القاهرة 09 يناير 2024 الساعة 11:57 ص
بقلم: د. محمد السيد إسماعيل
لم أبالغ حين وصفت الشاعر والروائي علي عطا بأنه "صائد الكنوز"، حيث نستطيع أن نطالع ما يقوم به من عروض وقراءات لكتب على درجة كبيرة من الأهمية والجاذبية في فروع المعرفة كافة: الأدب بأجناسه المختلفة، والنقد الأدبي، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، إضافة إلى الكتب المترجمة التي لا غنى للقارئ العربي عن معرفتها. وذلك من خلال تألقه الصحفي بوصفه محررا ثقافيا صاحب خبرة طويلة منذ عمله لسنوات في مكتب جريدة "الحياة" اللندنية بالقاهرة مع الروائي الكبير إبراهيم أصلان، ثم جريدة "اندبندنت" اللندنية و"النهار العربي" اللبنانية وأخيرًا "المشهد" المصرية.
وأستطيع أن أؤكد أن علي عطا متابع جيد وواسع الاطلاع على أهم ما تصدره دور النشر الحكومية والخاصة. وهذا ما نلاحظه في كتابه الجديد "وجوه وكتب وقضايا " الصادر عن "بيت الحكمة" والذي ينقسم إلى : مدخل يوضح فيه دافعه إلى كتابة مقالات الكتاب وهو "محبة الكتاب في شكله التقليدي (الورقي) الذي بات مهددًا من جانب الصيغة الإلكترونية المستجدة "حتى أصبحت بعض دور النشر تكتفي بالنشر الإلكتروني، ولا شك أن ارتفاع سعر الورق وتكاليف الطباعة يقف وراء انتشار هذه الظاهرة . وهذه قضية ينبغي مناقشتها بجدية لتفادي آثارها، ثم يتوقف علي عطا أمام ضرورة الترجمة بوصفها فرض "عين ط" وليس فرض "كفاية" بعد أن أصبح العالم قرية واحدة، وبوصفها أيضا "قاطرة التقدم" بتعبير المفكر والناقد الكبير جابر عصفور الذي وضع كتابًا كاملا – وليس مجرد مقال – عن أهمية الترجمة وضرورتها. ويلفت الكاتب نظرنا في هذا السياق إلى عدم الاكتفاء بالترجمة عن الغرب الأوروبي بل ينبغي أن تمتد رقعة الترجمة لتشمل الأوطان "شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، مع مراعاة أولوية الاهتمام بثقافات محيطنا الأفريقي غير العربي" بعد أن أهملنا البعد الأفريقي كثيرا وكأننا لسنا جزءًا منه.
ثم يستعرض علي عطا فصول كتابه التي تنقسم إلى خمسة فصول، يحمل الأول عنوان "وجوه من هنا وهناك" وهو يدور حول سير العديد من الشخصيات التي لعبت دورًا بارزا ومؤثرا في السياسة والأدب والثقافة عامة، من خلال ما كتبته هذه الشخصيات عن رحلتها في الحياة أو من خلال ما كتبه الآخرون عنها ومن هؤلاء: الكاتب الصحفي الكبير محمد سلماوي الذي جمع بين كتابة المسرح والرواية وذلك من خلال كتابه "الريحان والعصف" الذي يكشف فيه عن أسرار كثيرة منها – مثلا – "صدمة نظام حكم الرئيس حسني مبارك إزاء خبر فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل" حيث كان يرغب في فوز كاتب آخر لم يذكر محمد سلماوي اسمه، وأغلب الظن أنه كان توفيق الحكيم .
وقد كتب سلماوي – كما يشير الكاتب – عدة مسرحيات لافتة هي "سالومي" في بداية الثمانينيات ، و"رقصة سالومي الأخيرة" في أواخر التسعينيات ومسرحيتي "فوت علينا بكرة" و"الجنزير" وقد عرضت الثانية عام 1995و1996وحضر عرضها الرئيس مبارك والسلطان قابوس حيث كانت مكرسة لمواجهة الفكر المتطرف الذي كان يقف وراء ما شهدته مصر من حوادث إرهابية في عقد التسعينيات . ومن خلال استعراض أعمال سلماوي عامة نلحظ انشغاله بالقضايا الوطنية والقومية، ومن ذلك رواية "الخرز الملون"التي كتبها عن القضية الفلسطينية، أما الرواية المهمة حقًا فهي رواية "أجنحة الفراشة" التي كتبها قبل اندلاع ثورة يناير المصرية وانتهت أحداثها بقيام "ثورة كبرى" في ميدان التحرير، ينحاز لها الجيش" ما تسبب في سقوط الحزب الحاكم وترنح النظام " .
أما سيرة مصطفى الفقي فقد كتبها تحت عنوان "الرواية رحلة الزمان والمكان ط" ويوضح فيها أن حياته توزعت أفقيا بين العمل الدبلوماسي والنشاط الأكاديمي والاهتمام السياسي والظهور الإعلامي والإسهام البرلماني.
أما السيرالغيرية فنجدها في ترجمة "يوميات وجيه غالي: كاتب مصري من الستينيات المتأججة" للباحثة مي حواس، وهي مذكرات كانت بحوزة ديانا آثيل التي انتحر غالي في شقتها. ولعل أغرب ما ورد فيها زيارته لإسرائيل والأيام الأخيرة من حياته بعد عودته إلى إنجلترا.
