القاهرة 07 فبراير 2024 الساعة 11:14 ص
بقلم: أحمد محمد صلاح
كان الرواقيون هم اساس الفكر المادي وقالوا: "ليس في الوجود غير المادية"، وهو مبدأ يتفق مع فكرهم الذي يتمحور حول المعرفة والتي لا تأتي إلا عن طريق الحواس، فما لا يحس لا يعرف، وكل شئ موجود هو مادة.
وهذا الطرح جعل الرواقيون يضعون مبدءًا مهمًا وهو أن وحدة الوجود تتطلب هذا الأمر الحسي، فالعالم واحد ولابد وأن يكون نشا من مبدأ واحد، وثانيًا -أن الجسم والنفس- فمثلًا الجسم يؤدي إلى أفكار في النفس، والنفس تبعث على حركات في الجسم، وهذه كانت تكون مستحيلة إذا لم يكن الجسم والنفس من عنصر واحد، فالمادي لا يمكنه أن يؤثر في غير المادي والعكس، فلا بد أن يكون هناك اتصال واتحاد في العنصر، وحينئذ يجب أن يكون الكل ماديًّا.
ثم بحثوا في أساس المادة الذي نشأ عنه هذا العالم، والذي هو أصل لكل التغيرات، فتبعوا في ذلك مذهب هرقليطس القائل بأن النار أساس كل شيء، وأن كل شيء مركب من نار، وهو مبدأ افلاطون في الأساس، وقالوا بأن النار حركت الهواء لتصبح ماء، والماء يتحول إلى أرض.
من هنا ذهب الرواقيون إلى معرفة الله عز وجل باعتباره انه هو الأول قبل كل شئ، مفسرين أنه لابد وأن هناك قوة ضخمة هي السبب في وجود الكون، وخلصوا إلى أن العالم مسير إلى غاية يسير نحوها بنظام وثبات وجمال، وأن العالم خاضع لقوانين ثابتة يُسَيِّره حتمًا قانون العلة والمعلول والسبب والمسبب، لهذا لم يكن الإنسان حرًّا، لأنه لا يمكن أن يكون حر الإرادة في عالم مجبر، قد نقول أننا نختار هذا أو ذاك، ولكن هذه العبارة ليست تدل إلا على أننا نرضى هذا أو ذاك، وما اخترناه أو ما رضيناه فنحن لا شك مضطرون إليه.
أما الأخلاق عند الرواقيين فمؤسسة على مبدأين: الأول وهو أن العالم محكوم بقانون شامل ثابت ليس فيه استثناء، والثاني أن طبيعة الإنسان الأساسية طبيعة عاقلة، فصاغوا آراءهم الأخلاقية في هذا المبدأ: «عِشْ على وفاق الطبيعة» يعنون بذلك شيئين: يجب أن يعمل الناس على وفاق الطبيعة بمعناها الواسع أعني على قوانين الطبيعة التي تحكم العالم، وأن يعملوا على وفاق الطبيعة بمعناها الضيق، أعني حسب أهم شيء في طبيعتهم وهو الجزء العاقل، فيسير الإنسان على حسب ما يرشد إليه العقل خاضعًا لقوانين العالم لتكون حياته حياة أخلاقية.
فالفضيلة هي السير حسب العقل، والإنسان الحكيم هو من يُخْضِع حياته لحياة العالَم ويُعِدُّ نفسه ترسًا في دولابه الدائر، والخضوع للعقل قال به أفلاطون وأرسطو من قبلهم، وإنما الفرق في شرح الرواقيين لهذا المبدأ، فأرسطو مثلًا عد أهم جزء في الإنسان عقله كما قال الرواقيون، ولكنه عد الشهوات جزءًا من الإنسان له مكانه ولم يتطلب محاربتها وإنما تطلب ضبطها بواسطة العقل، أما الرواقيون فعدوها شرًّا محضًا يجب إبادته، وصوروا الحياة حياة حرب بين العقل والشهوات يجب فيها أن ينتصر العقل ويظفر بالشهوات ويعدمها، ومن ثم كانت نظراتهم تنتهي بالتقشف والزهد وعدم التوازن بين قوى الإنسان.
وقد جعل أرسطو الفضيلة أكبر شيء قيمة، ولكنه مع هذا جعل للمال والظروف والأشياء التي حولنا قيمة في الحياة، أما الرواقيون فقالوا: لا خير في الوجود إلا الفضيلة، ولا شر إلا الرذيلة، وما عداهما فشيء تافه لا قيمة له، والفضيلة مؤسسة على شيئَيْن: العقل والمعرفة، لهذا كان المنطق والطبيعة ونحوها من العلوم ليست لها قيمة ذاتية، إنما قيمتها في أنها أساس للفضيلة، وأساس الفضائل كلها الحكمة، ومن الحكمة تنبع فضائل أساسية أربع، وهي: بعد النظر، والشجاعة، وضبط النفس أو العفة، والعدل.
وإذا كانت الحكمة أساس هذه الفضائل كان من حازها حاز كل شيء، ومن فقدها فقد كل شيء، والإنسان أما فاضل بكل ما تدل عليه الكلمة، أو شرير بكل ما تدل عليه الكلمة، وليس في العالم إلا اثنان: حكيم ومغفل، ولا شيء بينهما، وليس هناك تدرج من الشر إلى الخير، فالحكيم هو الكامل، وهو الحر والغني، وهو الملك حقًّا، وهو الشاعر وهو الفنان والنبي، وليس للمغفل إلا البؤس والقبح والفقر، وهؤلاء الحكماء في الدنيا قليلون، وكلما تقدم الزمن زادوا قلة.
|