القاهرة 19 مارس 2024 الساعة 11:44 ص
بقلم: د. جافين فرانسيس
ترجمة: د. فايزة حلمي
-
نحن بحاجة إلى احترام عملية التعافي
لا يوجد تسلسل هرمي للمعاناة، ولا يمكن القول عن مجموعة واحدة من الظروف أنها تستحق التعاطف بينما مجموعة أخرى تستحق الاستبعاد، ولا يُنصح بوضع جدول زمني صارم للتعافي؛ في سياق العمل الطبي، نرى أحيانًا عدوى فيروسية ترسل مرضاها إلى الفراش لأسابيع أو شهور، وفي حالات قليلة، لسنوات، لماذا يحدث هذا؟! إنه غير مفهوم بشكل جيد، يبدو الأمر كما لو أن الصراع مع المرض يعتمد بعمق على احتياطيات القوة الداخلية للفرد بحيث يبذل الجسم كل ما في وسعه للحفاظ على طاقاته.ِ
غالبًا ما تُنسى فكرة الجسد على أنه ينتمي إلى العالم العضوي الأخضر في العيادات وأجنحة المستشفيات حيث تدرْبت وعمَلت، لدرجة أنها كانت مفاجأة حين قِرَاءتها عن طبيبة أخذتها إلى قلب إدارتها السريرية؛ "فيكتوريا سويت" أستاذة مساعدة في الطب بجامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو، عملت لسنوات عديدة في واحدة من بيوت الاستشفاء في الولايات المتحدة، وهي مستشفى للفقراء الذين ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه.
يشرح كتاب " الحَج إلى قلب الطب" a Pilgrim to the Heart of Medicine"، كيف توصلت إلى استنتاج مفاده أنه لوصف أهداف التعافي بشكل أفضل، يجب أن نحيي مفهوم القرون الوسطى لـ viriditas، أو "التخضير"، لكي تلتئم يجب أن يتم تنشيطها بنفس القوة التي تُعطي الحياة للأشجار مثلها مثل البشر، كما لاحَظَت أيضًا أن عمل الطبيب يشبه إلى حد كبير عمل البستاني أكثر من كَوْنه عمل ميكانيكي.
هذا منطقي: حتى وقت قريب جدًا، كان على الأطباء دراسة علم النبات، ليس فقط لأن العديد من الأدوية مشتقة من النباتات، ولكن لأن دراسة النباتات هي طريقة لفهم الحياة نفسها، أخبرني الطبيب العام الذي أرسلني عندما كنت طفلاً على وجه السرعة إلى المستشفى مصابًا بالتهاب السحايا، أخبرني لاحقًا أنه كان عليه أن يأخذ دروسًا في علم النبات كجزء من منهج كلية الطب في الخمسينيات من القرن الماضي.
يبدو الأمر كما لو أننا مع الثورات الدوائية في أواخر القرن العشرين، قد نسينا شيئًا ذا أهمية لمقاربة أوسع للتعافي، لقد ثبت أن المرضى الذين يتعافون في سرير المستشفى يحتاجون إلى دواء أقل لتسكين الآلام؛ إذا كان لديهم نظرة على شيء أخضر ينمو وحيوي، تم التعرّف على هذا منذ فترة طويلة مِن قِبل فلورنس نايتنجيل، ولكن يبدو أنه نُسِي مِن قِبل المهندسين المعماريين الحديثين في مستشفياتنا.
يمكن إرجاع كلمة “physician” "الطبيب المعالج" إلى الكلمة اليونانية physis ، والتي تعني "الطبيعة"، و phu التي تعني "النمو"، تمامًا مثل النبات، ما نحتاجه لكي ننمو مجددًا إلى الكمال؛ هو "نظام" من العناصر الغذائية الصحيحة، والبيئة المناسبة والسلوك الصحيح، وأن نُترَك في سلام، للأسف؛ هذا الأسلوب من التعافي غير مرغوب في الطب الحديث لأنه يستغرق وقتًا، لا يرغب أحد في العودة إلى طب العصور الوسطى، ولن نتخلى عن فحوصات الدم والأشعة، أو الجراحة الروبوتية أو المضادات الحيوية، لكنها تود أن ترى قيمة الوقت المستعاد لممارسة الطب، وأنا كذلك سأفعل.
يجلب الأطباء والممرضات شخصياتهم وخبراتهم إلى كل لقاء طبي، ونحن نعلم أن الناس يتعافون بسرعة أكبر من الظروف البدنية إذا رأوا أن طبيبهم يتعاطف مع مخاوفهم، أظهرت الأبحاث النفسية حول "إجهاد التعاطف"؛ أن معظم الطلاب يبدؤون دراساتهم السريرية بقدر كبير من التعاطف ، ولكن كلما طالت مدة عملهم في مِهَن الرعاية ، يبدو أنهم يفقدونه أكثر.
كلمة "طبيب" مشتقة من docere، وتعني "تعليم" أو "توجيه" ، وكما يعمل كل معلم عملت معه في أي وقت مضى؛ بأسلوب مختلف، كذلك يفعل كل طبيب، إن الفكرة القائلة بأن هناك نهجًا عالميًا يجب على كل ممارس اعتماده هي فكرة خاطئة، وستكون طريقة مروعة لتقديم الرعاية الطبية، في 30 أو 40 مقابلة طبية أجريها خلال يوم عمل عادي، لا بد أن هناك العديد من المواجهات التي أخطأت في تقديرها، وتخمين خطأ أي نوع من الأطباء يحتاجني هذا المريض بعينه.
لست متأكدًا من أن هذا النوع من الحدس هو شيء يمكن تعليمه بالضرورة، ولكن ما يمكن تعلّمه هو الثقة في التصرف وفقًا للأصوات الصغيرة للضمير، والتجربة الصغيرة التي تشير لأي مدى ستستفيد العلاقة العلاجية من الخروج عن الاعتيادات؛ بعيدًا عن المسارات المُصمّمة جيدًا بالكتب المدرسية، إلى شيء أكثر نقاءً وربما أكثر فعالية.
في الطب الحديث، يخلق هذا تضاربًا بين "فكرة" اللقاء الاكلينيكي للطبيب ومريضه؛ الذي يجب أن يكون قابلًا للقياس وقابلًا للتكرار وبالتالي مفتوحًا للتنظيم المهني للمعايير، و"فكرة" اللقاء الإكلينيكي للطبيب ومريضه؛ ككيمياء تجمع بين خبرة شخصين في لحظة لا تتكرر؛ تغيّر كلاهما.
يجب أن يُؤَسّس الأطباء جيدًا في عِلم الطب؛ فهذا ليس موضع نقاش، لكن ما هو مفتوح للتساؤل هو؛ ما إذا كانت المعرفة العلمية هي المكان الذي تنتهي فيه الممارسة الطبية، أو حيث تبدأ، قد تختلف الإجابة بالطبع في المواقف المختلفة.
لدَيّ بعض المرضى الذين يرونني فقط كقناة يمكن من خلالها الوصول إلى المتخصصين، وغيرهم ممن يريدون مني كممثل للمؤسسة الطبية؛ الحقائق العلمية لحالتهم الخاصة، وفي الطرف الآخر من الطيف، عرفت المرضى الذين تهدف استشارتهم إلى الشعور بالرعاية لهم، وإعطائهم شعورًا بالثقة في شفائهم حتى عندما تكون حالتهم حالة لا يمكن علاجها.
(يتبع)
|