القاهرة 23 ابريل 2024 الساعة 10:19 ص
متابعة: إيمان السباعي
أية مصادفة جمعت بين كاتبين، أحدهما ولد في عام 1937من رواد الرواية المصرية والعربية وثق لذاكرة مصر السياسية خصوصا في رواياته.. صاحب المواقف المثيرة للجدل وللتقدير، والكاتب الآخر برازيلي ولد في عام 1963؟!
إنهما روايتين عن العام نفسه في مصر وفي البرازيل وإنها الكتابة التي تكشف عن وجه الديكتاتور عبر ذاكرة الرواية والكاتب، والمدينة وسكانها.
في ملتقى القاهرة الأدبي السادس في يومه الثالث، التقى الروائي المصري الكبير صنع الله إبراهيم بالروائي البرازيلي إنريكي شنايدر للمرة الأولى في قبة الغوري للحديث عن التقارب بين رواية لصنع الله (1970) الصادرة في العام 2019 عن دار الثقافة الجديدة، وبين رواية (1970 – عام البطولة) لشنايدر والصادرة بترجمة للعربية للدكتور السيد واصل.
أدارات اللقاء الكاتبة المصرية رباب كساب التي أشارت إلى السؤال الأهم، والمطروح دائمًا في وقتنا الحالي وهو أين القاهرة من الملتقيات والفعاليات الثقافية، فمصر ذاخرة بمبدعيها ومثقفيها، وأن ملتقى القاهرة الأدبي فرصة كبيرة لوجود فعالية ثقافية تؤكد وتُدلل على هذا المعنى، وإن الأمسية التي تتحدث عن روايتين من مصر والبرازيل، أحداثهما تقوم في العام 1970، وعن الذاكرة والمدينة والدول التي قامت على ما يسمى بدولة الظلم، ورمزية ذلك بإقامة الملتقى من داخل قبة الغوري وما حولها من مباني الدولة المملوكية أو ما نستطيع أن نقول عنه (حاضرة الظلم المملوكي)، وكيف هو التقارب بين الروايتين على الرغم من اختلاف المكان، فهما يتحدثان عن الشيوعية ودول القمع، في سرد كلاسيكي للرواية البرازيلية للكاتب إنريكي شنايدر، وفي سرد توثيقي يتضح فيه (ضمير المخاطب) للكاتب المُجدد دائمًا صُنع الله إبراهيم، والذي كأنه يقوم بالسرد المختلف داخل الرواية، وكأنه أيضًا يخاطب بطل الرواية وجهًا لوجه وهو الزعيم (جمال عبد الناصر)
في البداية تحدث الكاتب صُنع الله إبراهيم عن أنه اعتمد على ذاكرته في (1970) لأنها كانت شاملة، ومصر كبقية دول العالم الثالث في فترة الخمسينيات والستينيات تعرضت لانقلاب عسكري في 1952، ومن ثم تحولت لثورة اجتماعية، وكيف أنه عاصر تلك الأحداث وهو طفل يسمع في الراديو بيان الرئيس محمد نجيب، والذي يهمه في هذه اللحظة هو تطور الثورة بعد انقلاب عسكري ساذج، وله طموحات أغلبها أمريكية في ذلك الوقت، وتحوله إلى حركة اجتماعية سياسية تهدف إلى التعامل مع المشاكل الموجودة في مصر، وتأثر هذا الحراك السياسي والاجتماعي بشخصية ناصر نفسه، وأنه تعامل مع شخصية البطل في الرواية وهو جمال عبد الناصر الذي تميز وهو في السلطة بأخذ خطوات مهمة لمصر، ولم يكتف بالجزء الإنشائي لتطبيق تصوره عن الاشتراكية.
كما تحدث صُنع الله إبراهيم عن التوثيق في الرواية، عن طريق تصفية الأخبار التي كانت تطغى في فترة كتابة الرواية وما قبلها بسنوات، وذلك بحيث إن ما يتبقى من الأخبار، تكون هي ما تُساهم في تحقيق الرؤية الكاملة للرواية، وهي كانت مسألة صعبة.. يحكي صنع الله أنه احتفظ بالصحف بأعداد كبيرة حتى كادت زوجته تطلب الطلاق، فقرر التخلص منها في أثناء ذلك تخلص أيضا مما اعتبره غير مهم في توثيقه للرواية، واحتفظ فقط بما يخدم رؤيته من خلالها، وبما يساهم في إلقاء الضوء على شخصية ناصر بطل الرواية.
وتحدث الكاتب إنريكي شنايدر عن فترة كتابة الرواية التي كان فيها ما زال صغيرًا، وكيف أنه يملك ذاكرة للمدينة ولدولته، فقد باحت له البرازيل بذاكرتها، لتكون أحداث الرواية متمثلة أمامه. وإنه قرأ بالفعل عن الكاتب صُنع الله إبراهيم وخصوصًا بعد ترجمة روايته على الرغم من عدم قراءته للرواية المصرية وسعيد بأنه معه في هذا اللقاء، وإنه يكتب من ذاكرة الشعب والأمة فسنة 1970 هي سنة رمزية للبرازيل، نضحت فيها الديكتاتورية، والرواية ضمن ثلاثية عن الديكتاتورية في البرازيل، وهي تتحدث عن التعذيب، والواقع الأسوأ بكثير من الخيال، وفي رأيه أن أي أمة لها ذاكرة لن تسمح بالتعذيب والديكتاتورية. كما أنه يكتب عن الأشخاص العاديين من أفراد بلده، أبطال رواياته من طبقة الموظفين البسيطة، ومنهم بطل روايته الذي تعرض للتعذيب والقمع. وتمثل في هذه الندوة التقارب الواضح بين الروايتين في تأصيل مبادئ البحث عن الحريات في وقت دول الظلم والديكتاتوريات، مما يعني أن الأدب هو المرآة والذاكرة الوطنية الحية لأي شعب.
|