القاهرة 30 يناير 2024 الساعة 12:02 م
بقلم: د. حسان صبحي علي حسان
كان ظهور النظريات والاكتشافات العلمية الحديثة بمثابة النقلة النوعية التي دعمت تحول المفاهيم في الفنون والآداب، وتبدل الوسائط التقليدية لوسائط تكنولوجية، وتشكيل خارطة التغيير الإيجابي، التي تسطر براح أثيري يعضد الفهم المنضبط لطرق توظيف الخامة بما يتسق والمعني الدلالي للفكرة لإبداع أسلوب تجريدي جلي نابض.
وبجانب الأطروحات التي عمد فيها الفنان لإعلاء الطبيعة والحضور الشكلي للصورة بها، واستلهام عناصرها بهدف استثارة حساسية المتلقي، فقد انحاز جمع أخر للعلاقة الترابطية بين"الفن والتكنولوجيا "(Art and Tec)، وتوظيف الوسائط والتقنيات التكنولوجية المستحدثة داخل أعمالهم لتحلق بأفكارهم وتعظم مفهومهم الحداثي للفن بشكل يتسق مع التطور العلمي، فاستحدثت الوسائط والتقنيات التكنولوجية، بما يخصب روافد المفهوم في الفن، وتشكيل أنساق عده تخطو حدود الانغلاق الاسلوبية والسيمتريات الأدائية الاتباعية،والإيفاء باحتياجات عصر المعلومات والاتصالات.
فعبر طرق الاسترسال في تعميق الفكرة وتكثيف المحتوي التعبيري، والذي ينطلق من الدراية والصلة بالوسائط وتقنياتها، أصبح هناك ميل نحو التطرق لموضوعات لم تكن مطروحة من قبل، والتعبير عن الانطباع تجاه حقبة تتسم بالتغير والتحول والسرعة والتقدم التقني والطفرة الصناعية، واستثمار ذلك المعطي التكنولوجي كمسئولية أدبية، وعرضها كمبحث وقضية جمالية هامة، لتكوين واقع تفاعلي يدشن نموذجا مغايرا من المشاركة التفاعلية، وتصدير معادلات بصرية معززة بمشاعر وعناصر تعكس جمالية تدعم الهوية، وتخرج عن نواميس مدارس الفن التقليدي، وطرح أفكار مبتكره تحفز مشاعر المتلقي وتصل إلى أعماقه، وتخلق عوالم خيالية تلعب فيها "برمجة الفن التخليقي" الدور الفاعل كبديل عن الألوان والصبغات المعتادة، لتصدير بنائيات بعيده عن حدود الإطار، والاتكاء علي مواضيع فكرية وفلسفية محددة، تؤسس فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي، وفقاً للمفهوم الذي تنطوي عليه رسالة ومفهوم العمل الفني.
وفي العصر الحديث انبثقت إرهاصات ممهدة ذات تحولات جذرية في زوايا متشعبة من العمل الفني، وتسارع قدرات الفنان وتحويل كل ما يحيط به من مثيرات تقع داخل إدراكه البصري لحالة تعبيرية في هيئة مادية عبر توظيف الوسيط.، واتجاه الفنان للإفادة من التقدم العلمي والتكنولوجي، والإلمام بالأشكال والذكاء التوليدي والاصطناعي، لينحاز فن الذكاء الاصطناعي لجملة الأعمال الفنية التي تتضمن الذكاء الاصطناعي في إنشائها، ويتغذي الفن التوليدي بخوارزميات لإنشاء بيانات جديدة يصعب توليدها يدويا بتقنيات تقليدية، بناء على أنماط في البيانات الموجودة، لتسطير المخرجات النهائية بعدد من الأدوات البرمجية الخاصة المستخدمة للفنون التوليدية، وإنشاء برامج مخصصة باستخدام لغات البرمجة.
ليمثل الذكاء الاصطناعي التوليدي أحدث ابتكارات التكنولوجيا الذكية، والنقلة النوعية نحو إنشاء محتوى حداثي ذو أفكار وقيم مضافة، عبر الأنظمة الذكية، وإحداث القفزة في مجالات مختلفة، مثل الفن والأدب والإعلام والتسويق، متكئا علي أشكال مختلفة من النمذجة الرياضية، ومؤسس على كميات من البيانات لتحقيق نتائج دقيقة، لتصبح لدي تلك الأنظمة الذكية القدرة على إنتاج تصورات فنية وكأنها لوحات مرسومة بأيدي محترفة.
وتسهم التكنولوجيا، بنقاش وجدلية حوارية حول ماهية الفنون التقليدية وتقنياتها، ومقترحات الذكاء التوليدي الاصطناعي، مابين تأييد انحيازي داعم للحداثي المعاصر، وتشكيك يقلل من قيمه المستحدث التكنولوجي وفن الميكنة وقدرته على تسطير الأبعاد الروحانية والإنسانية وجوانيه الفنان وتعبيراته، والافتقار إلى التعبير والعواطف، في محاولات إحلال ديمومي، لصالح القدرة على الانتقاء والتباديل، وحضور الفنان وفرض شخصيته وهيمنته على الحاسوب، والولوج لمسارات"اعتبارية فكره الفنان" وتشخيص كينونته وإلهامه، بما يعزز أنسنة الشروحات التكنولوجية.
