القاهرة 28 نوفمبر 2023 الساعة 10:24 ص
بقلم : أشرف قاسم
منذ أن ينفصل الإنسان عن حبله السري الذي يربطه بأمه، ويتصل ب "حبل الوريد" الذي يقوم بتصفية الدم وحمله من كل من الرأس والدماغ والوجه والعنق إلى القلب، يظل يكابد "حبال" الحياة، ويتقلب ما بين "حبل المودة"، و"حبل الوصل والرجاء"، معلقًا آماله على "حبل الطموح" الذي ربما يقوده إلى "حبل المشنقة" إن لم يكن على قدر إمكانياته وقدراته.
فالحبل كما عرفته المعاجم الرَّسَنُ وَيُجْمَعُ عَلَى (حِبَالٍ) وَ (أَحْبُلٍ) وجاء في لسان العرب لابن منظور "الحَبْل: الرِّباط، بفتح الحاء، والجمع أَحْبُل وأَحبال وحِبال.
وجاء في مختار الصحاح للرازي (الْحَبْلُ) الرَّسَنُ وَيُجْمَعُ عَلَى (حِبَالٍ) وَ (أَحْبُلٍ). وَ (الْحَبْلُ) الْعَهْدُ وَالْحَبْلُ الْأَمَانُ، وَهُوَ مِثْلُ الْجِوَارِ. وَالْحَبْلُ الْوِصَالُ. وَ (حَبْلُ الْوَرِيدِ) عِرْقٌ فِي الْعُنُقِ وَ (الْحُبْلَةُ) بِوَزْنِ الْمُقْلَةِ ثَمَرُ الْعِضَاهِ. وَفِي حَدِيثِ سَعْدٍ: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا الْحُبْلَةُ وَوَرَقُ السَّمُرِ» . وَ (الْحَبَلُ) بِالْفَتْحِ الْحَمْلُ وَقَدْ (حَبِلَتِ) الْمَرْأَةُ مِنْ بَابِ طَرِبَ فَهِيَ (حُبْلَى) وَنِسْوَةٌ (حَبَالَى) وَ (حَبَالَيَاتٌ) بِفَتْحِ اللَّامِ فيهما. وَ (حَبَلُ الْحَبَلَةِ) نِتَاجُ النِّتَاجِ وَوَلَدُ الْجَنِينِ. وَفِي الْحَدِيثِ: «نَهَى عَنْ حَبَلِ الْحَبَلَةِ» وَ (الْحِبَالَةُ) الَّتِي يُصَادُ بِهَا. وَ (الْحَابُولُ) الْكَرُّ وَهُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُصْعَدُ بِهِ النَّخْلُ. يصنع الحبل من الألياف المضفرة، ويصنع بعضها من الجلد.
وفي القرآن "في جيدها حبل من مسد" قيل أي من نار، وقيل المسد هو الليف. وقال تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " أي تمسكوا بمنهاجه.
وفي القول المأثور "وضع الحبل على الغارب" أي وضع حبل البعير على سنامه ليرعى حيث شاءَ ويقال للزوجة: حَبلُك على غارِبِك وهو من كنايات الطَّلاقِ.
وفي المثل "الحبل على الجرار" كناية عن الاستمرار في الشيء أيا كانت عواقبه.
ومن الرياضات البدنية نط الحبل وهي "رياضة بسيطة تساعد على تشغيل كثير من عضلات الرجلين والبطن والخصر وإكسابها لياقة عالية وحرق الدهون بها".
وفي قصة موسى وسحرة فرعون ? قال بل ألقوا فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ? [ طه: 66]
ولعل الطموح والأمل المرتقب هو الحبل الذي قصد إليه عنترة بن شداد حين قال:
لقد أضحى متينًا حبلُ راجٍ
تمسكَ منهُ بالحبل المتين
وما أكثر ما اشتكى الشعراء العشاق من تصرم حبل الوصل بينهم وبين معشوقاتهم فها هو متمم بن نويرة يشكو زينبه فيقول:
صَرَمَتْ زُنَيْبَةُ حَبْلَ مَن لا يَقْطَعُ
حَبْلَ الخَليلِ ولَلأَمانَةَ تَفْجَعُ
ولقدْ حَرَصْتُ على قليلِ مَتاعِها
يومَ الرَّحيلِ فدَمعُها المُسْتَنْفَعُ
جُذِّي حِبالَكِ يا زُنَيْبَ فإِنني
قد أَستبِدُّ بوصلِ مَن هو أَقطعُ
ويقول ابن النضر العماني في المعنى نفسه:
صلي الحبل يا سلمى وإن شئت فاصرمي
فما أنـا بالقالي ولا بـالمتـيـم
أقلي علىَّ اللوم والعـذل فـي الصبا
كـفاك الليـالي لوم كـل ملومِ
وكذا عمر بن أبي ربيعة في غزلياته في محبوبته "نعم" يقول:
تَهيم إِلـى نُعـمٍ فَلا الـشَمل جـامِعٌ
وَلا الحَبل مَوصولٌ ولا القَلبُ مُقصِر
أما شاعر العصر المملوكي السراج الوراق فلا يهتم بما يقول العاذل الواشي فقد توثقت عرى المحبة بينه وبين محبوبته، وسمت عما يقول الوشاة والحاسدون، ليبقى حبل الوصل بينهما ممدودًا فيقول لها:
حَبْلُ المَودَّةِ بَينَنا لم يُنقضِ
سَخِطَ الحَسُودُ بِذاكَ مِنَّا أَو رَضِي
فَلَئِنْ تُعرِّضَ أَو تَعَرَّضَ ناقِلٌ
فَالوَيْلُ لِلمُتَعرَّضِ المُتَعرِّضِ
ثَبَتَتْ لَدَيَّ كَما لَدَيْكَ مَودَّةٌ
تُدْلي إليكَ بِحُجَّةٍ لَمْ تُدْحَضِ
أما ابن نباتة المصري فقد رأى في شَعر محبوبته حبالًا تخنقه، كما رأى في لحاظها سهامًا ترشقه، فعبر عن معاناته وصبابته قائلًا:
لك يا مليحة مقلةٌ مع حاجبٍ
للسهمِ عن قوس لقلبي يرشق
وحبال شعرٍ قد شقيت بحبها
إن الشقيَّ بكلِّ حبلٍ يخنق
كما أن "حبل الغسيل" كان له حضوره في المخيلة الشعرية برمزيته فها هو محمود درويش يعلق عليه أساطيره قبل أن يستقيل من بلاط الشعر على حد قوله:
تعبت الآن
علقت أساطيري على حبل غسيل
ولهذا أستقيل.
|