القاهرة 20 ديسمبر 2023 الساعة 01:32 م
بقلم: أحمد محمد صلاح
مرت المدرسة الأكاديمية بالعديد من أطوار النضج خلال فترة وجودها، منذ إنشائها عام 327 ق. م وحتى إغلاقها علي يد الإمبراطور جستنيان في عام 529 بعد الميلاد، أي أنها ظلت تسقي العلم تسعة قرون كاملة، ويقول المؤرخون إن الأكاديمية مرت بمراحل: الأكاديمية القديمة، الوسطى، الحديثة، ما بعد الميلاد.
ومن المرجح أن من أحد أهم أسباب إغلاق الأكاديمية هو انتشار المسيحية، وسيطرة الفكر الديني على العالم، مما جعل الباباوات ينظرون إلى الفلسفة وعلومها على أنها أحد مظاهر الوثنية، ولا غرو إذا قلنا أن في تلك الفترة كانت السلطة تأتمر بأمر رجال الكنيسة، فكان قرار جستنيان بإغلاقها.
هاجر الفلاسفة الذين تعلموا في الأكاديمية إلى فارس، كانت البيئة الثقافية هناك في ذلك الوقت تسمح بوجودهم، كذلك كان كسرى أنوشروان محبا للفلسفة، فما كان منه إلا أن أنزلهم في جنديسابور إحدى مدن فارس وترك لهم حرية البحث، فنقلوا معهم الفلسفة والعلوم والطب.
ويقول أحمد فؤاد الأهواني في كتابه المدارس الفلسفية: "إلى أن انتقلت إلى بغداد زمان العباسيين، ونقلت علومهم وفلسفتهم إلى اللغة العربية، وهكذا نرى أن المدرسة الأصلية زالت من أثينا، وتغير مكانها، وكذلك لغتها، ولكن تعاليمها لم تمت، وظلت الأكاديمية حية بأفكارها وفلسفتها، وقد عادت تعاليمها المثالية وفلسفتها الرياضية إلى الظهور مرة أخرى في الوقت الحاضر، معدلة بطبيعة الحال مع مقتضيات العصر، والتطور الكبير الذي حدث خلال عشرين قرنا من الزمان".
وفي موضوع آخر يفند الأهواني رؤساء الأكاديمية فيقول: "تولى رئاسة المدرسة بعد موت أفلاطون أسبيسيبوس ابن أخته، الذي أتم تنظيم المدرسة في شكلها الأخير، واستمر رئيسا من 347 (أي بعد موت أفلاطون) إلى 339ق. م، وخلفه زينوقراط 339–315ق. م، ثم بوليمون 315–270ق. م، ثم أقراطس بعد 270ق. م، وينتهي معه طور الأكاديمية القديمة التي امتازت بالسير في الطريق الذي رسمه أفلاطون، وقد لمعت في تلك الفترة أسماء كثير من العلماء والفلاسفة نذكر منهم يودقسس، وهرقليدس، وغيرهما، ويقال إن كرانتور تلميذ بوليمون هو أول من وضع شروحا لمحاورات أفلاطون.
ثم تحولت الأكاديمية إلى نزعة الشك، بدأت مع الرئيس أرقليساوس، الذي يعد منشئ الأكاديمية الوسطى، ثم أصبح هذا الاتجاه واضحًا قويًا على يد كارنيادس، وتسمى الأكاديمية في عهده (213–129ق. م) بالأكاديمية الثالثة، وقد أرسله الأثينيون في سفارة إلى روما ونجح في مهمته.
وأكاديمية رابعة تحت رئاسة فيلون من أهل لاريسا، وقد وجهها وجهة رواقية، ثم أكاديمية خامسة برئاسة أنطيوخس العسقلاني (توفي 68ق. م) الذي وفق بين الأفلاطونية والأرسطية والرواقية، وتسمى هذه الأكاديمية الخامسة عادة بالأكاديمية الجديدة.
ويمكن القول إن كارنيادس وفيلون وأنطيوخس كان لهم الفضل في نشر تعاليم الأكاديمية بعد انتقالها إلى «جنديسابور» محتفظة بهذه التعاليم بفيلون وأنطيوخس واستمع إليها.
ومما يروى أن سللا عندما حاصر أثينا سنة 86ق. م احتاج إلى خشب، فقطع أشجار الأكاديمية، التي انتقلت منذ ذلك الحين داخل أسوار أثينا. ومهما يكن من شيء، فإن تاريخ الأكاديمية حتى القرن الخامس بعد الميلاد غامض، وكل ما نعرفه أنها ازدهرت في القرن الخامس، وتجددت وأصبحت مركزا للأفلاطونية المحدثة، المتأثرة بالفلسفة الإسكندرانية. وقد لمعت في هذه الفترة أسماء مشهورة بوجه خاص في الفلسفة العربية منهم بروقلس، وفلوطارخس، وسوريانس، ودومنيونس، وماريانوس، وإيزودورس، والدمشقي الذي كان آخر رئيس للمدرسة، أي من 510 إلى 529 بعد الميلاد.
|