القاهرة 26 ديسمبر 2023 الساعة 11:56 ص
كتبت: د.إنجي عبد المنعم فهيم
الفيلم الذي مدته تقرب للساعتين، لا تستطيع إغفال ثانية واحدة منه، فهو مليء بالمعلومات والأسرار والرسائل التقنية والفنية والمعلوماتية، لكنها جميعا تتمحور حول فكرة البيانات وأهمية وخطورة البيانات وطرق جمعها والحفاظ عليها أو نشرها واستخدامها بطريقة أو بأخرى.
فيلم "سنودن" من إخراج المخرج الشهير أوليفر ستون وقد تم إنتاجه في عام 2016. الفيلم يستند إلى الكتاب "The Snowden Files" للصحفية البريطانية لوكي هاردن. يتتبع الفيلم قصة إدوارد سنودن ومسيرته من كونه موظفًا في وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) إلى كونه مُجَرمًا مطلوبًا بعد كشفه عن برامج التجسس السرية التي أقامتها الحكومة الأمريكية.
الفيلم من بطولة جوزيف جوردون ليفيت وشيلين وودلي وزاكري كوينتو، وحظي بتقدير واسع وشهد أداءً قويًا من قبل الممثلين وإخراجًا مميزًا من قبل ستون.
إدوارد سنودن هو موظف سابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية (NSA) والمتعاقد السابق مع وكالة المخابرات المركزية (CIA) الأمريكية الذي اشتهر بكشفه عن برنامج التجسس السري الذي أقامته الحكومة الأمريكية. في عام 2013، قام سنودن بتقديم الوثائق لصحفيين، مما أدى إلى كشف نشاطات التجسس الواسعة النطاق التي كانت تقوم بها الحكومة الأمريكية على المواطنين العاديين والشركات.
بعد كشفه عن هذه المعلومات، فر إدوارد سنودن إلى هونغ كونغ ومن ثم إلى روسيا حيث حصل على اللجوء السياسي. بسبب كشفه لهذه المعلومات السرية، وُجهت له تهم بموجب قانون تسريب المعلومات السرية في الولايات المتحدة، وقد يواجه عقوبة طويلة في حال مثوله أمام القضاء الأمريكي.
بعد الكشف عن التجسس الذي كانت تقوم به الولايات المتحدة، أثارت قضية إدوارد سنودن جدلًا واسعًا حول حقوق الخصوصية والحريات الفردية مقابل الأمن القومي. بعض الناس يرونه بوصفه بطلاً يجب حمايته لمساهمته في الكشف عن نشاطات التجسس غير المشروعة، في حين يرون آخرون أنه انتهك القانون وعرض أمن البلاد للخطر.
مهما كانت وجهات النظر المختلفة حيال إدوارد سنودن، فإنه بالتأكيد أثر بشكل كبير على الحوار العام حول حقوق الخصوصية والأمان الوطني.
المعلومة مهمة وتستحق المخاطرة من أجل نشرها، يقول سنودن: "مستعد أكثر للمخاطرة بالسجن، أكثر من استعدادي بتطبيق نطاق حريتي الفكرية"، وهي من وجهة نظر أخرى تستحق التكتيم عليها والحفاظ على سريتها، ومحاسبة من ينتهك سريتها، ومحاكمة من يخترق هذه السرية بالإعلان.
نحن هنا في الفيلم في عملية شد وجذب ما بين طرفي نقيض أحدهما يريد نشر المعلومة لأنها تنتهك خصوصية الناس، والآخر يريد معاقبته لأنه انتهك خصوصية "الانتهاك" نفسه المتمثلة في برامج التجسس الخاصة بالاستخبارات الأمريكية، والتي تم العمل على تحديثها وتطويرها لدرجات غير مسبوقة وبكفاءة عالية الجودة حتى يتم اختراق أكبر عدد ممكن من الناس في الثانية الواحدة وجمع أكبر قدر من البيانات في أقل وقت ممكن، التي لا زالت قيد التطوير حتى الآن.
الوثائقي يفضح تجاوزات الاستخبارات الأمريكية من الداخل في حق الشعب الأمريكي وبقية العالم. فالاستخبارات الأمريكية تقوم على المراقبة المشددة داخليا وخارجيا.. "المراقبة الخارجية بسيطة للغاية مقارنة مع الكيفية التي تعامل بها باقي العالم".
لــ11 سبتمبر تأثير في تصارع وتكثيف عمل الاستخبارات الأمريكية في الداخل والخارج من خلال العمل على تطوير برامج التجسس والتعاون مع شركات وكيانات أخرى، لأجل الوصول لما سمي في الفيلم ب "البيانات الوصفية" وهي تعتمد على مفهوم قابلية الربط من خلال أخذ جزء من البيانات وربطه بجزء آخر، مثال: بطاقة المترو والبطاقة البنكية، ومن هنا تستطيع صناعة محتوى عن الشخص لاستخدامه ضده.
أول ظهور لسنودن في الدقيقة 21 للفيلم، وهو يحكي بنفسه كيف أنه واحد من أدوات الدولة الأمريكية ضد الشعب، وأن هذه هي تجربته الأولى مع الإعلام وهو ليس خبير في التعامل معهم، لكنه اكتسب الخبرة مع الوقت.
-
ماذا عن العواقب التي قد تحدث بعد نشر المعلومة؟
لم يكتف الفيلم بإيضاح ملابسات ما قبل الكشف وعملية الكشف نفسها، ولكن استمر بنا في الجزء الثالث من الفيلم بتصوير سنودن داخل غرف الفندق الذي يقيم به مع الكشف ليس فقط عن المعلومات، ولكن الصراع الداخلي عند سنودن والتوتر النفسي والعصبي الذي تعرض له، ولقاءاته مع الإعلام وتهربه بعد ذلك عن الصحفيين، وانتقاله لغرفة أخرى بالفندق ليهرب من الضغط النفسي ليستكمل مهمته.
في الفيلم يفرق الصحفي جلين جرينوالد بين نوعين من المعلومات في هذا الشأن، وهما:
-
التسريبات للصحافة من أجل الصالح العام.
-
بيع أسرار للأعداء الأجانب للمصلحة الشخصية.
وهذا في جلسة المشاورة بين محامي الدفاع عن سنودن بعد توجيه 3 تهم له من قِبل القضاء الأمريكي. وظهر مرة أخرى دور القضاء والذي بدأ به الفيلم ودوره في التحكيم بين نوعين من المعلومات، وأنه له دور في الحكم على قيمة المعلومة وهل هي خيانة في بيعها أم بطولة في تسريبها والفرق الشاسع بين الكلمتين (بيع وتسريب).
على الرغم من علم سنودن أهمية وخطورة المعلومات، وربما أنه يعلم ذلك، أخفى معلومات عن خطواته في فضح وكشف انتهاكات الاستخبارات الأمريكية عن أهله، وهي ناحية مثيرة للاهتمام. فالشخص الذي يجري لاهثا نحو كشف المستور/ المعلومات يُخفي معلومات عن أقرب الناس إليه، فهل إخفاء المعلومات يحمي أم يضر؟!
-
لو لم يكن بإمكاننا إن فقدنا الحق في خصوصياتنا، كيف ستكون لدينا حرية خوض حوار مفتوح؟ ما هي فائدة حق حرية التعبير.. إذا لم تتم حمايته.
-
أظن أننا يجب أن نفكر حين نخسر الخصوصية، نخسر القوة، نخسر استقلاليتنا بأنفسنا، لأننا لا نشعر بالحرية للتعبير عن أفكارنا.
|