القاهرة 12 مارس 2024 الساعة 11:58 ص
حاورها: محمود يسرى
سلوى محسن قاصة وروائية وشاعرة . بدأت كتابة الشعر في المرحلة الثانوية، وتخرجت في كلية الزراعة عام 1981. حصلت على الماجستير في (التقييم البيئي والاقتصادي لبعض مشروعات التنمية الريفية في محافظات مصر) ، وعلى الدكتوراه في ( تقدير تكلفة الضرر البيئي لتلوث مياه الشرب) . وهي باحثة بدرجة أستاذ في المركز القومي للبحوث الزراعية.
تقول : " قصص مجموعتي الأولى (الوجه الآخر للنهر) - الصادرة عن دار الكتبي عام 2012 - بدأت تراودني وأنا أدرس وأجمع بيانات الماجستير. كنت أفكر فيها قبل النوم وفي طريقي إلى العمل والبيت، وفي أثناء ذهابي وعودتي من الكلية.. هناك تماس بين موضوع رسالة الماجستير وشخصيات ومكان (الوجه الآخر للنهر) التي تدور حول شخصيات ريفية؛ سواء في القرية أو المدينة تعاني نقصًا ما لا تستقيم الحياة في وجوده . والعمل الثاني هو رواية (مناسك الخوف) صدر عن دار الأدهم عام 2019. أما الديوان الشعري الأول (ظل واحد لامرأتين) ؛ فصدر عن مؤسسة مجاز للنشر والتوزيع عام 2021 ، والديوان الثاني (يوم يولد قبل نهاية العالم) فهو صادر عن دار الأدهم عام 2023 .
لأني ببساطة لم أخطط لذلك؛ فقد كنت مشغولة بمسئولية اجتماعية تتعلق بتربية ابنتيَّ . وكان هدفي الأساس هو مساعدتهما لإنجاز تعليم متميز يمكنهما من الحصول على فرص عمل متميزة .
قد يكون وربما لا.. إن كان إمساكي بالقلم وبداية الكتابة ، فنعم ؛ لأني بدأت الكتابة على ورقة بيضاء فور انتهائي من مسئولية الإنفاق على تعليم ابنتي ورعايتهما اجتماعيًّا، وكان ذلك عام 2009 ، لكني كتبت قبل ذلك بكثير. في رأسي كتبت؛ فكل خطوة مشيتها بمفردي كانت مشروعًا للكتابة، والخطى هنا بمعناها الفعلي والمجازي.
-
لديك دكتوراه في العلوم الزراعية ؛ فما الذي دفعك للكتابة؛ رغم الهوة الكبيرة بين مجال الكتابة وتخصصك المهني؟
مهنيًّا أنتمي لقطاع الزراعة ؛ دراسة وعملًا. في الجامعة درست علومًا طبيعية وبحتة وإنسانية للقطاع الزراعي والمجتمع الريفي. الدكتوراه في مجال العلوم الزراعية ؛ تخصص اقتصاد بيئي. وأنا في مجموعتي القصصية الأولى كنت أكتب عن البشر حول النهر؛ والنهر هو أبو الزراعة والفلاحين. ومن ثم ؛ فقد كتبت عما أعرفه وعايشته ليس نقلًا حرفيًّا؛ إنما بعين المحب للبيئة الريفية بما فيها من كائنات وبشر. في رواية مناسك الخوف؛ رأيت الناس الذين عشت بينهم ولم تنقطع معرفتي بهم. كتبت عن المكان والكائنات والبشر في قريتي، كتبت عن التحولات الإنسانية والمجتمعية التي شملت جيلين أو ثلاثة. عايشت الجيلين الثاني والثالث منهم، ونُقل لي الكثير عن الجيل الأول موضوع الرواية. أنصت جيدًا وأهضم وتتمثل وتتجسد الشخصيات في عقلي ووجداني ؛ ومن ثم على الورق. أما إن كان القصد بالهوة هي المسافة بين العلم و الأدب ؛ فلا أعتقد أن الأدب بعيد عن مجتمع منتج للأساطير والخرافات والحكايات الشعبية، وكثير من التساؤلات الوجودية والفلسفية؛ باعتباره المجتمع الأكثر احتياجًا لإجابات عن معضلة الوجود والخلق ، إذا أخذ في الاعتبار أن الزراعة علم قديم يقوم على تكنولوجيا
(أفكار و ممارسات) تحفظ وجوده وبقاءه كطبيعة: (مياه وبشر) ومن يعيش حولهما من السكان. ومن هنا ؛ جاءت (مناسك الخوف) محملة بكل أسئلة البقاء ..
-
بدأت بالقصة القصيرة ، ثم الرواية فالشعر؛ هل هذا التراتب له دلالة حرفية؟
ما كنت مشغولة به شخصيات منفصلة متصلة بما تعيشه من أحداث، وفي هذه الحالة لم أفكر كيف ستكون الكتابة ولا لأي جنس ستنتمي. كنت معنية بالكتابة والتسجيل فقط ، ولتكن كيفما أرادت. لم يكن لدي دراية بالكتابة عمومًا؛ فأنا أكتب بالفطرة؛ بغير دراسة للأدب واللغة بكل فروعهما الأكاديمية . وأستطيع القول؛ الكتابة بلا صنعة . كنت أرى أن هناك شخصيات وأحداثًا لا بد أن أنقلها على الورق، وإن استطعت سأنشرها للناس؛ ليقرأوها بعيني وقلبي أنا؛ لا بعين الآخرين . وفي أول عمل ( الوجه الآخر للنهر) ؛ لم أكن أعرف نفسي جيدًا ، ولم يكن لدي نفس طويل . كنت أكتب في حيز لغوي وبنائي ضيق، لذلك جاءت المجموعة القصصية تحتوي على اثنتي عشرة قصة قصيرة وقصتين طويلتين. وبالنسبة لرواية (مناسك الخوف)؛ أستطيع القول إنها امتداد لنفس الروح التي كتبت بها الوجه الآخر للنهر . كانت لدي مخاوف معينة، وباتساع المخاوف اتسع الحيز اللغوي أمامي.
