القاهرة 05 ديسمبر 2023 الساعة 10:00 ص
تعد نصوص أو متون الأهرام هي أقدم النصوص الجنائزية المصرية القديمة. ويرجع تاريخها إلى أواخر الدولة القديمة. وتعد أقدم مجموعة معروفة من النصوص الدينية المصرية القديمة، وقد نُقشت نصوص الأهرام بالكتابة الهيروغليفية على الممرات المؤدية إلى حجرة الدفن، وجدران حجرة الدفن، والتابوت داخل أهرامات الملوك والملكات في سقارة في نهاية عصر الأسرة الخامسة، وطوال عصر الأسرة السادسة في عصر الدولة القديمة، وإلى عصر الأسرة الثامنة في عصر الانتقال الأول.
وصل عالم الآثار وعالم المصريات الفرنسي جاستون ماسبيرو، مدير المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في القاهرة، إلى مصر عام 1880 ميلادية. واختار موقعًا في جنوب سقارة. وهو تل رسمه عالم المصريات البروسي كارل ريتشارد ليبسيوس في عام 1842 ميلادية. وبدأ ماسبيرو الحفر. ووجد بقايا مبنى كبير، استنتج أنه يجب أن يكون هرم بيبي الأول من عصر الأسرة السادسة. وخلال الحفائر، تمكن من الوصول إلى الغرف الموجودة تحت الأرض. واكتشف أن جدران المبنى كانت مغطاة بالنصوص الهيروغليفية. واتصل ماسبيرو بـ"مدير الحفائر" في مصر، أوجست مارييت لإبلاغه بالاكتشاف. وخلص مارييت إلى أن المبنى يجب أن يكون مصطبة، إذ لم يتم اكتشاف أية كتابة من قبل في الهرم.
وواصل ماسبيرو أعمال الحفائر في المبنى الثاني، على بعد حوالي كيلومتر واحد جنوب غرب المبنى الأول بحثًا عن مزيد من الأدلة. وتم تحديد المبنى الثاني بهرم الملك مرنرع، خليفة بيبي الأول. واكتشف فيه ماسبيرو نفس النصوص الهيروغليفية على الجدران التي وجدها في هرم الملك بيبي الأول، ومومياء رجل في تابوت في حجرة الدفن. وزار ماسبيرو أستاذه مارييت. ورفض مارييت نتائج ماسبيرو مرة أخرى. وقال وهو على فراش الموت: "بعد ثلاثين عامًا من الحفائر المصرية، لم أر هرمًا كُتبت على جدرانه حروف هيروغليفية في غرفه الموجودة تحت الأرض." وفي عام 1881 ميلادية، واصل ماسبيرو أعماله في مواقع أخرى في سقارة. وتم العثور على المزيد من النصوص في كل من أهرامات الملوك أوناس، تيتي، وبيبي الثاني.
كانت نصوص الأهرام معنية في المقام الأول بتحويل المتوفى إلى "آخ" أي كائن نوراني (حتى يمكن له أن يكون مستحقًا أن يكون مع الآلهة). وتنقسم نصوص الأهرام إلى فئتين أساسيتين: النصوص المقدسة والنصوص الشخصية. وكانت النصوص الكهنوتية هي طقسية بطبيعتها. وقد كان يقوم بها الكاهن مخاطبًا المتوفى بضمير المخاطب. وتكونت من تعويذات التقديم. وكانت تعويذات قصيرة. وكانت تتم تلاوتها في تقديم ما. وتلاوات كانت غالبًا تعليمية. تظهر تلك النصوص في طقوس القرابين، وطقوس البعث، وفي الأهرام الأربعة التي تحتوي على طقوس الصباح.
وتشير كتابة النصوص (النصوص الدرامية) إلى أن صياغتها ربما حدثت في وقت قريب من عصري الأسرتين الثانية والثالثة. وتعد النصوص المتبقية شخصية. واهتمت بشكل عام بإرشاد الروح للخروج من المقبرة، وإلى الحياة الجديدة. وتركزت النصوص التوفير، والانتقال، والحماية. وتعاملت نصوص الإمداد مع إمداد المتوفى بالطعام، وطلب الغذاء من الآلهة.
وكان أحد الأمثلة على تلك النصوص هو رد الملك في هرم أوناس. وتدور النصوص الانتقالية في الغالب حول تحول المتوفي إلى "آخ"، وصعوده، مما عكس حركة الآلهة في السماء. وشكلت تلك النصوص الجزء الأكبر من المجموعة. وهيمن عليها أصغر النصوص التي تم تأليفها في عصر الأسرة الخامسة، وربما عصر الأسرة السادسة. وتكونت نصوص الحماية من فقرات وقائية قصيرة لدرء التهديدات التي كان يتعرض لها الجسد والمقبرة. ونظرًا لطراز الكتابة القديم، تعد تلك النصوص هي الأقدم، وهي الأكثر صعوبة في التفسير. وكان من المفترض أن يتم ترديد تلك الأقوال من قبل أولئك الذين كانوا يتلونها. واحتوت على العديد من الأفعال مثل "يطير" و"يقفز". وكانت تصور الإجراءات التي اتخذها الملوك للوصول إلى الحياة الآخرة. وحددت التعويذات جميع الطرق التي كان يمكن أن يسافر بها الملك، بما في ذلك استخدام المنحدرات والسلالم، والأهم من ذلك، الطيران. ويمكن أيضًا استخدام التعويذات في استدعاء الآلهة للمساعدة، وحتى تهديدها إذا لم يمتثلوا.
