القاهرة 05 مارس 2024 الساعة 12:07 م
بقلم: رابعة الختام
كسر عمرو العادلي بروايته "السيدة الزجاجية" الصادرة عن دار الشروق غلالة العيب والحرام في القرى الريفية البسيطة التي كان يتشدق أهلها وبخاصة الأثرياء منهم بأنهم "لا يرمون لحمهم" كناية عن حفاظهم على أبنائهم من الضياع وأنهم لا يلقون ثمار ظهورهم من الأطفال في الشوارع.
-
عمرو العادلي يقدم ديستوبيا فارقة عن امرأة قروية
الرواية مشبّعة برائحة الريف الجواني، وطمي الأرض، وخضار الزراعات، كتبها بمشهدية وتقطيع يشبه التقطيع السينمائي.
فيصفع العادلي هذا المجتمع "المتدين بطبعه" بحقيقته القميئة في وشيجة سردية مشحونة بالألم والفقد من خلال قصة حياة بطلة روايته "أم كلثوم إبراهيم العزب" تلك الشابة التي نشأت في سيرك متجول في كنف أمها وزوجها، ساعد تنقل خيمة السيرك وترحالهم المستمر على خوض أختيها التوأم لعلاقات عابرة مع الزبائن، بينما حرصت أم كلثوم على عدم التفريط في جسدها بغير الطريق الشرعي وهو الزواج، فحفظت نفسها وقادتها عفتها للزواج بشاب من أثرياء الريف ينتمي لأسرة كريمة من ميسوري الحال لكنها رزقت بطفل معاق ذهنيًا وله هيئة وخلقة غريبة، طفل ذو رأس كبير للغاية وجسم نحيل، وأطراف تشبه أعواد الثقاب، يموت زوجها كمدا متأثرًا بجرعة زائدة من المخدر الذي لجأ إليه هربا من معايرته بإنجاب طفل مشوه، وتهرب هي بعد أن لفظها البيت الكبير وإدابنها وتركوهما للفقر والعوز.
تضطر للهرب والعمل من أجل إطعام ابنها، تختبأ في الحقول وخلف البنايات المهجورة، تكافح وتعيش في حفرة على الحدود الفاصلة بين قريتين مما يعرضها للمشاكل مع أهل القريتين معًا، تعيش معاناة حقيقية، تهرب من كل الناس، تحاول وتحاول، وفي رحلة الاختباء والتخفي هذه تقابل صنوف البشر كافة، مرشح البرلمان الذي يتخذ منها وسيلة ترويجية لتلميع صورته وتبييض تاريخه أمام أبناء دائرته، وغيره ممن غاب عنهم الضمير واستثمروا مشكلة "ثومة" وإعاقة ابنها لتحقيق أهدافهم غير المشروعة.
حتى انتهى بها الحال للاضطرار للعمل في صناعة الزجاج في إحدى المناطق العشوائية بقرية نائية، طمعًا في زيادة الراتب اضطرت إلى أن تدخل للفرن العملاق لصهر الزجاج بطريق الخطأ وتحترق لتصبح قطعة زجاج داخل عجينة الزجاج المعدة للتشكيل، يتسلمها الجار مبتور الساق، يتسلم قطعة زجاج بلا شكل، قطعة عصية على التشكيل وتحديد المعالم.
يستخدم مبلغ المكافأة نظير فقد ثومة لحياتها، ليشتري لنفسه ساقًا صناعية، ويلقي بطفلها في الشارع، ويتركه للمجهول ويرحل بالساق الجديدة..
يقول عمرو العادلي لـ"مجلة مصر المحروسة": "السيدة الزجاجية" تجسيد لمعاناة المرأة البسيطة التي لا تفقه عن الحياة شيئًا، فمن الطبيعي أن تحارب المرأة القوية من أجل أسرتها وأبنائها، لكن الجديد أن ثومة بسيطة حد الجهل التام وتحاول مع الحياة بمفهوم من يحارب طواحين الهواء ويصارع من أجل لقمة العيش، دون أن يدري من يحارب، ولا من عدوه.