ومن الكتاب يعود علي عطا ثانية إلى السياسيين فيتحدث عن عمرو موسى في سيرته "سنوات الجامعة العربية" والتي تبلغ 19فصلا وأهم ما يركز عليه هو معركة موسى لمشاركة " الثقافة العربية في فرانكفورت 2004" لإيمانه أن العالم العربي ليس فقط حكومات بل مجتمع أهلي فاعل وحركة ثقافية وفنية تتجاوز الإطار الرسمي ، وكان من الطبيعي أن تشن إسرائيل وحلفاؤها حملة مضادة للتشويش على هذه المشاركة لكن موسى ينجح في النهاية.
بعد ذلك ينتقل إلى ألبير قصيري من خلال كتاب "ألبير قصيري: التهميش إجابة على الحداثة" لباسم حنا شاهين والذي يؤكد معارضة قصيري للتقدم والتحديث بنصوص تعبر عن ازدراء كلي لقوى السلطة، وهكذا ترسم مؤلفات قصيري جمالية أخلاقية التبطل والخمول والكسل.
ثم ننتقل إلى "أحمد مرسي المشهور عالميًا والمهمش محليًا" الذي اشتهر في فن الطباعة وكان يصف نفسه بأنه "شاعر يرسم" في ديوانيه "أغاني المحاريب د" و"الهجرة إلى زمن آخر" .
أما العرض الأكثر أهمية فكان لكتاب "إدوار سعيد: أماكن الفكر"لتيموثي برينان (تلميذ سعيد) الذي تقصى فيه التأثيرات العربية في فكر سعيد، ووضح مواقفه خاصة في كتابه "الثقافة والإمبريالية " .
ثم ينتقل علي عطا إلى الكتاب الموسوعي "شكسبير: ابتكار الشخصية الإنسانية" لهاولد بلوم وترجمة د.محمد عناني الذي يؤكد فيه أن الشخصية الأدبية قبل شكسبير كانت ثابتة نسبيًا أما عند شكسبير فإن الشخصيات تتطور بدلا من أن تتكشف لنا فحسب.
وفي الفصل الثاني يتوقف عند "أدب الرحلة بين واقع ومجاز" فيستعرض كتبا من قبيل : "البحث عن شاروخان: 40يومًا في الهند" للكاتب الصحفي مهدي مبارك وكتاب "كل المدن أحلام" لجرجس شكري و"القمر" لبرونر هنا الذي ترجمته هبة الشريف عن الألمانية.
ومن سحر القمر إلى حكايات جحا في كتاب "حكايات جحا الصقلي" لفرانشيسكا كوراو وترجمة حسين محمود ولمياء الشريف وتشير الكاتبة إلى أن شهرة جحا أصبحت كبيرة في القرن السابع الميلادي كما يظهر في قول عمر بن أبي ربيعة "دلهت عقلي وتلعبت بي/ حتى كأني من جنوني جحا" .
ثم ينتقل علي عطا إلى كتاب "إبراهيم ناجي.. زيارة حميمة تأخرت كثيرا" لسامية محرز التي تحرص فيه على تصحيح كثير من المعلومات المتداولة عن جدها. كما تناول كتبا يمكن وصفها بأدب الرحلة مثل "رحلة إلى جبال سراييفو" لسيف الرحبي الذي كتبه في ظل تفشي وباء كورونا ومن ذلك أيضا كتاب "على خطى هيمنغواي في كوبا" لهايدي عبد اللطيف.
أما الفصل الثالث فيدور حول "تجليات الشعر بين قديم وجديد" وتناول فيه"بلاغة التشكيل في قصيدة النثر" لهويدا صالح و"شعرية شوقي: قراءة في جدل المحافظة والتجديد" لمحمد السيد إسماعيل و"أحمد عبد المعطي حجازي شاعر اليوتوبيا المفقودة" لرضا عطية و"سلاطين الوجد : دولة الحب الصوفي" لأحمد الشهاوي و"الصمود: الصورة غير النمطية للعربي في الأدب الصهيوني" لحاتم الجوهري.
ثم خصص الفصل الرابع لنقد النقد واستعرض فيه كتاب "الأنثى المقدسة: أساطير المرأة في الصحراء" لميرال الطحاوي و"الدخان واللهب: الإبداع والاضطراب النفسي" لشاكر عبد الحميد و"التفكير النقدي والخطاب الأدبي: جدلية التراث والمعاصرة عند جابر عصفور" لمحمد زيدان و"الشر والوجود: فلسفة نجيب محفوظ الروائية" لفيصل دراج و"الجمال المضاد" لسمير غريب.
أما الفصل الخامس فقد جاء تحت عنوان "قضايا ثقافية وفنية وسياسية" وتناول فيه علي عطا العديد من القضايا المهمة مثل السجال الذي دار حول بدايات المسرح المصري وحال الترجمة من لغة الضاد وما يستشعره الغربيون من رعب ناجم عن تدفق اللاجئين إلى أوروبا، والحديث عن الإنترنت وكيف تحول إلى ساحة حرب، والإجابة عن سؤال : هل يتحول البشر إلى آلات ؟ في ظل عصر الرقمنة ولماذا يكره بائعو الكتب " أمازون" ؟ وعدم رواج الأدب الصيني عربيا وطقوس الكتابة الإبداعية في زمن الكومبيوتر واقتباس السينما المصرية من الأدبين الغربي والعربي ودور الشوام في بدايات النهضة المصرية وأخيرًا يتحدث عن "ألف ليلة وليلة" التي ما زالت تفتن العالم.
من خلال هذا العرض نلاحظ مدى التنوع الذي حرص علي عطا عليه، وتقديمه للقارىء العام بأسلوب سلس وموجز ومعبر.
|