القاهرة 23 يناير 2024 الساعة 02:18 م
كتب/صلاح صيام:
نواصل الحديث عن الأديب الكبير عباس محمود العقاد عملاق الفكر العربي، وما زلنا مع الدكتور أبو اليزيد الشرقاوي أستاذ الأدب في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة للحديث عنه.
يتابع "الشرقاوى": هذا من جوانب الإلهام في شخص العقاد فهو الحاصل على شهادة الدراسة الابتدائية فقط عام 1903 بتقدير مقبول (112.5 من 160) درجة، تجد في تراثه ترجمات تحتاج إلى متخصص عميق في اللغة الإنجليزية من جهة المحتوى وإلى متفرغ لذلك من جهة الحجم، وتأخذ الترجمة عند العقاد شكلين، الأول ترجمة أعمال كاملة سواء أكانت كتبًا أم مقالات، وله خمسة كتب مترجمة، أبرزها (عرائس وشياطين) و(بنجامين فرانكلين) و(شاعر أندلسي) وسبعة مقالات مترجمة، منها: (تقرير لجنة ملنر أو تقرير اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر) ونشره في أربع حلقات فى الأهرام عام 1925.
الشكل الثاني الذي يتميز به العقاد هو قراءة كتاب بلغة إنجليزية وتقديمه للقارئ العربي في مقال تعريفى بالكاتب والكتاب ومناقشة أهم القضايا الواردة فيه بصورة مدهشة كأنك قرأت الكتاب كاملًا، وجمع العقاد هذه المقالات ونشرها في عدة كتب أبرزها (ساعات بين الكتب) المنشور عام 1925 والجزء الثاني منه عام 1945، وأول مقال تعريفي منشور سنة 1916، وسنذكر أسماء بعض المؤلفين الذين قرأ لهم العقاد في كتاب واحد فقط هو (ساعات بين الكتب) فستجد فيه عرض أفكار: هيوم وطاغور وأوتوفينجر وكوريللى وآلن كى وجوستاف لوبون وفرانس وشكسبير ووردزورث وكولريدج وبيرون وشيلى وهينى وشلر وجوته ودانتي وليوباردى وأرسطو وشوبنهاور وسنيكل وليكس ورينان وليودفتش وتريفلان وأينشتين وبيتهوفن وتوماس هاردي وجيبون وروبنس وكارميل وميكافيلى ولودفج وموير ونيتشه ووالدشتاين وأبانيز وبورجيه ومرجكفسكي ومترلنك وإبسن وشو وبودلير ودافنشي وروسو وفولتير ونتوفتش وكبلنج ولسنج وجوبينو وتشمبرلين ومقدو ودزرائيلى وفورد ونيكلسون ولينين وآخرين غيرهم لم أذكرهم خشية الإطالة.
تخيل أنه قرأ لهؤلاء وناقشهم وعرض أفكارهم في كتاب واحد، يحتوى إلى جانب هذه الأسماء على مقالات مدهشة بعنوان: (الشعر في مصر)، هذا في كتاب واحد، وستجد له مئات المقالات تدور حول عرض كتاب إنجليزى قرأه العقاد وفهمه وأقام معه حوارًا خصبًا لم يسبقه إليه أحد؛ وأنا واحد من الذين استفادوا أيما فائدة من قراءة هذه المقالات في أول حياتى العملية ففيها العالم الثقافي الأوربي معروضًا بعبقرية وعقلية منظمة جدا، وبكل أسف هذا من الجوانب التى يغفلها محبو العقاد ولم أجد دارسًا وقف عند هذا الصنيع ورغم مرور أكثر من قرن على بدء تعريف العقاد بالثقافة الأوربية على هذا النحو فما زالت هذه المقالات مفيدة للغاية ويحتاج إليها كل مثقف، وأنا أرشّح لمن يرغب كتاب (ساعات بين الكتب) ليبدأ به ولن يندم.
و يوضح الدكتور أسامة محمد البحيري، أستاذ ورئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب بجامعة طنطا، أن العقاد أضاف للمكتبة العربية زادًا علميًا وفيرًا يزيد على مئة كتاب في مجالات الفلسفة، والدين، والتاريخ، والاجتماع، وعلم النفس، والسير، والشعر، والرواية، وغير ذلك من مجالات المعرفة التي كتب فيها بموسوعية وتمكن واقتدار.
ويشير إلى أن تفاصيل سيرة عملاق الفكر العربى الحياتية والإنسانية والفكرية والإبداعية ثرية وباذخة، لعل أهم جوانبها المضيئة أنه أول أنموذج عرفته مصر للكاتب والأديب المتفرغ. فحين نستعرض التاريخ الأدبي والفكري الحديث (أو القديم) في مصر لا نكاد نجد اسمًا علم واحدًا من الأعلام كان يكسب قوته ورزقه من فكره وأدبه، إلا إذا كان من الطبقة الغنية المترفة التي أغناها مالها عن العمل في أي نوع كان؛ العقاد وحده هو نموذج الكاتب العصامي الذي شق طريقه في الحياة بقلمه، وأبى أن تكون له صناعة أخرى غير صناعة القلم يعتمد عليها في رزقه.
وقد ارتبط العقاد بالفكر والأدب والثقافة والصحافة وصناعة القلم طوال حياته حبًّا وافتتانًا، ومهنة واشتغالًا، واستطاع أن يثبت للجميع في مصر والبلاد العربية أن «الكتابة» مهنة ووظيفة شريفة معتبرة، ونجح بفضل مواهبه واجتهاده في عمله وإبداعه وشموخه وكبريائه فى أن يجعل للكاتب والمفكر مكانة عالية مرموقة في المجتمع المصري والعربي: «أنا أطلب الكرامة من طريق الأدب والثقافة، وأعتبر الأدب والثقافة رسالة مقدسة يحق لصاحبها أن يصان شرفه بين أعلى الطبقات الاجتماعية، بل بين أرفع المقامات الإنسانية بغير استثناء.
|