القاهرة 08 نوفمبر 2023 الساعة 11:29 ص
بقلم: أحمد محمد صلاح
امتازت المدرسة الفيثاغورية بأنها اتخذت نظام الأخوة وكأنها دير أو معبد، فجميع طلبتها يرتدون زيا موحدا وهو الأبيض، ويمشون حفاة، ولا يسرفون في الطعام أو الشراب، كذلك لا يكثرون من الضحك والكلام، ولا يحلفون بالآلهة "لأن واجب المرء أن يكون صادقا بغير قسم"، وكانوا يحاسبون أنفسهم آخر النهار على ما فعلوه، فيسأل كل واحد منهم نفسه عن الشر الذي ارتكبه، والخير الذي قدمه، والواجب الذي أهمله.
كما كان التعليم في المدرسة يتم سماعا وتلقينا وليس كتابةً، كذلك لم يؤلف فيثاغورس نفسه كتابا وذلك لسرية تعاليم المدرسة، بل كان يعاقب بالطرد كل من يفشي أي من تلك الأسرار، وظلت أسرار المدرسة طي الكتمان حتى عصر سقراط وأفلاطون عندما ألف "فيلولاوس" وهو أحد أتباع المدرسة كتابا من ثلاثة أجزاء بسبب حاجته للمال، واشتراه منه حاكم سراقوسة حسب طلب أفلاطون، ويذهب البعض إلى أن "هيباسوس" هو أول من دون كتابا بعنوان (المذهب السري) عن حياة فيثاغورس.
ويقول أحمد فؤاد الأهواني في كتابة المدارس الفلسفية: "كان القرن السادس قبل الميلاد كله عصر هزات واضطرابات وانقلابات فكرية في شتَّى أنحاء العالم المعروف، إنه عصر كونفوشيوس وبوذا وزرادشت، وهو العصر الذي ظهرت فيه الفلسفة اليونانية على يد حكماء اليونان، وأدَّت يقظة الشرق الشديدة إلى الضغط على آسيا الصغرى، وعلى مصر التي احتلَّها قمبيز فترةً قصيرةً من الزمن. أمَّا بلاد اليونان فقد انتقل مفكروها من آسيا الصغرى إلى جنوب إيطاليا، ومنهم فيثاغورس، وكان الإغريق يعدون كل بلد ينزلون فيه جزءًا من وطنهم، فالمدن التي أُنشئت في جنوب إيطاليا، وصقلية، وشمال أفريقيا، ومصر، كلها مدن إغريقية يتكلَّم أهلها اللغة اليونانية، ويسيرون في الحكم على النظام اليوناني، فضلًا عن اصطناع الشِّعر والتمثيل والأدب المأثور عن اليونانيين، فلا غرابة أن تُنشأ مدارس في معظم تلك المدن على نسق ما كان معروفًا في الوطن الأم. ولكن مدرسة فيثاغورس كانت بعيدةً عن الروح الإغريقية الأصيلة، غريبةً عن تراث آلهة أوليمبوس وما أُثر عن أربابها من حكمة ترجع إلى العقل، وغريبة عن ديونيسوس إله الخمر وما عُرف عنه من اندفاع مع الهوى والعاطفة والخيال، فقد جلب فيثاغورس تعاليمه من الشرق الذي طاف بأرجائه، ففيه ديانة جديدة جاءت من طراقيا مع الإله أورفيوس، وفيه نزعة إلى الزهد لا تتفق مع النزعة الديونيسية بوجه خاص.
ويُحيط الغموض بشخصية أورفيوس، فهو إله، أو نبي، أو شاعر، أو موسيقار يفتن بموسيقاه الكائنات من شتَّى الأصناف. وللنِّحْلة الأورفية رأي في أصل العالم وحقيقة الإنسان، ففي البدء كان الزمان، ونشأ عن الزمان الأثير والعماء، وشكَّل الزمان بيضةً في الأثير تفتَّحت فخرج منها النور، وانفلقت نصفَين أصبح أحدهما السماء والآخر الأرض. وتزوَّجت جايا (الأرض) أورانوس (السماء) فأنجبا ثلاث بنات وستة بنين، ولكن أورانوس ألقى بالأبناء في نهر تارتاروس حين علم بأن أبناءه سيقضون عليه، وغضبت جايا فأنجبت التيتان وهم مردة جبابرة، وكرونوس، وريا، وأقيانوس، وتيش، وتمضي الأسطورة فتصوِّر لنا كيف وُلد ديونيسوس من زيوس، ثم خطف التيتان الطفل وأكلوه، وكيف أعاد زيوس ديونيسوس إلى الحياة مرةً ثانية، وكيف سلَّط على التيتان البرق والرعد فأحرقهم وجمع رمادهم، وخلق منهم الإنسان، فأصبح بذلك مركَّبًا من طبيعتَين؛ طبيعة التيتان وهي طبيعة الشر والإثم، وطبيعة ديونيسوس وهي طبيعة إلهية سامية.واصطنعت الفيثاغورية النِّحْلة الأورفية، وبخاصة نظريتها في النفس ونزعتها السرية".
|