القاهرة 23 ابريل 2024 الساعة 10:33 ص
بقلم: شيماء عبد الناصر حارس
الكتابة وجلد الذات، سؤال وجواب، من اعتاد توجيه الاتهامات إلى نفسه طوال الوقت، ماذا سيفعل أمام الورقة والقلم، إلى من سيوجه أصابع الاتهام، هل سيحنو على نفسه، هل سيساعده التسجيل على إضاءة زاوية أخرى في الحكاية أو الموقف، زاوية الآخر أو حتى القدر أو النصيب، أو زاوية اللا شيء، أي ربما حدث ما حدث فقط لأنه حدث وأنه كان عليه أن يحدث، لا أحد مذنب.
الكتابة والاغتراب، قطعة من نص حزين: "وتصنعني ذوات الآخرين قطع الورق متناثرة على أرض الغرفة، بقايا عقود بيع قديمة، أوراق رسمية متنوعة، احتفظت بهذا الكيس المليء بالأوراق، لأوثق معرفتي بالعائلة قبل سفري، وثائق لجدي وجدتي، قررت حينما أتوه وأضل بين الناس ولا أعرف نفسي بينهم، أن أجري إلى الكيس أتصفح الورق، اقرأ العقود، أعرف من أنا بماضيهم، أثبت حاضري بذكرياتهم، أقف أمام المرآة أخبرها أن تلك هي أنا، وهي تنتمي لهؤلاء، أما الآن فقد ضاعت أناي إلى الأبد، انفتحت هوة بعيدة بيني وبينهم، صارت الأوراق تبعدني عن نفسي التي أبحث عنها، قطعتها جميعًا وتركت نفسي للجميع، كلهم يضعون علامة من ذواتهم فوق ذاتي، أتكون من شتات الناس حولي، وأضل عن نفسي الحقيقية إلى الأبد".
الكتابة والمجهول، في ذم المجهول: "النافذة هي الحد الفاصل بيني وبين العالم، دائمًا أغلقها ولا أحب فتحها، العالم بالنسبة لي المجهول الذي لا أحب معرفته، أتناول إفطاري، وأبدأ اليوم بثقل في النفس والروح، اليوم بالنسبة لي مجهول آخر، أكره كل المجهولات، أتناول مشروبي الساخن باستمتاع، الكوب مليء بالمشروب وأنا أرتشف، لا مجهول في ذلك الكوب أخاف منه أو يحاصرني، أغلق في وجه العالم أبوابي أيضًا، حتى أبواب الغرف، حينما أكون بداخلها أو خارجها هي جميعًا مغلقة طوال الوقت، كنت بين النوم واليقظة حينما وجدت نفسي أردد اسم الشاعر سركن بولص، وأتخيل أمي تزرع القمح وتغني باسم الشاعر أغنية هي في الأصل إحدى قصائده، وتداخلت الأشياء معًا فظهر مع كل هذا رجل غريب يشبه الدراويش كان يتمتم بكلمات تشبه الدعاء، ويسحب خلفه جسد ثعبان يمسك هو برأسه بين يديه، الأحلام نافذتي على روحي ونفسي ولذلك أحبها ولا أخاف منها أو أرفضها، بداخلي مجهول لطيف وديع، لكن كل ما عدا نفسي هو الخوف والضياع، في محاربة البرد قبل أن أترك سريري تخيلت كل الأشياء تعيش تحت البطانية أنظف الشقة تحتها واغسل المواعين والملابس، أرتب الدولاب، أغسل الحمام والمطبخ وسجادة الصالة الكبيرة، نقلت كل عوالمي تحت البطانية وعشت ساعتين في الدفء والمتعة قبل أن أترك السرير، في السرير راحة، لا مجهولات هنالك أو مسئوليات، أحب كل الأوقات التي أقضيها فوقه، أنام، أحلم، اقرأ، استرخي، أتخيل، كلها أشياء تصنع سدًا منيعًا بيني وبين الخوف، وتتحول الكتابة يومًا بعد يوم إلى الصديق الذي أجري عليه كلما كنت حزينة أو احتاج للحديث، تسمعني الكلمات وتطبطب على كتفي الحروف وتنصحني الجمل، لا مجهول في الكتابة، لا خوف، إنها الأمان، هي نافذة أخرى أغلقها أمام العالم وأمام الخوف والمجهول.
الكتابة والنفس، فضاء واسع أحاول التقاط إحدى نجومه: " امرأة وحيدة، المرأة التي تعيش في هذه الشقة بمفردها وحيدة لا تجد ما يسليها حتى حفظت الأفلام والمسلسلات التي تأتي على التلفاز، قررت أن ترسم قصة حياتها على حوائط الشقة فترسم الأخ وتحكي معه وتتونس، وترسم الأخت في المطبخ وتطهيان الأطعمة المتنوعة معًا ويمتلئ البيت بالناس، حتى يصبح مزعجًا، فهي لا تجد وقتًا لتنام، الأطفال الصغار المرسومون على الحوائط أولاد أخواتها يملئون البيت باللعب والضجيج، بالكاد تهرب من الصالة وتذهب إلى غرفة النوم لتحظى بلحظات جميلة مع الزوج المتخيل – الذي لم تحظ به في حياتها إطلاقًا- والذي رسمت صورته على الحائط أيضًا".
هل تتخطى الكتابة لحظات الألم، هل تنتعش الروح بالحروف والكلمات، هل تذوب داخل حيرة جديدة مع كل كلمة؟
هل الكتابة تسلية ومتعة تأخذها النفس وسيلة للهروب من العالم؟
الكتابة والنفس والاغتراب والمجهول، محاولات في البحث، محاولات في جذب يد العالم وشدها بقوة، أنا أقول لهم إنني هنا، لا زلت على قيد الحياة.
|