القاهرة 03 مارس 2024 الساعة 05:05 م
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد،،
مر أسبوع آخر من عمر رسائلنا التي قد تصل يومًا ما، يكفي أنها تصل لقارئ واحد فقط لتترك به أثرًا جيدًا، ابتسامة أو عظة..
لنستمر بالكتابة حتى يطلب منا الكف عن الكتابة!
لم تعد الكتابة مجرد وسيلة للبوح والتعافي، وإنما هي وسيلة لإبقاء الود والصلة بينا وبين كل من يقرأ رسائلنا، التي ربما تصل يومًا ما، وتوصل ما نود ونرغبه..
عزيزي عمر خورشيد،،
قمت بزيارة خاصة وخاطفة لمنطقة الحسين في حدث أدبي لصديق عزيز، خططت لليوم بطموح الطفلة الساذجة التي ما زالت تسكن داخلي، قررت أن أشارك صديقي الحدث الأدبي لبعض الوقت، ثم أنسحب بهدوء للقيام بجولة في المنطقة التاريخية، أتلمس فيها رائحة رمضان بطقوس المكان المميزة..
هذا لم يحدث بالطبع! لذا قررت عدم وضع خطط لأي شيء!
في العادة تستغرق رحلة وصولي للمكان نفسه ساعة أو ما يزيد بقليل، ما حدث أن السائق لم يسر في الطريق المعتاد، والمسافة ظلت تبعد وتبعد! أخذنا في جولة إلزامية للقاهرة التي لا يعرفها أحد، أدركت لماذا سميت قاهرة! ليس فقط لأنها قهرت الأعداء، ولكن لأنها تقهرنا داخل وسائل المواصلات! لا سيما تلك التي تتحرك فوق سطح الأرض..
ظننت لوهلة أن السائق اختطفنا، وأنه سيسلم الركاب لمافيا الإتجار في الأعضاء، كل ما شغل بالي هو وجود شاب برفقة أمه العجوز، ذات الوجه السمح والابتسامة النقية.. فكرت كيف سأنفذ معه خطة الهروب، هل سأكتشف تواطئه مع السائق وتفشل مخططاتي كالمعتاد، أم يصر على إنقاذ أمه أولا؟! لا ألومه إن فعلها، فقد كنت مكانه يومًا!
توتر الشاب عندما وجد السائق يخترق الحارات والأزقة التي يحفظها جيدًا، بل ويمازح المارة وكأنهم تربوا معًا! تساءلت والدته بطيبة أمازال أمامنا الكثير؟! انتبه الشاب واستفسر من السائق، ثم تمتم ربنا يستر!
ضحكت أمازحه، يبدو أننا خطفنا! أوصيك بإنقاذ والدتك أولًا!
شردت لحظة أونا أتخيل أنه تم تخديرنا، وفتحنا أعيننا لنجد أنفسنا على طاولة العمليات في مكان ما وسط ملثمين يبدون كالملائكة! تساءلت هل سأخاف، أم سأبتسم و أتحدث معهم بإزعاج كالمعتاد، أوصيهم أن يهتموا بقلبي، أن يتبرعوا به لشاب حتى يعيش للأبد بمشاعر أنثى، كلما هم بالتلاعب بفتاة ذكره قلبي بأن يتروى! ما أجمل أن يحمل شاب قلب امراة.. يا للهول!
أعطوا العين لفتاة حتى تشرق عينيها، ويتغير لونها عندما تشعر بالسعادة!
والكبد لرجل ظن أن قطار حياته أوشك على النهاية، عله يعيد بوصلة حياته من جديد، فيحب نفسه جيدًا، ليرى أنه يستحق أن يقسم يومه بين من يحب، وما يحب، وما يستوجب عليه فعله بحب!
ماذا عن الكلى.. أعطوها لمن يستحق، أنقذوا حيوات الآخرين! لن أتذمر، فقط تابعوني بحالتهم، أخبروني كيف أعيش بينهم بعد ذلك.. كيف يعيشون بي..
ما أجمل أن تقتسم حياة الآخرين بحب..
استفقت من شرودي ونحن أمام مسجد الأزهر، وعربات الأمن تغلق الطرق كافة وسط تواجد أمني مكثف، صوت السائق: آسف يا حضرات الطرق مغلقة منذ فترة، ونحن مجبرون على الالتفاف بهذا الشكل!
لعل أبرز ما جذب انتباهي أنه أثناء مروره بين أزقة القاهرة لفت نظري محل قديم، ذو طراز معماري حجري أثري، تعلوه لافته "أولاد عبده اليهودي"!
ابتسمت وتساءلت هل يقصد باليهودي هنا لقبًا أم صفة! وضحكت طوال الطريق حتى وصلت لمقصدي.. بمجرد وصولي قابلت رفاقي، أخبروني أنهم عانوا الأمرّين مثلي لسبب مجهول.. ضحكت وأنا أتذكر سيناريو التبرع بالأعضاء!
لا أظن أن أحدهم سيصيب خاطفيه بالجنون مثلي!
عزيزي عمر خورشيد،،
تحطمت طموحاتي تماما لأن الحدث الثقافي أخذني، وتأخر الوقت، ولم أتمكن من الهروب لإتمام ما خططت له، بل والأدهى أن رحلة العودة أيضًا سارت بصعوبة بالغة، فأصبح همي الوحيد الخروج من هذا الزحام الذي ابتلع الجميع كالدوامة، كل من يحاول الفرار والخروج منه!
لم أتمكن من التمتع بطابع المكان التراثي الديني الخاص، رغم انتشار الطابع الرمضاني على المعروضات كافة!
يباع الياميش، والملابس المطرزة بطرز إسلامية تعلوها الرسومات الرمضانية المعتادة، وتارة فوانيس ومفارش الخيامية، لكن أفسد متعتي تأخر الوقت، والازدحام المبالغ فيه، والطرق المغلقة بشكل كامل من قبل قوات الأمن!
رغم ذلك يظل لرمضان طابعه المميز، ويظل لكل رحلاتي حتى ولو كانت تستغرق بضع ساعات محدودة رونقها وجاذبيتها..
داخل هذا الازدحام استمعت لعشرات الأصوات للباعة، ورصدت عيني عشرات النماذج البشرية التي تحتاج كتب العالم للحديث عنها، فلكل صوت حكاية، ولكل فرد قصة، وداخل كل واحد فينا رواية، بعضها تكتب لتعيش، وأخرى تموت وتنزوي.
عزيزي عمر خورشيد،،
وحدك تظل الرواية التي لم ولن تنتهي، قصتك الوحيدة التي كتب لها أن تعيش، لا لأني وثقتها في كتاب يحمل اسمك، بل لأنك شخص مؤثر تستحق أن تخلد..
عزيزي عمر خورشيد،،
كل عام ومصرنا بألف خير.. ورمضان كريم.
|