القاهرة 30 يناير 2024 الساعة 12:16 م
بقلم: إبراهيم إبراهيم المليكي - الجزائر
إن سيرة المرأة الفيلسوفة قضية هامة أغفلها الكثيرون من دعاة الفكر الذكوري الذي ساد العالم بعد تقويض العصر المترياركي الأمومي. لكن كتاب" نساء فلاسفة" للباحث إمام عبد الفتاح يحاول أن يطرح هذه القضية الإشكالية، فلطالما مارست المرأة الفلسفة والفكر، وكان لها إنجازات فكرية وفلسفية أثرت الفكر البشري.
يحتوي الكتاب على سيرة بعض النساء الفلاسفة على مر التاريخ , ومن الطبيعي أن تختلف سيكيولوجية الفيلسوف الذكر عن المرأة الفيلسوفة, وبالتالي تختلف طريقة التفكير وتطبيق النظريات تماماً , فالكتاب سيرة وفلسفة نساء شهيرات , ولعل أشهرهن “هيبتيا” , ويذكر كذلك عدة فيلسوفات أخريات والقضايا التي أهتممنا بها والأحداث الفكرية التي حدثت في عصرهن ومدى تأثرهم وتأثيرهم فيها
أبرز الفلاسفة، المفكرون ورجال السياسة أيضًا كانوا رجالًا بالفعل، هذه حقيقة لا يماري فيها أحد، إلا أنَّ الإنسانية قد شهدت أيضًا حالات أخرى مختلفة، ليس فقط من خلال تأثير امرأة في سياسة دولة كما حدث في امبراطوريات كبيرة، وليس من خلال تأثيرها في حياة فلاسفة ومفكرين كبار، لكنها أيضًا استطاعت أن تثري المكتبة الفلسفية وأن تسهم في العمل السياسي إسهامًا مشهودًا. نرصد هنا بعض هذه الأسماء النسوية التي كانت مؤثرة في الحركة الفلسفية.
-
روزا لوكسمبورج مؤسسة نظرية "الثورة الدائمة":
في وقت كان العالم يتصارع فيه بينَ قطبين فكريين: من جانب الماركسية والتي انتشرت بسرعة بين العمال والمفكرين في أوروبا، ومن جانب آخر الرأسمالية. ولدت روزا لوكسمبورج لتكونَ يومًا من الأيام أحد أهم المفكرين والفلاسفة الماركسيين، ليس هذا فحسب بل أيضًا لتقود الاحتجاجات العمالية في ألمانيا التي انتهت بقتلها عام 1919.
من بلدة بولونية صغيرة انطلقت روزا لوكسمبورج وانتسبت في الحادية عشر إلى حزب يدعى “البروليتاريا”، في الثامنة عشر كان البوليس البولوني يطارد روزا لنشاطاتها الثورية مع الحزب، في العشرين كانت روزا منظّرة من منظري الحزب الاشتراكي الثوري البولوني.
صارت روزا أحد الأعضاء الأساسيين والمنظّرين للحزب الاشتراكي الديموقراطي الألماني، ثم الحزب الشيوعي الألماني، ودخلت في عدة محاورات فلسفية مع لينين. اختلفت معه في المسألة القومية وسبل بناء الأحزاب الشيوعية والعلاقة بين الحزب والنشاطات الجماهيرية.
قال عنها فلاديمير لينين: "لقد أخطأت روزا لكنها على الرغم من أخطائها فقد كانت وستظل بالنسبة لنا نسرًا محلقًا، وستكون مؤلفاتها وسيرة حياتها دليلاً لتدريب أجيال من الشيوعيين في كل أنحاء العالم"
خلال الحرب العالمية الأولى اتخذت روزا نفس الموقف الشيوعي القاضي بالانسحاب من الحرب العالمية، واعتقلت بسبب خطبتها في الجنود الألمان التي دعت فيها الجنود للتمرد وعدم قتال الفرنسيين. ويعتبر كتابها ”تراكم رأس المال” من أهم كتبها وقد أضافت للمكتبة الشيوعية العديد من الكراسات والكتب والتنظيرات، وتعتبر روزا مؤسسة نظرية “الثورة الدائمة” التي طورها ليون تروتسكي بشكل مستقل فيما بعد.
في العام 1918 قامت احتجاجات عمالية كبيرة في ألمانيا، بعد إطلاقها من السجن، قامت روزا بالوقوف إلى جانب العمال في المظاهرات، نزل الجيش وقام بقتل الآلاف من العمال، وكانت روزا وبعض قادة الشيوعيين في ألمانيا من ضمن القتلى.