يستطرد الكاتب عمرو العادلي، صاحب رواية "السيدة الزجاجية"، إنه ينحاز للكتابة عن المرأة لأنها أساس الحياة وليس الرجل، روايته هذه ليست الرواية الأولى له بصوت امراة حيث كتب عن اسم "فاطمة" وصدرت عن "دار نشر المصرية اللبنانية" عام 2017، فالمرأة من وجهة نظره هي الحياة.
وأضاف "العادلي": رواية "السيدة الزجاجية" هي أحدث إصداراتي عن "دار الشروق" وتلك الرواية لها مكانة خاصة في قلبي لاختيارها جانب مهمل لدي المرأة، ألا وهو نظرة المجتمع للمرأة في وعيها الزائد، ودرجة تعلمها، وثقافتها، وكونها سيدة ناجحة، وخلفيتها الاجتماعية والبيئية، بعكس المرأة التي لا تفقه شيئا في الحياة وما مصيرها في المجتمع، ومدى تغول المجتمع على البسطاء.
وتابع عمرو العادلي، أن الرواية هنا تتحدث عن معاناة هؤلاء السيدات والتي تحكي عن " ثومة" الأنثى التي كل معرفتها ومعلوماتها عن الحياة عن سيرك يقيمه زوج والدتها لها ولأخواتها من الأم، ومدي اعتزازها بشخصيتها المنطوية غير المحببة للاجتماعيات، حتى مقابلاتها لشخص وهروبها معه.
الحدوتة ديستوبيا مستوحاة من الواقع، من أحداث حقيقية حدثت في سبعينيات القرن العشرين، بطلتها أم كلثوم العزب، وهي نفسها ثومة بطلة روايتي.
وأضاف: استغرقت كتابتها سنتين، تدرو حول امرأة تتكسب قوتها لا من سطوة ولا من قوة شخصيتها ولا من نفوذ أو جاه، ولكن من طبيعيتها وتعاملها الفطري مع الحياة، ورؤيتها الأقرب للإنسان البدائي.
تلك الفتاة التي اضطرتها الظروف للهرب كما اضطرتها للقتل، ولم تستسلم للظروف طوال رحلتها الشاقة، ولم تضعف رغم كل ما حدث لها.
-
لم تتفكك الكتلة السردية للعمل رغم قوة الطرح
تعد الرواية شكلًا مختلفا في مستوى السرد وعرض المعالجة الأدبية للموضوع الذي اختاره العادلي لتقديم شخصياته، فرغم دسامة الموضوع وقوته التقريرية لم تفقد الكتلة السردية متانة تضفيرها وعذوبتها الأدبية.
يذكر أن الكاتب عمرو العادلي روائي مصري، وعضو اتحاد كتّاب مصر، صدر له خمس مجموعات قصصية، وديوان شعري وحيد بالعامية المصرية، بالإضافة إلى ثمان روايات منها رواية "المصباح والزجاجة" التي ترشحت للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب عن فئة أدب الطفل في عام 2018. كما ترشحت روايته "اسمي فاطمة" للجائزة نفسها ضمن قسم الأدب في عام 2019.
بدأت مسيرته عام 2008 حينما نشر أول مجموعة قصصية بعنوان "خبز أسود" وما دفعه لبدء كتابة الفن القصصي تأثره بكتاب "فن الشعر" تأليف أرسطو وكتاب "الديكاميرون" لجيوفاني بوكاتشيو. وتعدُ "إغواء يوسف" أول نتاجه الروائي والتي صدرت عام 2011. كما تتميز روايته "المصباح والزجاجة" كونها روايته الوحيدة الموجهة للأطفال والناشئة.
حاز العادلي العديد من الجوائز، منها جائزة الدولة التشجيعية عن روايته "الزيارة" عام 2015. وفي العام نفسه حصل على جائزة ساويرس الثقافية فرع كبار الأدباء عن مجموعته القصصية "حكاية يوسف إدريس". وكذلك وصلت روايته "اسمي فاطمة" للقائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد في الآداب عام 2019.
|