القاهرة 16 يناير 2024 الساعة 10:24 ص
![لا يتوفر وصف.](https://scontent.fcai19-3.fna.fbcdn.net/v/t1.15752-9/419517227_763745072265127_1839463193071653593_n.jpg?_nc_cat=105&cb=99be929b-8d691acd&ccb=1-7&_nc_sid=8cd0a2&_nc_ohc=iom0cGgCtm8AX9B6sHP&_nc_ht=scontent.fcai19-3.fna&oh=03_AdQ_s3G9uTNE-JH9ABQCacBEQknTX_u8cwwaxUaNo2d-qQ&oe=65CDA8B6)
كتب: صلاح صيام
نواصل الحديث عن الأديب الكبير عباس محمود العقاد عملاق الفكر العربي، ومجدد لغة الضاد، وصاحب العبقريات، ونحاول أن نصل إلى مفاتيح تـلك العبقرية التي ما زال صداها يحيط بالحياة الفكرية والأدبية، تلك المفاتيح سيوضح لنا تفاصيلها نخبة من كبار الأساتذة والمتخصـصـيـن فـي الدراسات الأدبية والمهتمين بتلك الشخصية العبقريــة الـثريـة، والتي ما زلنا نجد في تراثها الجديد رغم طول فترة الغياب.
حياة العقاد كانت صورة من شخصيته والعكس صحيح، وأثّر الاثنان في قلبه اللين الصلب وعقله المرن وفكره العميق، وكرامة القلم وعزة النفس اللتان كانتا من سمات حياته العامة والسياسية وإنتاجه الفكرى بصفة عامة وخاصة الشعري، وكذلك كانت حياته العاطفية، ونحاول في هذه السطور تحديد مفاتيح عبقرية العقاد .
(فى عام 1950 حدثت قصة عابرة في حياة العقاد يمكن من خلالها أن نعرف أحد مفاتيح شخصيته وملمحا من عبقريته، وتوضح كيف كانت معارك العقاد في حياته وبعد مماته على السواء، يرويها لنا الدكتور أبو اليزيد الشرقاوي أستاذ الأدب في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة.
ملخص القصة أن الأديب الراحل عباس خضر وهو كاتب وروائي وصحفىدي من خريجي دار العلوم، كان يقلّب في صفحات مجلات قديمة فوجد خبرًا مريبًا خلاصته أن عباس العقاد يدعو زملاءه الراسبين في الشهادة الابتدائية إلى اجتماع في حديقة الأزبكية للنظر في مشكلتهم؛ فقال خضر إن هذا معناه أن العقاد راسب، وإن كان حصل على الابتدائية فربما يكون قد حصل عليها في الملحق «الدور الثاني فى جيلنا»، خاصة أن صفحة مجلة الوقائع الرسمية التي نشرت أسماء المتخرجين في الشهادة الابتدائية في سنة تخرّج العقاد لم تذكر لفظ "العقاد" فى اسمه، وليس بالضرورة أن يكون "عباس محمود" هو عباس محمود العقاد، فربما كان عباس محمود شخصًا آخر غير عباس محمود العقاد، وطلب من العقاد أن يثبت حصوله على الشهادة الابتدائية إن كان قد حصل عليها بالفعل.
نشر عباس خضر هذا المقال في مجلة "الرسالة" لصاحبها أحمد حسن الزيات، وقرأ العقاد هذا الكلام فاستشاط غضبًا وقرر مقاطعة هذه المجلة التى كان يكتب لها المقالة الافتتاحية أسبوعًا بعد أسبوع ونفذ وعده فلم يكتب للمجلة إلى أن توقفت عن الصدور.
في العام التالى -1951- قررت كلية الآداب الاستعانة برموز ثقافية للتدريس بها فرفعت مذكرة إلى إدارة الجامعة تطلب الاستعانة بالعقاد وسلامة موسى ورفعت مذكرة بهذا الأمر إلى رئيس الجامعة، وفي مجلس الجامعة تم رفض الطلب بالإجماع لأنهما شخصان غير جامعيين ولا تليق دعوة أشخاص غير جامعيين لإلقاء محاضرات في الجامعة.
وفي السنة نفسها اقترح أحد الدارسين في مرحلة الماجستير بكلية الآداب دراسة منتج العقاد، لكن طلبه قوبل بالرفض لأن العقاد شخص غير مؤهل وغير جامعي. وظل شيء من الرفض والحصار مضروبا حول أدب العقاد، ولم ينفك هذا الحظر إلا بعد قيام ثورة 1952.
ويلفت الدكتور"أبو اليزيد" إلى أن الصحافة والترجمة من جوانب عديدة مسكوت عنها في سيرة عباس العقاد، وهي جوانب تستحق الدراسة والاهتمام، لأن العقاد مبدع فى كل شيء كتبه، ومنها الصحافة والترجمة.
ويوضح "أبو اليزيد" أن بداية العقاد في القاهرة كانت للعمل في الصحافة، وأول مقال نشره في حياته كان فى صحيفة اسمها "الجريدة" يوم 17 يونيو 1907 وعنوانه "الاستخدام أو رقّ القرن العشرين"، والاستخدام هو التوظيف في دواوين الحكومة، وظل العقاد يكتب فى الصحافة إلى أن وافته المنية، ثم يقوم بتجميع المقالات المتشابهة ويصنع منها كتابًا، فكتب 6321 مقالة بعضها منشور مرتين، لذلك أقول إن له 6000 مقالة تحاشيًا للمتكرر وهذا رقم تقريبي.
ويضيف"أبو اليزيد": كان العقاد مثل أي صحفي، يغطى الأخبار الجارية التي إذا مرّت مناسبتها لم تعد مقروءة، بالتالي فالكثير من هذه المقالات لم يتم جمعه في كتاب ولم يعد يقرؤه أحد لأنه مرتبط بأحداث انتهت، والأهم أن الوصول إليه صعب جدًا؛ وعلى سبيل المثال كان العقاد محاورًا ممتازًا وله أحاديث صحفية كثيرة منشورة لكنها لا تلفت انتباه أىدي أحد من مؤرخيه مثل حديثه مع مختار باشا الغازي، وحديثه مع سعد باشا زغلول ناظر المعارف وقتها، وجزء كبير من هذه المقالات تغطية لأحداث يومية مثل مقاله عن انتشار الانتحار في القاهرة أو الفتنة الطائفية، ومقالاته عن صراع أمريكا وتركيا سنة 1919، ومقاله عن المعاهدة السرية بين اليابان وألمانيا فى نفس العام.
ويضيف"أبو اليزيد": هذه المقالات مفيدة جدًا وأتمنى من وزارة الثقافة أن تطبع منها مختارات لأنها جزء من تاريخ مصر وتمارين على الأسلوب الجيد والكتابة الواعية، وإن غياب هذا الجانب من كتابات العقاد معناه اختفاء أكبر جوانب اهتماماته الحياتية، وهو الجانب الذى قدّمه للناس وعرفوه من خلاله، فعند نشر كتابه (الديوان) كان العقاد اسمًا معروفًا ينتظر الناس مقالاته، وهذا سبب من أسباب رواج كتاب الديوان.
|