وكان الشائع هو كتابة نصوص الأهرام بضمير المتكلم. ولكن لم يكن من غير المألوف التغيير لاحقًا إلى ضمير المخاطب. وكان ذلك يعتمد على من كان يتلو النص. وتضمن العديد من النصوص إنجازات الملك بالإضافة إلى الأشياء التي فعلها للشعب خلال فترة حكمه. وتم استخدام تلك النصوص لتوجيه الملوك إلى الحياة الآخرة، وأيضًا لإعلام وتأكيد الأحياء بأن الروح وصلت إلى وجهتها النهائية.
وظهرت النصوص للمرة الأولى في هرم آخر ملك من عصر الأسرة الخامسة، وهو هرم الملك أوناس. وظهرت حوالي 283 تعويذة على الجدران الداخلية في هرم أوناس. وتعد تلك التعاويذ هي أصغر مجموعة من النصوص، وأفضلها حفظًا في عصر الدولة القديمة. وظهرت نسخ من التعاويذ، عدا تعويذة واحدة رقم 200، المنقوشة في الهرم في جميع أهرام عصر الدولة الوسطى. وبعد ذلك، بما في ذلك نسخة طبق الأصل شبه كاملة للنصوص المنقوشة في مقبرة سنوسرت عنخ في اللشت في الجيزة. وجاءنا المثال التالي من هرم أوناس:
-هو، أوناس! أنت لم تمت. لقد ذهبت حيًا.
اجلس على كرسي أوزيريس، وعصاك في ذراعك، وتحكم في الحياة؛
مع الصولجان في ذراعك، وتحكم في ذلك،
من الأماكن التي يتعذر الوصول إليها.
احتوت نصوص الأهرام المختلفة على كتابات عن الطقوس والقرابين للآلهة. ومن الأمثلة على تلك الطقوس طقسة فتح الفم. وكُتبت في نصوص الأهرام على أمل وصول الملك إلى الحياة الآخرة المرغوبة. وكانت الطقوس مثل فتح الفم مهمة جدًا للملك في الآخرة. وبعد اكتمال الطقسة، كان يمكن للموتى الأكل والتحدث والتنفس والرؤية في الآخرة.
وكانت الأهرامات تتكون من ممرات وأنفاق وغرف مختلفة. وكان لكل منها أهمية واستخدامات مختلفة في أثناء عمليات الدفن والطقوس. وكان يتم كتابة النصوص وتلاوتها من قبل الكهنة بترتيب خاص للغاية. وكان يبدأ في معبد الوادي. وينتهي في التابوت، أو غرفة الهرم. وكانت تتم تلاوة مجموعة متنوعة من القرابين والطقوس بترتيب معين. واحتوى معبد الوادي على مقصورة القرابين، حيث كانت تُتلى الطقوس.
تم العثور على نصوص الأهرام، ليس فقط في أهرام الملوك، ولكن أيضًا في أهرام الملكات. وكانت الملكة نيث، زوجة الملك بيبي الثاني، واحدة من ثلاث ملكات من عصر الأسرة السادسة، احتوت أهرامهن على نصوص أهرام. احتوى هرما الملكتين الأخريين (من زوجات الملك بيبي الثاني)، إيبوت الثانية ووجبتني، أيضًا على نصوص الأهرام. وتم الاحتفاظ بتلك النسخة الخاصة بالملكة نيث في حالة أفضل بكثير.
ومقارنة بأهرام الملوك، كان تخطيط ومقصورة أولئك الملكات أبسط بكثير. وكان تصميم النصوص يتوافق مع جدران ومواقع مماثلة لتلك الخاصة بالملوك. فعلى سبيل المثال، وجدنا طقوس البعث في الطرف الشرقي من الجدار الجنوبي. ونظرًا لأن هرم الملكة نيث كان لا يحتوي على غرفة انتظار، فإن العديد من التعويذات به كان مكتوبًا أيضًا على الجدار الجنوبي. وكانت نصوص الملكة نيث متشابهة ومختلفة عن نصوص الملوك في بعض الطرق الإضافية. ومثل أولئك الملوك، فكان استخدام كل من الشخص الأول والثالث في تلك النصوص موجودًا في نصوص الأهرام تلك. واُستخدم اسم نيث في جميع النصوص لجعلها أكثر شخصية. وجاء العديد من الضمائر المستخدمة في نصوص هرمها لذكر، وليس لأنثى، مما يدل على أوجه التشابه بين نصوص الملوك والملكات، ولكن يمكن العثور على عدد قليل من الضمائر الأنثوية. واحتوت النصوص أيضًا على تعويذات وألفاظ كان يُقصد بها أن تقرؤها الروح نفسها، وكذلك الآخرون الذين يخاطبونها. وهذا مثال من نصوص الأهرام في هرم الملك تيتي:
-انهض يا تيتي!
خذ رأسك، واجمع عظامك.
يأخذك إلى الجنة، إلى والدك جِب.
يفرح بقدومك ويمنحك يديه.
يضعك أمام الأرواح والنجوم الخالدة.
العظماء يحيطون بك.
قم يا تيتي، لن تموت!
|