القاهرة 02 ابريل 2024 الساعة 08:58 م
كتب: المحرر الثقافي
صدر مؤخرًا الترجمة العربية لكتاب"الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق" للمفكر الفلسطيني العالمي إدوارد سعيد، عن دار"رؤية للنشر والتوزيع" ترجمة محمد عناني، ويُعدُّ هذا الكتاب درة الكتب التي تناولت مفاهيم "الاستشراق " ورؤية الغرب للشرق الأقصى والأوسط، والعالم الإسلامي، وفيه تصدَّى إدوارد سعيد بالبحث والتحليل لشرح وتفسير المواقف المختلفة للغرب تجاه الشرق بعامة، والثقافة العربية والإسلامية بخاصة.
يمثل "الاستشراق "أسلوب استقراء كتابات المستشرقين للكشف عما يكمن فيها من مواقف ثقافية قد تتفاوت من كاتب إلى كاتب ومن عصر إلى عصر، ولكنها تتميز بموقف أساسي يرجع إلى ارتباط المعرفة بالسلطة واعتماد كل منهما على صاحبتها، فالسلطة بشتى أشكالها ـ السياسية والعسكرية والمالية بل والعلمية ـ تحدد نوع المعرفة واتجاهاتها، كما أن المعرفة لازمة لقيام السلطة واستمرارها.
وارتكز سعيد على عدد من الأسس في قراءته لبنية الاستشراق:
1- يركز على الاتساق والتماسك الداخلي للاستشراق وأفكاره عن الشرق، أو كما يقول ديزرائيللي الشرق كحقل معين من النشاط، الشرق كحرفة أو مهنة، بغض النظر، أو بعيدا عن أية توافقات مع الشرق الواقعي أو الفعلي. ولعل هذا الاتساق والتماسك الداخلي هو ما يؤكد وجود بنية مسبقة ومهيمنة عند المستشرقين لتناول الشرق ووصفه وصناعته، بغض النظر عن التحولات الفعلية والتاريخية التي يتعرض لها الشرق. وهنا فإن المستشرقين يتناولون الشرق كبنية جوهرية غير قابلة للتبدل والتغيير، إلا بما يضفيه ويحدده ويسمح به هؤلاء المستشرقون. أي أن سعيد لا يحاول عبر دراسته أن يبين التناقض بين ما يقوله المستشرقون من جانب، وبين حالة المجتمعات الشرقية التي يمثلونها من جانب آخر، بقدر ما يهتم بفهم وتحليل خطاب الاستشراق ذاته، كبنية منغلقة، مكتفية ومسلحة بعناصرالقوة الإمبريالية التي تستمد منها استمراريتها وبقاءها.
2- العلاقة بين الشرق والغرب يجب أن تدرس بوصفها علاقة قوة وهيمنة. فالشرق تمت شرقنته من قبل الغرب، حيث يذهب سعيد إلى أن الغرب هو الذي حدد وفصل ومايز بين بنيتين تم تعريفهما على أنهما شرق وغرب. ففي افتتاحية كتابه يورد لنا سعيد جملة دالة لكارل ماركس حيث يقول عن الشرقيين "إنهم لا يستطيعون أن يمثلوا أنفسهم؛ إنهم يجب أن يُمثْلوا".
3- ثم اعتماد سعيد على أفكار المفكر الإيطالي أنطونيو جرامشي التي طرحها في كتابه الأشهر " دفاتر السجن" والخاصة بهيمنة ثقافة على ثقافة أخرى، يؤسس سعيد الفكرة الخاصة باستعلاء الثقافة الأوروبية على غيرها من الثقافات الأخرى غير الأوروبية؛ حيث يتضمن ذلك أيضا، استعلاء الأوروبيين ذاتهم على ماعداهم من بشر.
ويؤكد سعيد على ظهور بنية اسشراقية، ترتكز على الهيمنة الغربية منذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى الآن. ويرى أن الاستشراق يمثل بنية سياسية وثقافية، فهو بنية سياسية من حيث أنه رغم اعتماده بالأساس على الجهود الفردية المتناثرة هنا وهناك، إلا أن هؤلاء الأفراد ذاتهم حينما يذهبون لدراسة المستعمرات الشرقية المختلفة المستعمرة والمحتلة من قبل بلدانهم، فإنهم في هذه الحالة لا يذهبون بصفتهم الفردية، قدر ما يحملون معهم هوياتهم الخاصة بهم؛ فالمستشرق الأمريكي، لا يذهب بصفته فردا أو باحثا في شؤون بلد ما، قدر ما يذهب وهو مستدمج لهويته الأمريكية، وبالمثل يمكن قول الكلام نفسه عن باقي المستشرقين الأوروبيين. المعنى المستبطن هنا هو أن حامل الهوية هذا، غير محايد. ففي ظروف عادية غير مشحونة بالاستعلاء الاستعماري، كان من الممكن أن يحمل الفرد هويته الأمريكية أو الأوروبية، أو غيرها من الهويات بدون أن يثير ذلك هذه الألغام المرتبطة ببنية الاستشراق، لكن في ظل الهيمنة الاستعمارية، منذ نهاية القرن الثامن عشر، وحتى الآن، الأوروبية أولا، ثم الأمريكية لاحقًا، فإن هذه الهويات المحمولة، تذهب إلى الشرق بصفتها السياسية، غير المعلنة أحيانا، والمعلنة في أحيان أُخر، وهى مرتدية أردية ثقافية مختلفة ومتعددة.
يرى سعيد أن بنية الاستشراق هى حقيقة سياسية وثقافية في الوقت نفسه. من هنا، فإنه يركز، في دراسته لبنية الاستشراق، على التبادل الدينامي بين المثقفين الأفراد والاهتمامات السياسية الأوسع التي تشكلت وفقًا لمجال بحثه من خلال الإمبراطوريات الثلاث الكبيرة، البريطانية، والفرنسية، والأمريكية.
-
هوامش:
-
الاستشراق هو دراسة البنى الثقافية للشرق بواسطة الغرب في العصر الاستعماري، وتنطوي على التفسيرات المسيئة للشرق وحضاراته القديمة عن طريق اختصار الشرق فيي صور نمطية محددة، وقد بدأت حركة الاستشراق في القرون الوسطى، لتؤكّد ذلك من خلال الوقائع التاريخية والنصوص الجغرافية، وكتب الأسفار وغيرها.
-
إدوارد وديع سعيد مُنظر أدبي فلسطيني وحامل للجنسية الأمريكية. كان أستاذا جامعيا للغة الإنكليزية والأدب المقارن في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة الأمريكية ومن الشخصيات المؤسسة لدراسات ما بعد الكولونيالية
|