القاهرة 11 مارس 2024 الساعة 01:03 م
كتبت: إيمان السباعي
ربما من الصعب تصور لقاء يجمع بين الشاعر صلاح عبد الصبور رائد الشعر الحديث والمسرح الشعري بالشاعر الأمريكي الشهير تشارلز بوكوفسكي الصعلوك الشعبي الذي تمرد على كل شيء وذهب حتى القاع ثم عاد إلى شعره قامة كبيرة وفردًا حرّا، لكن المخرجة الشابة نادين خالد نجحت في أن تجمعهما على مسرح نهاد صليحة الجمعة الماضية 8 مارس الجاري في مسرحيتها الطائر الأزرق التي تحمل عنوان إحدى قصائد بوكوفسكي.
المسرحية إعداد جريء لمسرحية "الأميرة تنتظر" لصلاح عبد الصبور التي اعتمدت على الرمز واستخدام الأسطورة عبر شخصيات ثلاث: الأميرة والسمندل والقرندل، فالسمندل هو الحارس الذي استغل الأميرة ونجح عبر غوايتها في أن تمكنه من مفتاح القصر ليقتل أباها ويحل محله ملكًا دون حق لتنتظره الأميرة خمسة عشر عامًا في كوخ بعيد مع ثلاث وصيفات، يبدو هذا الانتظار غير نهائي حتى يظهر السمندل من جديد ويحاول خداع الأميرة ليستمد شرعية حكمه بعد انقلاب الشعب عليه من وجود الأميرة لكن القرندل يقتل السمندل ويحرر الأميرة. الأميرة هي الوطن في مسرحية عبد الصبور أما في مسرحية "الطائر الأزرق" فلا رموز، الأميرة هي أية امرأة وقعت في براثن سلطة ذكورية أخضعت جسدها وقيدت روحها وهذا جديد نادين خالد؛ وإذا كانت مسرحية صلاح عبد الصبور عادت إلى الأسطورة لتروي أحداثا سياسية ف"الطائر الأزرق" أخرجت من جوف الأسطورة حكاية عادية بمنظور نسوي.. حكاية نساء كثيرات.. وركزت منذ بداية العنوان على الطائر الأزرق الذي جسدته سهيلة الأنور في دور الوصيفة/ الأميرة الطفلة، التي لا تزال على قيد الحياة تحمل نداءً بدائيا نقيًا وطفوليًا ووحشيًا في الوقت نفسه حتى استطاعت في النهاية تلك الروح الحرة أن تقتل الأمير/الرجل المخادع وتتحرر من سيطرة الذكر على جسدها وروحها، ولأن الجسد كان ساحة هذا الصراع جعلته نادين خالد بطلًا من خلال اختزال الحوار قدر المستطاع لتقدم بدلا منه لوحات راقصة نجحت فيها ليديا فاروق (في دور الأميرة) أن تنقل إلينا ببراعة حالات مختلفة من الغضب والضياع والرغبة في الموت وما ترزخ تحته من قيد عبر رقصة الجسد، اختيار ليديا لهذا الدور في محله من حيث تكوينها الجسدي الهزيل وكأنه هزيمة تلك المرأة وفعل الزمن الطويل الذي مر بها، أما سهيلة الأنور فنجحت وحدها في أن تؤدي أدوار الوصيفات الثلاث في مسرحية عبر الصبور مرتدية أقنعة "متخيلة" أحيانًا و"حقيقية" في أحيان أخرى كالمهرج أو مضحك الملك الشهير والملك الأب المقتول والوصيفة التي ترعى وهم الأميرة والطائر الأزرق الروح الطفلة الحبيسة التي تتحدث من مكان عميق داخل الأميرة والقرندل في الأسطورة الذي قتل السمندل / الرجل المخادع. من الرؤى الجديدة التي طرحتها المسرحية دور السمندل أو الأمير المخادع الذي قام بدوره ياخوم عماد، إذ ظهر بندوب واضحة على ظهره وحوار يجعله مقهورًا هو أيضًا في لعبة ربما لم تبدُ واضحة تماما وأثارت جدلا كبيرا بل ورفض كثيرين رأوا أنها تصنع تشوشًا وغموضًا عند المتلقي.
"الطائر الأزرق" تمثيل: باخوم عماد، وسهيلة الأنور، وليديا فاروق، تصميم ملابس هناء أحمد، وإضاءة أحمد طارق التي لم يختلف أحد على كونها أفضل عناصر العرض، وإخراج نادين خالد التي قدمت محاولة جادة وشُجاعة جمعت بين عناصرعديدة في لقاء نادر بالشعر..ستنتهي المسرحية وتظل أجنحة الطائر الأزرق ترفُّ داخلنا مرددين كلمات بوكوفسكي:
"ثمة طائر أزرق في قلبي يهم بالخروج،
لكنني أقسو عليه، أقول له ابق في الداخل هناك
لن أسمح لأي أحد أن يراك".
|