-
في كتابتك يبدو الهم الجمعي متغلبًا على الهم الذاتي؛ فهل تضعين القضايا العامة أولوية في حياتك؟
هنا توجد معضلة كبيرة؛ فالعام والخاص متصلان في عقلي، ونظريًّا وفي الواقع أيضًا. وقد يستطيع البعض التعامل مع كل منهما بشكل منفصل، لكني أفتقر لتلك المهارة . و قد يكون اهتمامي بالهم العام عائدًا إلى فترة دراستي الجامعية ؛ حيث تميزت فترة السبعينيات بالغليان الذي وجد صداه في الحركة الطلابية، لكني ألجأ لإخفاء الذاتي في المجاز؛ أقصد في الكتابة، ولا أستطيع الحياة دون بوح، ولكل منا طريقته في البوح، لكني لا أستطيع البوح علنًا؛ ليس خجلًا ولا لقيد أفرضه على نفسي، لكن لأن لكل بوح نسائي سجانًا: دينيًّا وآخر اجتماعيًّا يستعمل أدوات الديني . وأنا لا أرغب في استهلاك نفسي في صراعات لا طائل من ورائها؛ فالأدب والشعر والفن والنقد العقلي أدوات للتغيير الذي إن جاء، فسيحلق بجناحي الجمعي والذاتي .
-
تراوحت الأماكن في سردك ما بين بيئة الريف وبيئة المدينة ؛ وإن كانت البيئة الريفية تستحوذ على المساحة الأكبر؛ فما السبب؟
لأني ببساطة ريفية ؛ وإن كنت قد عشت وترعرعت في المدينة ؛ فإن وجداني ومهاراتي الأولى قد تشكلا في قريتي. وتعمقت العلاقة بالريف من خلال الدراسة الجامعية، واستكملتها بالدكتوراه عن الريف والقطاع الزراعي .
-
شخصياتك تبدو واقعية ؛ رغم أنك تسبغين عليها طابعًا شبه أسطوري؛ كيف ولماذا تفعلين ذلك؟
أنا واقعية بحكم الحاجة والاحتياج، وكوني مسؤولة عن أسرة يمثل دخلي وجهدي ووقتي المصدر الوحيد لرعايتها. وقد اخترت مبكرًا الاهتمام بابنتي بقدر عال من المسئولية ؛ لأنهما لم تختارا أن تكونا ابنتين لأم وحيدة ؛ أما ما يراه البعض إسباغًا لشبه الأسطورية ؛ فهذا يعود للانتقاء.. انتقاء العلاقات والأشخاص والأحداث التي أنغمس فيها أو أحجم عنها. والانتقائية هنا مستوى من المقاومة؛ حتى لا يدهسني المجتمع الذكوري أنا وابنتي؛ هي انتقائية من أجل البقاء والاستمرار بكرامة .
-
أسلوبك متميز ويتسم بشعرية تسبغه ، وتبدو جملك مرصعة بالصور التي تعمق الإحساس بالسرد. من أين جئت بهذا الأسلوب ذي الانسيابية الخالية من الافتعال؟
مرة أخرى البيئة الريفية بأساطيرها وخرافاتها وحكاياتها الشعبية ؛ فقد دخلتني منذ طفولتي واستحوذت علي. الأفراح بأغانيها، الأحزان والفقد؛ فحزن الريف عميق ومستمر لا ينتهي بين يوم وليلة.. الاحتفاء بالموت وعدوداته، الأعياد ورمضان والغطسة بالمواويل والنداءات والطقوس، الزراعة والحصاد والميلاد، ودائمًا النهر شاعري الأول!
-
فاجأتنا مؤخرًا بأنك شاعرة مائزة؛ فكيف ولدت هذه الحساسية لديك، وهل تجدين في الشعر ما لا تجدينه في السرد ؟
أشكرك جدًّا على هذا الإطراء. الشعر لا يغادرني في كل أشكال الكتابة، وقد تكون الحساسية بسبب القراءة المبكرة والبيئة الريفية مجتمعين؛ فضلًا عن الأهم وهو الوحدة والعزلة؛ لأنهما حاضنة الشعر..
-
لماذا جاء الشعر متأخرًا ؟
لم يأت الشعر متأخرًا؛ ففي ( الوجه الآخر للنهر) مقاطع نثرية شعرية، وفي (مناسك الخوف) هناك قصائد نثرية في طيات السرد، وقد تكون (مناسك الخوف) – كما وصفتها أنت – قصيدة نثرية طويلة.
ربما تأخر الشعر كديوان مستقل ؛ لأني كنت أخشى من التجربة، وكنت أخجل من نعتي بالشاعرة. وأردد دائمًا أني أكتب الشعر ولست شاعرة . وهذا يرجع لما يحيط بقصيدة النثر من شللية وإنكار، وكذلك شعوري بأني لم أملك بعد بعض الأدوات التي تزكي تجربتي .
التالي رواية متعددة الأصوات عن ثلاثين سنة سابقة.
|