القاهرة 14 فبراير 2024 الساعة 01:55 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
سنلمس بهدوء جانبًا بسيطًا من تاريخ الإسكندرية، الأرض التي ستشهد سلسلة من مقالاتنا القادمة حول الفسلفة في الإسكندرية، وكيف كسفت شمس الإسكندرية الفلسفية شموس العديد من المدارس في مناطق كثيرة بعد أن استطاعت احتضان كثير من الفلاسفة..
من المعروف أن الإسكندر الأكبر هو الذي أنشأ مدينة الإسكندرية، ويقول بولوتارخ المؤرخ الشهير أن الإسكندر حلم ذات يوم بشيخ يرتدي الأبيض جاء إليه وقرأ عليه أبياتا من شعر هوميروس في الأوديسا وكانت تقول:
"في وسط البحار التي تسبح فيها مصر
قامت جزيرة فاروس الذائعة الصيت"
واستيقظ الإسكندر ليأمر سريعا ببناء مدينة تحمل اسمه، بين جزيرة فاروس وراقودة، ولكن بعض المؤرخين يقولون إن تلك المنطقة لم تكن مقفرة كلية قبل مجيء الإسكندر، بل كانت مدينة مأهولة بالسكان ولها تاريخ أيضًا، وهو ما أثبته جارتيان لوبير في كتابة "مدينة الإسكندرية"، حيث كانت هذه المنطقةـ أي منطقة الإسكندرية- تسمى راكوتيس، وكان بها معبد صغير لعبادة إيزيس وسيرابيس، ويقطنها الصيادون والرعاة، وقد اكتشف بها ميناء فرعوني قديم، مما يدل أن تلك المنطقة كانت تحتل منذ عهد المصريين القدماء موقعا مهمًا وفريدا.
أما المؤرخون العرب فيرجعون تأسيس هذه الرقية إلى عصر مصراييم بن نوح، ويرجعه آخرون إلى أمير اسمه شداد، ويسبق ذلك الإسكندر المقدوني بأزمان طويلة، حيث كانت هذه المدينة مزودة بثلاثة أسوار حصينة دمرت عدة مرات وأعيد بناؤها على فترات مختلفة على يد الراميين، وأن شداد هذا لم يفعل سوى أن رممها، ثم على يد الفرس بقيادة بختنصر وهو نفسه ملك الشوريين الذي خرب ممفيس، والذي يسمه سفر الكتابة نبوخذنصر.
إذًا فقد كانت هناك منطقة مأهولة بالسكان في نفس المكان الذي حلم فيه الاسكندر أن يبني مدينته، ولكن في حلم الاسكندر كان يريد أن يبني مدينة ضخمة، ميناء عظيم يكون مجاورا لميناء "صور" حيث تتحرك التجارة بينهما بسهولة، ويساهم في قوة اقتصاد إمبراطوريته.
خطط لمدينة الاسكندرية المعماري "بينوقراطيس" من رودس الذي كان من أعظم المعماريين في عصره، والذي كانت تنسب له العديد من الأعمال العظيمة مثل تصميم معبد أرتميس بمدينة أفسوس، وكان التخطيط عمليًا للغاية وليس به أي نوع من البهرجة، حيث كان التخيط على شكل رقعة الشطرنج، أو ما يعرف بالطراز الهيبودامي عبارة عن شارعين رئيسيين ومتقاطعين بزاوية قائمة هما شارع كانوبك وشارع سوما وعرض كل منهما 14 مترا، ومنهما تتفرع شوارع جانبية متوازية عرضها 7 متر.
وكان كانوبك (شارع فؤاد حاليا) يربط بوابة القمر من الغرب وبوابة الشمس من الشرق، وكان الشارع يمتد شرقا ليربط مدينة كانوبس (أبوقير). وكان يتقاطع شارع سوما (النبي دانيال حاليا) مع شارع كانوبك ويمتد من الشمال للجنوب. وتقاطعهما كان مركز مدينة الإسكندرية.
وبحسب وِل ديورانت فإن الإسكندرية كانت مدينة كوزموبلوتانية (عالمية) منذ نشأتها، فعلى الرغم من أن السواد الأعظم من سكانها كان من المصريين، إلا أن حكام المدينة كانوا من المقدونيين، وضمت جالية يهودية ضخمة، فضلا عن أعداد من العرب والفرس والهنود، ليبلغ عدد سكانها من 400 ألف وحتى 500 ألف نسمة.
|