القاهرة 15 مايو 2024 الساعة 07:29 م
كتب: عصام محمد حسين
عيد شم النسيم من الأعياد المهمة عند المصري القديم وهو من أقدم هذه الأعياد لذا مازال المصريون يحتفلون به بالطقوس والأطعمة نفسها ويعتبر من الأعياد الزراعية المرتبطة بالطبيعة.
قسّم المصري القديم فصول السنة، التي أطلق عليها كلمة "رنبت"، إلى ثلاثة فصول فقط، ارتبطت بالدورة الزراعية التي اعتمدت عليها حياته بالكامل وهي: فصل الفيضان الذي أطلق عليه "آخت"، وهو يبدأ من شهر يوليو/تموز، وفصل بذر البذور "برت"، ويبدأ في شهر نوفمبر/تشرين الثاني، وفصل الحصاد "شمو" الذي يبدأ في شهر مارس/آذار.
اعتبر المصريون القدماء عيد "شم النسيم" بعثا جديدا للحياة كل عام تزدهر فيه الطبيعة، كما اعتبروه بداية سنة جديدة "مدنية"، غير زراعية، يستهلون به نشاطهم لعام جديد. وكانت الزهور وانتشار الخضرة بشيرا ببداية موسم الحصاد، فكانوا يملأون مخازن الغلال بحصاده، ويقدمون للإله الخالق خلال طقوس احتفالية سنابل القمح الخضراء، في دلالة رمزية على "الخلق الجديد" الدال على الخير والسلام.
وحرص المصري القديم على أن تضم قائمة طعامه في "شم النسيم" عددا من الأطعمة التي كانت تحمل مدلولا دينيا ا ارتبط بعقيدته كالبيض، والسمك المملح (الفسيخ)، والبصل، والخس، والحُمص الأخضر (الملانة).
وترمز البيضة إلى التجدد وبداية خلق جديد في العقيدة الدينية المصرية، فهي منشأ الحياة. أطلق المصري عليها "سوحت"، إذ كان يعتقد أن الإله "خلق الأرض من صلصال في هيئة بيضة، ودب فيها الروح، فبدأت فيها الحياة".
وبرع المصريون في صناعة السمك المملح، وكان يخصصون لصناعته أماكن محددة، وتشير بردية "إيبرس" الطبية إلى أن السمك المملح كان يوصف للوقاية والعلاج من أمراض حمى الربيع وضربات الشمس. وحرص المصري على تناول السمك المملح (الفسيخ) في هذه المناسبة مع بداية تقديسه نهر النيل، فضلا عن ارتباط تناوله بأسباب عقائدية تنطوي على أن الحياة خُلقت من محيط مائي أزلي لا حدود له.
وأولى المصريون أهمية كبيرة لتناول نبات البصل، الذي أطلقوا عليه اسم "بصر"، خلال الاحتفال بعيد "شم النسيم" اعتبارا من عصر الأسرة السادسة، لارتباطه بأسطورة قديمة تحدثت عن شفاء أمير صغير من مرض عضال عجز الأطباء عن علاجه، وكان البصل سببا في الشفاء بعد أن وُضع النبات تحت وسادة الأمير، واستنشقه عند شروق الشمس في يوم وافق احتفال المصريين بعيد "شم النسيم" فكُتب له الشفاء، فأصبح تقليدا حافظ عليه المصريون حتى الآن.
كما حمل تناول المصري القديم لنبات الخس في هذه المناسبة دلالة رمزية وعقائدية أخرى، لارتباط هذا النبات بالإله "مين"، إله الخصوبة والتناسل. كما أشارت بردية "إيبرس" الطبية إلى فائدة تناوله كعلاج لأمراض الجهاز الهضمي.
أما الحمص الأخضر، المعروف باسم "الملانة"، فقد عرفته عصور الدولة القديمة، وأطلق عليه المصريون اسم "حور-بك"، وكان يحمل دلالة عقائدية على تجدد الحياة عند المصري القديم.
|