القاهرة 14 نوفمبر 2023 الساعة 12:25 م
بقلم: حسين علي غالب بابان
جمعت كتبًا كثيرة تزيد عن مئة كتاب، كنت قد اشتريتها عبر مواقع بيع الكتب على شبكة الإنترنيت وهم باللغتين العربية والإنكليزية، من أجل الانتهاء من رسالتي الدكتوراه التي أعددتها في علم الأديان، وهي تتعلق بالديانة المسيحية والبهائية تحديدًا، وهذه الكتب يجب أن أعاملها معاملة خاصة ليس لأنها دينية وحسب، وقيمة لما فيها من معلومات ثمينة، بل لأنها كانت ترافقني يوميًا لساعات طويلة عدة سنوات عجاف من أجل أن أنهي مهمتي، حتى لو قدمت الغالي والنفيس، حيث كنت أنسخ أربعة أسطر من هذا الكتاب، ثم أعود وأقرأ كتابا آخر فيه رأي مختلف، ونقاط أسجلها في عدة أوراق متناثرة أجمعها بعد فترة .
وأنا كطالب يجب أن أذكر في رسالتي أدق التفاصيل "الصغيرة قبل الكبيرة"، فالحذر والدقة مطلوبة في كل كلمة، وأي خطأ أساتذتي المشرفين ببساطة يرفضون رسالتي ويقولون لي "اذهب من حيث ما أتيت "، وأعتبر من "المغضوب عليهم"، وأكون أنا قد خسرت الوقت والمال والجهد وعدت إلى نقطة الصفر .
جمعت كتبي وقد قمت بتغليفها بدقة متناهية حتى تصل للآخرين بحال جيدة ، ووضعتهم في صناديق كارتونية بشكل مرتب، ووصل بي الأمر أنني التقطت صورًا تذكارية معهم للذكرى وأنا حزين لفراقهم، ووجدت خلال بحثي المتواضع أن هناك كلية صغيرة بالقرب من شقتي في أحد العواصم العربية، وقررت أن أتبرع بالكتب لهم لعل وعسى يستفاد منه أحد آخر غيري كطالب أو قارئ .
وصلت الكلية ولحسن حظي أوصلت الكتب إلى مكتبتها المتواضعة، وموظف المكتبة وهو شاب مثقف وخلوق شكرني كثيرًا، وتقديرًا لما قمت به زودني ببطاقة عضوية في المكتبة حتى أدخل وأقرأ في المكتبة في أوقات الدوام وهذه هدية لا تقدر بثمن بالنسبة لي.
بدأت المراسلات بيني وبين موظف المكتبة، وحينما عرف أن الكتب التي تبرعت بها كنت قد استفدت منها لرسالة الدكتوراه "الأولى"، طلب مني أن أساعده في أن يكمل هو الماجستير لكنه لا يعرف أحدًا يساعده ويرشده إلى الطريق الصحيح، خصوصًا وهو موظف يداوم لساعات طويلة يساعد الطلاب .
على الفور استعنت بشبكة الإنترنت فهي بحر واسع لا نهاية له، و أبلغته أن هناك جامعة يستطيع دراسة الماجستير عن بعد باللغة الإنكليزية فيها، وهناك أكاديمية تقبله لكنه يجب أن يذهب إلى الأكاديمية ويداوم على الأقل عدة أشهر عند بداية كل عام وبعدها يناقش رسالة الماجستير بالتنسيق مع الأساتذة ، للأسف كلا الخيارين بالنسبة له على درجة كبيرة من الصعوبة وغير مناسبين بأي شكل من الأشكال لكنه لم يستسلم .
بعد عدة أيام عاد واتصل بي ، فسألني عن مكتب للخدمات الجامعية، وبصراحة أنا لا أعرف عن هذه المكاتب لأن في الدول المتقدمة أكاديميًا وفي أوروبا تحديدًا لا يوجد "حلقة وصل" بين الطالب ومؤسسته الأكاديمية فكل الأبواب مفتوحة للجميع، وما عليك سوى توجيه السؤال وسوف تأتيك الإجابة من دون زيادة أو نقصان، فهم كالصفحة البيضاء ليس فيها أي نقطة سوداء، والتعليم الجامعي عندهم متاح بمختلف الطرق والأساليب .
لم أستطع أن أعطي رأيًا في المكتب الذي ذكره، فأنا حقًا لا أعرف هل هم "ملائكة أم شياطين"، فطلبت منه أن يذهب ويسأل ويستفسر، إن اقتنع ووضحت الصورة أمامه ليتقدم نحو الخطوة الأولى وليبدأ معهم، وإن لم يجد ما يريده فليقل كلمة شكرًا ويلقي عليهم تحية الوداع و"عد إلى بيتك ."
لم تمر سوى أربع وعشرين ساعة حتى جاءني اتصال منه، وكان يطالب برؤيتي ولقائي على وجه السرعة، حاولت أن أفهم منه ما الذي حدث لكنه رفض إخباري، فأعطيته عنوان شقتي وجاءني لأكتشف الحقيقة الصادمة!
أن المكتب بكل بساطة عبارة عن "سمسار" محترف لكتابة البحوث والرسائل الجامعية، قاطعته وقلت له "قد يكونوا عرضوا عليك الاستعانة بأكاديميين ليساعدوك"، فأجابني "لا بتاتًا ، هم يعملون على مبدأ خذ وهات"، وعندهم تسعيرة لكل شيء رسالة جامعية باللغة العربية بهذا السعر، وباللغة الإنكليزية بسعر مرتفع، والمناقشة بجامعات محددة "طبعًا" تحت إشرافنا وتوجيهنا وكل شيء مدروس، و"هدفهم إرضاء الزبون.
صُدمت مما سمعت، لكن الموضوع ليس بجديد ولقد قرأت عنه في صحف ومواقع إعلامية، وقلت للشاب الجميل الذي جاء يبلغني بأدق التفاصيل أن يبتعد عنهم نهائيًا وأن يتعب ويجتهد للحصول على شهادة الماجستير التي يحلم بها، وأسلوب البحوث والرسائل الجامعية "الديلفري" سوف تجعل من صاحبها أضحوكة، لأنه حاصل على شهادة جامعية ولا يعرف عنها أي شيء، فما الفائدة من ورقة معلقة على الحائط؟!
|