القاهرة 14 نوفمبر 2023 الساعة 12:32 م
كتبت: سماح ممدوح حسن
رغم أن المادة 79 من اتفاقية جنيف الخاصة ب"تدابير حماية الصحفيين" ممن يباشرون مهامًا خطرة في مناطق النزاع المسلحة وتنص على اعتبارهم أشخاصًا مدنيين ويجب حمايتهم بمقتضى أحكام هذه الاتفاقية، إلا أنهم للأسف يُقتلون وعائلاتهم كل يوم بصواريخ الجيش الإسرائيلي في فلسطين المحتلة. ولما لا! فإذا كانت المشافي والمنازل ودور العبادة وحتى مخيمات اللاجئين تُقصف ويُحرق فيها أطفال ونساء. فلا استثناء لدى قوات الاحتلال وصواريخه للصحفيين من هذه المجازر دون أي اعتبار أخلاقي أو إنساني أو احترام لأية مواثيق دولية.
على موقعه الرسمي، نشر الاتحاد الدولي للصحافيين في 20 أكتوبر الجاري، بيانًا يفيد بمقتل 21 صحافيًا وإصابة عددٍ آخر وفقد عددٍ ثالث، خلال المواجهات العسكرية المتواصلة بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة.(الرقم تم تحديثه في يوم 23، ليرتفع عدد الصحفيين المقتولين إلى 23 صحفيًا بحسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين) وقد انضم الاتحاد الدولي للصحافيين إلى نقابة الصحفيين الفلسطينيين في إدانة عمليات القتل والهجمات المستمرة على أعضائها. وقد جاء أيضًا في بيان نقابة الصحفيين الفلسطينيين عن مقتل صحافيها مايلى:
"ننعي مقتل 23 صحفيًا وصحفية خلال الحرب الجارية. والعشرات من أهالي الصحفيين قتلوا بصواريخ وطائرات الاحتلال الإسرائيلية وتم رصد هجمات استهدفت نحو عشرين منزلًا يقطنها صحفيون وعائلاتهم".
-
"بينتقموا مننا في الأولاد"
وبما أننا في عصر الصورة ولا يمكن لأي حدث بالعالم الاختفاء كما كان يحدث فب عصور مضت، فقد صارت الصحافة وأهلها هي ملجأ الجمهور لمعرفة الحقيقة حيث يستطيعون تكوين آراء وأفكار بشكل حاسم بناءً على ما يرونه وما يصل إليهم من معلومات من أرض الحدث في الواقع وليس بناءً على ما يُصدّر إليهم من خطابات وأكاذيب الساسة. الجمهور الذي من شأنه في كثير من الأحيان أن تشكل آراؤه وتمثل نقطة تحويل لمجريات الأحداث، لهذا لم يُضيّق على الصحافيين والإعلاميين المنوط بهم إيصال الحقائق ويُعرقل عملهم ومهامهم في مناطق النزاع فقط، بل إنهم يُستهدفون هم وعائلاتهم حتى الموت.
لم تكن الصحفية "شرين أبو عاقلة، الحاملة للجنسية الأمريكية" التي استهدفها رصاص الاحتلال الإسرائيلى العام الفائت2022، أمام عدسات الكاميرا على مرأى ومسمع من العالم كله، وتهديد رفاقها حينئذ إن هم اقتربوا لمساعدتها. وقبلها اغتيال يوسف أبو حسين مراسل صوت الأقصى في 2021، أول الصحافيين الذين تغتالهم قوات الاحتلال. كذلك لن تكون عائلة الصحفي وائل الدحدوح، "مراسل الجزيرة ومدير مكتبها فى غزة" الذي تلقى وهو على الهواء مباشرة خبر فقدان عائلته، الاغتيال الأخير لاؤلئك الصحفيين.
-
"الاستهداف عن عمد" شهدوا على أنفسهم
لا نعرف إن كانت صحوة ضمير أو هو تبجّح مَن آمن العقاب فأساء الأدب، من ذلك المحرر الإسرائيلي الذي شهد بوحشية قومه. فبعدما استهدفت عائلة الصحفي بالقصف الذي استشهدت فيه زوجته وابنه وابنته وحفيده ولا يزال بقية أفراد العائلة تحت الركام، شهد عليه وعلى الملأ، محرر قناة 13 الإسرائيلية للشؤون الفلسطينية المدعو"تسفي يحزقيلي" ليقر بأن القوات كانت تستهدف منزل الصحفي عن قصد"نعرف تمامًا النقاط المستهدفة".الصحفي الذي دفن أفراد عائلته وعاد لاستكمال عمله، وكأنما صار الموت غدارًا في تلك الأرض جزء من روتين الناس اليومي، حتى باتوا يسألون عمن بقي حيًا لا عمن قُتل.
وفي بيان صدر عن عائلة الدحدوح لمكتب الجزيرة ونشر على موقع" C NN العربية"، أن 12 فردًا من العائلة قُتلوا في هذا الاستهداف بينهم 9 أطفال. وقال أيضًا "نزحت عائلة وائل الدحدوح من تل الهوى (شمال غزة) إلى مخيم النصيرات للاجئين حيث اعتقدوا أنه مكان آمن لهم للإقامة فيه.
وأضاف البيان أنه "في غارة جوية أصابت المنزل الذي كانوا فيه، لتقتل زوجته وابنه محمود وابنته شام البالغة من العمر 8 سنوات".