ليبقي السجال ما بين الذكاء الاصطناعي وبين الفن البصري، لينتصر التجديد والتطوير في نهاية المطاف، وتدفع تقنيات الذكاء الاصطناعي نحو التطور والتبدل وشق ممرات لقالب فني جديد، ينحو عن الاستهلاكية والاتباعيات الجمالية المتعارف عليها.
فالساحة الفنية ومنذ القرن الماضي شهدت رؤي جديدة،ومراعاة ما يسمي"بالجغرافية النفسية للجمهور"، فظهرت جملة أعمال بتقنية الذكاء الاصطناعي عبر ادخال البيانات والمتواليات، لتقوم الخوارزمية بإنشاء أعمال تعلي الذائقة الفنية لدي المتلقي، وتشحن وجوبية الفنان لاستثمار معطيات الذكاء الاصطناعي لتطوير القدرات والمخيلة والجوانية في تواجد الهيبة، وحضور المشاعر والإنسانية ودفق التعبير، ووضع الأنموذج، والاعتصام بأفاق رحبة نحو الانفتاح على مجريات عالمية الفن، للميل عن مناخات الركود وفتور المبادرات الإبداعية.
-
الذكاء الإصطناعي في أشروحات د.علية عبدالهادى:
وفي مدارات النحو عن انزلاق مخيله الفنان في دروب استحواذ البرمجيات على حرية وعفويه الفنان، وعبر دراما نابضة تنحاز لهوية وذاتية خصوصية تستحضر تراث وتاريخ معبأ بعناصر متمايزة، من شخوص ومعماريات ونخيل ونيل وسماوات مفتوحة وكتابات وزخارف عبق التراث المحلي الملهم، كنافذة لها عمقها المنظوري نرى من خلالها عناصرها ذات الحركة الدؤوبة والتلميحات التراثية، ليسهم ذلك إيجابيا لطرح حداثة بصرية متفردة تحتضن عبق التاريخ وأصاله الحداثي المعاصر، الذي يكتسي بهويه عناصر تصدح بالوضوح وأصاله المفهوم، لاجتذاب الفعل التجاوبي لدى الجمهور وتعزز تفاعله وارتباطه بطاقة العمل.
وفي تجربة بصرية فنية نابضة،تعرض "د.علية عبد الهادى" تحت عنوان الذكاء الاصطناعي وأنا "Ai&I" أطروحات تحتفي بتقنيات وسائطية معاصرة تتباهى بقدرة التفكير الحداثي الصيروري الأصيل لأحد تطبيقات الرسم التخيلي بالذكاء الاصطناعي، لتحويل الكتابات إلى صور، لتسطير تصاميم ذات حضور يجسد روح التاريخ والحضارة، عبر الدفع بالحياة اليومية والشخوص وحياة المصري القديم والعمارة والملابس والمجوهرات.
حيث عكفت الفنانة طيلة مسيرتها الفنية على الإستغراق والإبحار في استكشاف موضوعات تعضد "الذاكرة المكانية والهوية" وتعلا المحيط الجغرافي، بتجهيز عوالم خاصة متفردة تتحاور فيها عناصر ذات هويه تتوازي مع فكرة الفنانة حول الموجودات في احتفاء بقيمه الوسائط والخامات المستخدمة، وتوظيف الوسائط التكنولوجية المستحدثة للتحليق بالأفكار، وتعظيم المفهوم الحداثي للفن بشكل يتسق والتطور العلمي، بما يدعم الرؤية التعبيرية والفنية وتحفيز الابداع. ليتسم المشروع الفني لدي الفنانة بتأطير تحولات راديكالية في بنية العمل تتسق وأيدولوجي العصر، وتشكيل أنساق تعلو بالأفكار والاسترسال في تعميق التعبير الذي ينطلق من الدراية بالتقنية.
فأصبح هناك ميل احترافي لدى "د.علية عبدالهادى" للارتكان لسيكولوجيا الألوان والأشكال الموحية المعبأة بأجواء وطقوس روحانية، وإعلاء الأصالة، وتوظيف لتقنيات بصرية معاصرة يتفاعل معها إيقاع حركي مفاهيمي متنام في رد وتجاوب وتكامل مع المنظومة الكلية لصياغة أفكار متناغمة، تؤثر على الإدراك البصري بجملة أعمال من المستقبل التقني والفكري، عبر تقنية الذكاء الاصطناعي، وإثراء القيم التعبيرية والجمالية للعمل، لتصدير طرق الجذب والأثارة الفنية والحداثية للجمهور، وإحداث التغيير في مواصفات المدرك الجمالي، عبر متكأ على أرضية علمية وفلسفية، وطرح تجربة روحية للمشاهد فيها نوع من الطمأنينة والسلام.
|