-
"هيباتيا" الجميلة التي امتنعت عن الزواج وقتلها المسيحيون:
في القرن الخامس كانت وفاتها، أو بالأحرى كان مقتلها على يدّ جماعة “رهبان صحراء النطرون” عام 415، ولم يكن لها ذنب سوى أنها كانت فيلسوفة، وغير مسيحية، حيث برعت هيباتيا في الرياضيات والفلك ثمَّ الفلسفة، وكانت حلقتها في الإسكندرية يحضرها كبار الأعيان ورجالات الدولة.
آثرت هيباتيا أن تظل عزباء طوال عمرها، لقد تخلت تمامًا عن الزواج وكرست حياتها للفلسفة والتدريس، كانت جميلة ما جعل العديد من كبار رجالات الإسكندرية يحاولون استمالتها للزواج.
كان كبير الأساقفة كيرلس يعتبر كل ما هو غير مسيحي “هرطقة” حيث قام “رهبان صحراء النطرون” بمهاجمة الحيّ اليهودي في الإسكندرية ونهبه وكانت لهم مناوشات مع الوثنيين في الإسكندرية، ولم يسلم حتى حاكم الإسكندرية نفسه من أذاهم لأنه كان وثنيًا.
في إحدى الأيام تجمع الرهبان وأوقفوا عربة الفيلسوفة الجميلة، وقاموا بسحلها إلى كنيسة قيصرون، جردوها من ملابسها حتى صارت عارية تمامًا، وقاموا بذبحها، ثمَّ حرقوا جسدها حتى أصبحت رمادًا.
كدارسة يهودية للفلسفة في ألمانيا في فترة كانت النازية مسيطرة فيها، كعشيقة لمارتن هيدغر الفيلسوف الألماني الشهير الذي انتمى للنازية أيضًا، كهاربة من السلطات الألمانية عام 1933 ثمَّ كفيلسوفة ومفكرة أخيرًا في الولايات المتحدة، عرفت حنَّه آرنت أحد أهم النساء الفلاسفة في العصر الحديث.
طورت آرنت مفهومها حول عدة قضايا كانت تشغل الفكر الإنساني في هذه الفترة، السلطة والعنف، الحداثة، الشرّ. اعتبرت آرنت أنَّ الشر ليسَ شيئًا عميقًا في الذات الإنسانية، وإنما مجرد سطح للذات الإنسانية، لذلك ينتشر الشرّ بسرعة.
ألفت عدة كتب هامة، منها كتاب “في الثورة” و”أصل المذهب الشمولي” و”تقرير في ابتذال الشرّ” وتوفيت في أمريكا عام 1975.
-
سيمون دي بوفوار: من التعليم الديني للإلحاد:
طالبة في دير كاثوليكي وأمنية أن تصبح راهبة يومًا من الأيام، ثمّ أزمة إيمانية في سنّ الرابعة عشر تودي بآمالها لتقرر سيمون دي بوفوار ابنة العائلة الثرية أن تترك الدراسة الدينية، وأن تفضِّل الإلحاد. القضية التي شغلت عقل سيمون كانت حرية المرأة فبدأت تَحَرُّرَهَا. يعتبر كتاب “الجنس الآخر” باكورة أعمال سيمون دي بوفوار، والذي تحدثت فيه عن المرأة، وحسب العديد من المفكرين فإن سيمون تعتبر أمّ الحركة النسوية في العالم.
لم تكن فقط سيمون فيلسوفة وإنما أيضاً كانت أديبة، كتبت عدة روايات ومجموعات قصصية، وقد كفلت لها فلسفتها الوجودية ونظرتها للأنثى علاقات جنسية عديدة، ما كانَ نقطة ساخنة في سيرتها الذاتية أنَّ سيمون كانت تدخل علاقات مع الجنسين، وقد طردتها المدرسة التي بدأت فيها حياتها كمعلمة بسبب تهم بالتحرش بطالبات قاصرات. وقد ظلت علاقة سيمون دي بوفوار بحبيبها جان بول سارتر ما يقارب خمسين عامًا لم يتزوجا خلالها، وكان كل منهما يدخل في علاقات أخرى ولكنهما ظلا “مرتبطين” حتى وفاة سارتر عام 1980. لحقته سيمون دي بوفوار عام 1986.
|