-
لماذا تستهدف قوات الاحتلال الصحفيين؟
لكن لماذا تستهدف قوات الاحتلال الصحفيين؟ ببساطة لأنهم"عين الحقيقة" ففي الأفلام والروايات، عادة ما إن يضبط المجرم أحد الشهود العيان على جريمته، فإما يهدده أو يقتله. وفي حالة الصحفيين في غزة يبتلون بالأمرين: التهديد، والترويع والقتل هم وعائلاتهم. فهم الشهود العيان على جُرم المجرمين، يوثقون بالصوت والصورة وعلى الهواء مباشرة الجرائم الوحشية وجرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني أصحاب الأرض.
بالإضافة إلى أن معاينة الصحفيين ومشاهدتهم لتلك المجازر المرتكبة يوميًا وتوثيقها ونشرها على مرأى ومسمع العالم أجمع، الأمر الذى من شأنه تفكيك وتبيان زيف السردية الإسرائيلية التي يحاولون تصديرها على أنهم فقط يدافعون عن أنفسهم، مما سيجعلهم يخسرون داعميهم من الناس العاديين وبعدها من القادة.
ولهذا، وكما جاء على لسان وائل الدحدوح آخر الصحفيين المكروبين في عائلاتهم "بينتقموا مننا في الأولاد". فالاستهداف الممنهج للمؤسسات الإعلامية وأفرادها هو محاولة مخزية من الجيش الإسرائيلي لإسكات صوت الإعلام الذي ينقل الإخبار عن الوحشية التي يمارسونه في غزة بكل الطرق المخالفة للقوانين الدولية والإنسانية والأخلاقية.
هناك أيضًا هدفٌ تأمل إسرائيل بالوصول إليه ولن تناله أبدا، بدليل عودة الدحدوح إلى عمله بعدما نفض غبار مقبرة عائلة من يديه، وهو"زرع الخوف في قلوب الصحفيين" فيما يتعلق بسلامتهم وعائلاتهم، ليس الفلسطنيين فقط لكن الأجانب أيضًا، كما حدث وقتل الصحفي وصانع الأفلام الوثائقية البريطاني جيمس ميلر، 2003 وأثبتت التحقيقات أنه قتل عن عمد. بالتأكيد هو واحد من ضمن كُثر بالإضافة إلى هدف آخر لإسرائيل من وراء استهدافهم الصحفيين وهو ترويعهم حد دفعهم إلى تكرار وتأكيد الخطاب الإعلامي الزائف الذي يُصدّر من إسرائيل وهو أيضًا هدفٌ مستحيل المنال.
من قبل عائلة الدحدوح بأيام قليلة، استهدف المصور الصحفي لوكالة رويترز "عصام عبد الله" بصواريخ إسرائيلية في جنوب لبنان وأصيب 6 صحفيين من زملائه ممن كانوا في موقع الحدث في يوم 14 أكتوبر الجاري. وقالت رويترز في بيان يوم الجمعة إن عصام عبد الله مصور التلفزيون بوكالة الأنباء قُتل في أثناء نقله للأحداث في بث مباشر. وكانت الكاميرا موجهة إلى جانب أحد التلال عندما هز انفجار قوي الكاميرا وملأ الدخان الجو وسُمع صوت صرخات.
كذلك أعلنت رئيسة تحرير شبكة RTمارجريتا سيمونيان مقتل 12 فردًا من عائلة مصور القناة "خالد الدرة" في القصف على قطاع غزة من بينهم شقيق وشقيقتان له.
وإمعانًا في الاستبداد والقمع، فإن إسرائيل لم تكتف فقط بقتل الصحافيين بل إنها أيضًا، وبحسب الموقع الرسمي للاتحاد الدولي للصحفيين، فإن الحكومة الإسرائيلية قد صادقت في العشرين من أكتوبر الحالي على لوائح جديدة تسمح بإغلاق وسائل الإعلام والقنوات الفضائية التي تستهدف ما أسمته ب"أمن الدولة".
نشر الاتحاد الدولي للصحفيين نقلا عن نقابة الصحفيين الفلسطينية، في آخر تحديثاته أسماء شهداء الصحافة والإعلام العرب خلال الأحداث الجارية حتى الآن وهم" سائد الحلبي وأحمد أبو مهادي، أثر استهداف منزلهما في شمال قطاع غزة، والصحفية المستقلة "سلمى مخيمر وطفلها" في قصف على مدينة رفح،. محمد عماد لبد. رشدي السراج. خليل أبو عذرة. عصام بهار وزوجته. محمد بلعوشة. عبد الهادي حبيب. حسام مبارك. أحمد شهام. محمد فايز ويوسف أبو مطر. سعيد الطويل. محمد صبيح. هشام النواجحة. أسعد شملخ. محمد الصالحي. إبراهيم لافي. محمد جرعون. كل هؤلاء استهدفت منازلهم صواريخ جيش الاحتلال الإسرائيلى فقتلتهم وعائلاتهم. بالإضافة إلى الصحفيين المعتقلين والمفقودين.
ورغم المخاطر التي يواجهها الصحفيين في مناطق النزاع المسلحة، والمتمثلة في الاعتقال والممارسات العنيفة والتهديد بالوسائل كافة، والصعوبات اللوجستية حيث لا يجدون في كثير من الأحيان أماكن للمبيت أو كهرباء أو شبكة إنترنت، أو يضطرون إلى قطع مسافات طويلة سيرًا على الأقدام، وأيضًا عدم وجود ضمانات واضحة أو قوية لسلامتهم وسلامة عائلاتهم، إلا أنهم سيظلون من أهم أبطال المشهد لإيصال الحقيقة، وستظل صواريخ الاحتلال الغاشمة بالغباء الذي يعمي بصيرتهم عن أننا في عصر صار فيه الكل صحفي فقط بمجرد امتلاك هاتف بيده.
|