً في بلاد الجريد، فمثلًا أبدى حسرته على انحسار أتباع المذهب من جبال تمولست، وكذلك من الحامة ببلاد الجريد التونسية.
يذكر أن د. علي الريامي أكاديمي بجامعة السلطان قابوس، رئيس قسم التاريخ منذ 2020، وعضو جمعية التاريخ والآثار بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، صدر له "قضية عزل الإمام الصلت بن مالك الخروصي"، و"التاريخ: مسارات الوعي وإعادة الكتابة"، و"حركة ألفاظ الحضارة العربية.. من بيان الجاحظ إلى عقد ابن عبد ربه".
|