القاهرة 13 فبراير 2024 الساعة 10:45 ص
كتبت: نضال ممدوح
في كتابه والصادر عن دار العين للنشر والتوزيع، بالتزامن مع النسخة الخامسة والخمسين لمعرض القاهرة الدولي للكتاب، والمنقضية قبل أيام، يرصد المفكر دكتور عبد الجواد ياسين، في كتابه "مفاهيم إشكالية في الحب والتصوف والسياسة". في ثلاث مجموعات من المقالات التي جرى تحريرها على فترات متقطعة من السنتين الماضيتين ــ بحسب عبد الجواد ــ وعلى الرغم من أنها لم تصمم بغرض نشرها في كتاب واحد، فإن هذا النشر يبدو مفهوما بالنظر إلى الرابط المشترك الذي يجمع بينها، وهو التماس المباشر مع المشاغل المأزومة للوعي الإسلامي الراهن.
وتضم المجموعة الأولى من كتاب "مفاهيم إشكالية في الحب والتصوف والسياسة"، عن الحب والحب الإلهي، يعاود فيها “ياسين” الاقتراب من حاجات الروح وأشواق الذات الفردية. وهي المنطقة التي تمثل أصل الدافع الديني، والتي جري تقليصها، رغم ذلك، بفعل الهيمنة المزمنة لثقافة “الفقه” الشكلانية الباردة. تم تكريس هذه الثقافة في الأنساق الكتابية الثلاثة عبر تاريخ طويل من التدين السياسي، ومن خلال "الكهنوت" الذي جعل من الدين حرفة راتبة تحتكر توجيه الذات وتقمع نزوعاتها الروحية الحرة (النسق الإسلامي ــ الذي يعتمد صيغة الكهنوت المنظم علي النمط المسيحي ــ أنتج نسخته الكهنوتية الخاصة ــ من خلال "الطبقة الفقهية" التي صارت تتوفر على سلطة معنوية مشابهة لسلطة الكنيسة) لكن مساحة الروح ــ التي تقلصت نسبيًا تحت ضغط الحداثة المادية ــ تواجه الآن داخل السياق الإسلامي، موجة تقليص جديدة تفرضها الأصولية السلفية.
أما المجموعة الثانية من كتاب "مفاهيم إشكالية في الحب والتصوف والسياسة"، والمعنونة بــ “معضلة السلام الديني”، تناقش ظاهرة العنف والكراهية، التي تضرب بجذورها في عمق الثقافة الكتابية الموروثة من تاريخ التدين السياسي الطويل ومدونته الفقهية الموازية. وهي الظاهرة التي تتجلي بصورة زاعقة في السياق الإسلامي المعاصر بفعل التطورات الأصولية. السؤال الذي تطرحه هذه المجموعة من الكتاب، هو: لم يبدو العنف الديني وكأنه خاصية إسلامية؟
بينما جاءت المجموعة الثالثة من مقالات الكتاب تحت عنوان “في تحولات الإسلام السياسي”، ويناقش خلالها المفكر دكتور عبد الجواد ياسين، البناء الأصولي في أشكاله التنظيمية المعاصرة في المحيط السني، وتقف أولًا أمام النموذج الأصلي الذي خلقته جماعة الإخوان المسلمين في مصر أوائل القرن المنصرم، قبل أن تنتقل إلى تجلياته المخففة نسبيا في النموذجين: التركي والتونسي.
يدور النقاش في هذه المجموعة حول علاقة الجماعة ذات التكوين السلفي / الحداثي المهجن، مع الدولة المدنية. كيف طورت عبر نماذجها الثلاثة موقفا براجماتيا مركبا حيال النظام الدستوري وفكرة التعددية الحزبية؟ وإلى أي مدي يتناقض هذا الموقف مع تيارات الجيل الثاني من الإسلام السياسي ذات التوجه الأكثر "سلفية وعنفا"؟ .
ويلفت دكتور عبد الجواد ياسين إلى أن: لقد تولدت هذه التيارات ــ السلفية التي تنتهج العنف ــ أصلا من رحم جماعة الإخوان المسلمين، وتبلورت بالذات أمام سطوة الحداثة السياسية. ومع ذلك يبقي للإخوان سبق الريادة في استدعاء التطرف، وتحويل "التراثية السلفية" إلى أيديولوجيا سياسية منظمة، تتبني العنف وتسهم في تكريس الثقافة “الفقهية” المخاصمة للروح.
يشار إلي أن عبد الجواد ياسين، قاضي ومفكر مصري، من مواليد 17 سبتمبر 1954، تخرج في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1976، وتدرج في سلك النيابة العامة والقضاء منذ 1977 حتى 2010 في مصر والإمارات العربية المتحدة.
صدر له العديد من المؤلفات والدراسات في الاجتماع السياسي وفلسفة الدين. وتدور أبحاثه حول نقد التراث الديني في أنساق التدين التوحيدي الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، وعلاقاتها بالظواهر الأصولية العنيفة خصوصًا في المحيط الإسلامي المعاصر.
ومن أبرز مؤلفات المفكر دكتور عبد الجواد ياسين نذكر: تطور الفكر السياسي خلال القرن التاسع عشر .. بحث في بدايات التوجه الغربي، لسلطة في الإسلام .. العقل الفقهي السلفي بين النص والتاريخ. كتاب نقد النظرية السياسية (دراسة حول نظرية السلطة: الخلافة السنية، الإمامة الشيعية، والإمامة الإباضية، كتاب “الدين والتدين .. دراسة حول علاقة الدين والاجتماع والقانون ــ فكرة الشريعة”، كتاب “اللاهوت: أنثربولوجيا التوحيد الكتابي” .. دراسة في البعد التاريخي الاجتماعي للعقيدة في الديانات الإبراهيمية الثلاث.
|