القاهرة 10 مارس 2024 الساعة 11:45 ص
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد،،
ها قد تقابلنا من جديد، ساعات قليلة تفصلنا عن أجمل شهور السنة، شهر الخير والنور، شهر رمضان المعظم..
لا أخفي عليك أننا نستقبل هذا الشهر الكريم وسط كم كبير من الضغوط المختلفة سواء، كانت خاصة أو عامة أو حتى دولية! لعل أبرزها أن الحرب ما زالت تدور في غزة، وأن أهلنا هناك ساكني الخيام، يستقبلون الشهر الكريم بشكل مغاير وسط صعوبات جمة..
أجمل ما في هذه الأزمة هي شعبنا وشعبهم، شعبنا الذي يعاني من ضيق الحال وصعوبات اقتصادية عدة، ورغم هذا يحرص على مساعدة أخواننا في غزة، حيث يتقاسم معهم قوت يومه بالمعنى الحرفي للكلمة، وهذا ليس بغريب عنا..
الأجمل أن المشاعر الطيبة تصل إليهم رغم صعوبة الحال، ومحاولات البعض للوقيعة بيننا كالمعتاد.
يظهر أخوتنا محبتهم وتقديرهم لشعبنا الكريم بأبسط الوسائل، جملة عابرة على الجدار الحدودي بيننا تقول: "الشعب المصري العظيم بنحبكم كتير".. تبدو مجرد جملة كتبت بقطعة فحم، لكنها تحمل الكثير من المعاني والمشاعر، أراها حب أسطوري ولد من رحم المعاناة والحزن كالعنقاء.. كتبها طفل، أو شاب، أو حتى عجوز، لكنها كتبت لتبث الحب والأمل والخير.
ذكرتني هذه الصورة بي عندما تسلقت جبال سيناء العزيزة، وفور أن وصلت للقمة، بحثت عن شيء أوثق به ما حدث على إحدى الصخور.. ولكن بطل جملتنا هنا لم يكن وليد الصدفة مثلي، بل جاء بعد لحظة تأمل.. أعتقد أنه خطط أن يكتب جملته، بل أنه قد يكون بات ليلته يفكر ماذا يكتب ليعبر عن امتنانه لمصر.
حمل معه قطعة الخشب المحترقة، التي قد تكون جمعها من رماد حياتهم للتدفئة أو للطهي، مجرد قطعة خشب محترق متفحمة، زرع برمادها حبا أبديا وأمل وإصرار على تحدي كل شيء وأي شيء..
عزيزي عمر خورشيد،،
يوما ما سنكتب عن ذكرياتنا عن الحرب، عما وراء الصورة، وعن بطلها الذي سينتصر للإنسانية والخير..
أخذنا الحديث عن غزة الجريحة كالمعتاد، لنعد للحديث عن شهر رمضان وجمال لياليه..
أشعر بروح الشهر من الطقوس المعتادة لنا كشعوب عربية، أغاني رمضانية، لا سيما صوت عبد المطلب وهو يؤكد أن رمضان جانا وفرحنا به..
ما يسبق هذا الشهر من ازدحام في الشوارع والمحال، الجميع يتسابق لإنهاء مصالحه ومهامه..
رغم أني أتجنب الخروج في هذه الأوقات تلافيًا للازدحام الذي أكره، إلا أنني قمت بتأجيل بعض المهام لرمضان، قررت أن أنهي كل ما هو معلق خلال أيام الشهر الكريم، قطعا ستكون الطرق أقل ازدحاما.
عزيزي عمر خورشيد،،
أجمل ما في شهر رمضان غير الروحانيات العالية، والروح الجميلة التي تملأ الأجواء، وتسابق الآخرين في فعل الخير والطاعات، هو تجمع الأسرة قسرًا على مائدة واحدة.. هذا ما أحبه بشكل خاص..
أحب التفكير في تقديم أشهى الوصفات والوجبات، رغم كراهيتي الشديدة للمطبخ وملحقاته.. يتلاشى هذا الضيق ويختفي تماما، لتجدني أتفنن في الطبخ وتقديم الوجبات المتنوعة، حقا هناك فارق بين ما نفعل بحب، وما نفعله بحكم الاعتياد، حتى في العمل هناك من يفعله بحب، وهناك من يقوم به بحكم العادة، وشتان ما بينهما بالطبع..
حتى علاقاتنا الإنسانية هناك أمور ومشاعر كثيرة قتلها الاعتياد أصبحنا نبحث عنها بحب..
لذا ادعوا الجميع للتريث للتفكير جيًدا، هل ما نقدمه للآخرين نقدمه بحب أم باعتياد؟!
إذا كان بحب، لنتفنن في تقديم هذا الحب بألوان وطرق مختلفة، وإذا كان اعتياد، لنجرب أن تفعله بحب..
إذا أحببنا ما نفعل ما كنا هنا، ولا ظللنا هنا، وسبقنا الآخرين..
عزيزي عمر خورشيد،،
أقيمت مباراة للأهلي والزمالك في نهائي كأس مصر، وفاز النادي الأهلي..
أجمل ما في كرة القدم أنها الاكتشاف السحري للفرحة،
لا أرى الوجوه مشرقه هكذا إلا عقب هذه المباريات الفارقة..
يبدو أننا بحاجة لمحفزات البهجة، فإن الوجوه كافة يعلوها الإرهاق والشرود.. يسير الناس في الطرقات وهم عابسين، لا تجد ابتسامة أو شبح ابتسامة إلا عندما يتحدث أحدهم مع آخر عبر محادثات مكتوبة على الهواتف التي أصبحت الرفيق الوحيد لأي شخص.. الملاذ الأمن الوحيد لأي شخص مهما كان عمره أو جنسه.. نجحت التكنولوجيا في سرقة إنسانيتنا، وسرقت تواصلنا الاجتماعي سواء عن طريق الثرثرة في المواصلات العامة، أو عن طريق التواصل البصري المعتاد..
في السابق يمكن أن ترى عجوز أو شاب أو سيدة تستند على جدار أو رصيف أو عمود إنارة، وتشرد في خيالها وهمومها.. الآن يشرد الآخرين مع هاتفهم الذي لا يفارق يدهم.. تحولنا لأشباه بشر.
عزيزي عمر خورشيد،،
كن بخير، لأن مازال للحديث بقية..
|