القاهرة 19 مارس 2024 الساعة 11:20 ص
إعداد: صلاح صيام
نواصل حكاية الخديوِ عباس حلمي الثانى..
بعد أن قدم «كرومر» شكوى ضده إلى حكومته فى بريطانيا مما أسماه «تدخل الخديو فى شئون البلاد» وكأن الطبيعى ألا يتدخل فى حكم بلاده ويتركها للإنجليز وهو قطعًا تعبير واضح عن الغرور والتعالى من جانب الاحتلال الإنجليزي، وقد كان لهذه المواقف الوطنية المبكرة للخديو أثر جيد فى نفوس المصريين أدت إلى ارتفاع شعبيته لديهم.
تصادم «عباس» مع الإنجليز مجددًا بخصوص محاولته خفض مدة التجنيد الإجبارى من 5 سنوات إلى 3 سنوات، لأنه فطن إلى أن معظم أبناء الجيش المصرى المجند إجباريًا هم من المزارعين وأن طول فترة خدمتهم فى الجيش لم تكن تفيد سوى الإنجليز بينما تضررت الأعمال الزراعية من ذلك بشدة، وتجدد التصادم حينما بدأ الخديو زيارة العديد من النقاط الحدودية المصرية، ووجه انتقادات حادة إلى تمركز القوات الإنجليزية فى الجنوب، فثارت ثائرة الإنجليز مجددا ضده وأجبروه على إصدار بيان يشيد بالجيش الإنجليزى ويسحب انتقاداته السابقة لهم، وهكذا استمرت المواجهات قوية بينه وبينهم، صحيح أنه لم ينتصر فى معظمها، لكن نمط حكمه هذا كان كفيلاً بأن يسبب المتاعب للإنجليز الذين لم يكونوا قد تعودوا على مثل هذه المقاومة من حاكم مصرى.
وفى مذكراته -التى أشرنا إليها فى المقال السابق- يتحدث الخديو عباس بعد عزله عن طريقة إدارته للصراع مع الإنجليز ومع من يعتقد أنهم يتجسسون عليه لصالحهم من المصريين، كما يتحدث عن رجال الدين بشكل لافت فى صراحته، وربما كان هذا هو الحديث الأكثر صراحة من قبل حاكم مصرى عن أدوات إدارة الصراع السياسى فى مواجهة الخصوم، وفى ذلك يقول: «ولما كانت الوسائل حولى صالحة للتجسس على، وجدت أننى بدورى، يحق لى أن ألجأ إلى استخدام نفس وسائل خصومى فأصبح لى مخابرات فى كل مكان، فى المدارس، والوحدات العسكرية، وخدمنى فى ذلك، وبشكل يثير الإعجاب، عدد من الشباب، المخلص لبلاده وأميره، والذين كان نشاطهم وتطوعهم نابعا من اعتقاد عميق بأنهم يقومون بعمل ديني، وفى هذه الفترة، كان الدين لا يزال قادرًا على إثارة حماس الرجال، وشحذ هممهم».
ثم يكمل عباس فى مذكراته: «وعمل الشيوخ من جانبهم على خدمتى كوسطاء مع الجنود، ربما كانوا يعملون لمصلحة ما فلم يكن الإيمان يكفى دائما لإطعام رجال الدين، ومهما كان إعجابهم بملذات الجنة، فإنهم كانوا لا يكرهون أن يتبعوا الطرق الأكثر راحة التى تؤدى إليها«
وعمد الخديو إلى تطوير البنية التحتية المصرية وبخاصة المواصلات فقام بتطوير شبكات الترام والسكك الحديدية، وعمل كذلك على تطوير التعليم الحكومى، بالإضافة إلى الاهتمام بالصحف والحياة السياسية المصرية، كما قام بإلغاء الكثير من الضرائب وحاول تطوير الرقعة الزراعية المصرية فزادت من 900 ألف فدان حين تولى الحكم إلى مليون ونصف فدان فى نهاية عهده، وزاد أيضًا من ملكية المصريين للأراضى الزراعية فارتفع عدد ملاك الأطيان من 750 ألف مالك إلى ما يقرب من 1.4 مليون مالك فى عهده، كما قام بإنشاء كلية الزراعة والنقابات الزراعية، وإنشاء بعض القناطر والسدود، من أشهرها قناطر أسيوط وخزان أسوان.
وشهد عصر الخديو عباس الثانى نهضة مالية ومصرفية، فقد زادت ميزانية الدولة فى عهده من 10 ملايين جنيه عام 1882 إلى 16 مليون جنيه، وزادت قيمة الصادرات المصرية من 13.5 مليون جنيه إلى 29 مليون جنيه، كما قرر إنشاء البنك الأهلى برأس مال 2.5 مليون جنيه، والبنك الزراعى برأس مال 5 ملايين جنيه، كما قام بالتفاوض مع الباب العالى من أجل ترسيم حدود مصر الشرقية، وبعد خلافات كثيرة حول الحدود الشرقية بين مصر والشام وبين مصر والدولة العثمانية، تم توقيع اتفاقية تعيين الحدود عام 1906، فماذا حدث بعد ذلك..
البقية فى المقال القادم.
|