القاهرة 07 نوفمبر 2023 الساعة 11:54 ص
![لا يتوفر وصف.](https://scontent.fcai19-3.fna.fbcdn.net/v/t1.15752-9/399178140_1724309284741017_3330979811613211809_n.jpg?stp=dst-jpg_s2048x2048&_nc_cat=107&ccb=1-7&_nc_sid=8cd0a2&_nc_ohc=47CPYwNjcswAX9pqNBE&_nc_ht=scontent.fcai19-3.fna&oh=03_AdQ21sUpO8pgX_7JxwN7JKNRW2Ls-TI7FwjS_JOMqfoQQw&oe=65717AF5)
كتبت: سماح ممدوح حسن
لطالما صدح العالم الغربي بأنشودة الديمقراطية في وجه الشرق الذي لم يحالفه الحظ ويرى أثرًا لهذه الديمقراطية في مكان أبعد من صدى الميكروفونات. وما أدل على ذلك أكثر مما يحدث في عالم الرياضة الآن. الرياضة المنوط بها أساسًا توحيد العالم والسمو فوق الخلافات السياسية. ويتجلى التسييس للرياضة بل والانحياز، خاصة فى أوروبا وأمريكا بعد انطلاق عملية "طوفان الأقصى" المشتعلة بين الفلسطينيين المدافعين عن الأرض وعدوهم المحتل الإسرائيلي.
حيث شهدت الساحة الرياضية العالمية خلال الأيام القليلة الماضية هجومًا ضاريًا على الرياضيين العرب، خاصة المساندين للقضية الفسطينية ممن رفضوا الإبادة الإسرائيلية فى غزة، بتدويناتهم عبر الإنترنت. وقد تعرض هؤلاء لعقوبات صارمة تهدد مستقبلهم الرياضي.
لكن لم يكن الصراع بين الرياضة والسياسة وليد الأحداث الأخيرة، بل نستطيع القول بأن هذا الصراع وصل لأوجه وذروته في الحروب العالمية. فقد أدرك قادة الدول المتحاربة حينها أن الفوز رياضيًا يعني في وجدان ومعنويات الشعوب المعني نفسه للفوز في المعارك الحربية. فكما كان "جوبلز" مسؤول الدعاية في ألمانيا النازية الهتلرية يقول "إن الفوز بمباراة دولية أهم من السيطرة على مدينة ما".
-
مباراة الموت للفتية الخبازين
ومن بين أهم القادة الذين استوعبوا حجم وأهمية الفوز رياضيًا بالنسبة للشعوب خاصة في مباريات كأس العالم لكورة القدم كان "هتلر" النازي. فبعد غزو ألمانيا النازية لأوكرانيا 1941، كوَن الألمان فريق "فلايكيلف" من ضباط طيران الجيش الألمانى، ليلعب أمام فريق "ستارت" الأوكراني المكون من بعض "الخبازين" الذين تغلبوا على الفريق الألماني بخمسة أهداف، مما جعل الألمان يشعرون بأن الهزيمة إهانة لعرقهم الآري وطالبوا بإعادة المباراة، وفى 9 أغسطس أقيمت مباراة الإعادة 1942، على ملعب أوكراني وأمام 45 ألف متفرج، ونشرت القوات النازية بعض عناصرها المدججين بالأسلحة وعناصر من الجستابو في المدرجات، وحينئذ سعى الفريق الأوكراني الذي كان يعاني الجوع وسوء التغذية إلى الفوز على الفريق المحتل حتى لو بمباراة كرة قدم، مما سيرفع من معنويات شعبهم، وفي الوقت نفسه يسعى الفريق الألمانى للفوز لحفظ سمعة تفوق الجنس الآري وكسر شعبية فريق ستارت، وفي هذه المباراة أحرز الفريق الأوكراني الفوز بهدفين في الشوط الأول مما دفع رئيس الجستابو في الشوط الثانى بتهديد الفريق إن لم يخسروا المبارة، لكنهم عاندوا المحتل ولعبوا بحماس أكبر وفازوا بالمباراة بخمسة أهداف. وبسبب هذا الفوز قُبض على جميع اللاعبين الأوكرانين وألقي بهم في المعتقلات الألمانية حتى مات منهم من مات تحت التعذيب وأطلق الرصاص على البقية.
-
المعركة السياسية التي بدأها الصحافيون واشتعلت بالملعب
وفى عام 1962 استضافت دولة تشيلي كأس العالم، ولما كانت تشيلي قد تعرضت من قبل لزلزال من الأعنف في التاريخ، والذي كان قد هدم الكثير من المنشآت التي ستقام عليها المباريات. ورغم ذلك أعطي الاتحاد الدولى التنظيم لهم وتنحية الأرجنتين حينها. الأمر الذي لم يعجب الإيطاليين، واعترضت الصحافة الإيطالية على هذه النتيجة وكتبت في صحفها أن تشيلى بلد متخلف يعمل أهله بالدعارة. وعندما وقعت تلك الصحف فى أيدى المترجمين التشيليين ترجموها ونشروها في الصحف التشيلية التى لم تصمت أمام هذه الإهانة، ونعتت الإيطاليين بالفاشيين ومدمني المخدرات، وظلت حرب الإهانات الصحفية بين البلدين حتى التقى الفريقان في الملعب. التقى فريق البلدان في مباراة تحولت لمعركة سميت بمعركة "سانتياجو" وفيها بدأ لاعبو الفريقين بمقاتلة بعضهم بعضا، ونزل الجمهور أيضًا إلى الملعب وتخاذل الحكم الإنجليزى أمام جمهور تشيلى وكانت بمثابة نقطة عار تلاحقه طويلا. وكانت المباراة الأولى التي ترفع فيها الكروت الحمراء والصفراء للاعبين.
-
مجزرة ستاد بورسعيد في مصر
رغم حماسة الجماهير المصرية الكروية التى تصل إلى بعض التجاوزات أحيانًا إلا أنه لم يسبق وحدث مثلما حدث من عنف في العام 2012، وما عرف ب "مجزرة ستاد بورسعيد"، التي راح ضحيتها 72 شخصا من مشجعي النادي الأهلي "ألتراس الأهلى" الذين وقعت بينهم وبين جماهير النادي المصري في مدينة بورسعيد اشتباكات استخدم فيها الأخير الأسلحة البيضاء، وحدث ذلك في أيام أحياء الذكرى الأولى لموقعة الجمل. وكانت البلاد حينها لا تزال نشطة بالحراك السياسي وتكالب الفرقاء على الحكم الذى خلّف ثورة يناير 2011. وهذا الحادث الذي نتج عنه منع حضور الجماهير لأية مباراة لعدة سنوات.
ونشهد مع الأحداث الحالية غزة، ما يصح أن نطلق عليه عنصرية ضد الرياضيين وقمع آراء الذين يناصرون منهم القضية الفلسطنية. نهج هتلر النازي لكن على الطريقة الحديثة. فحاليًا لا يحتاج الرياضيون للتهديد بالذبح في أرض الملاعب، كل المطلوب منهم كتابة منشور على أحد مواقع التواصل الاجتماعي ليتم إقصاؤهم من جنة الرياضة الغربية. فلم تطل صواريخ إسرائيل الأهداف المدنية التي راح ضحيتها آلاف الأبرياء في فلسطين فقط، بل طارت شظاياها حتى وصلت إلى بعض الرياضيين خارج القارة، ومن ضمن هؤلاء:
بطلة التنس التونسية "أنس جابر" التي تقدم الاتحاد الإسرائيلي للتنس بشكوى رسمية ضدها في الاتحاد الدولي للتنس ورابطة المحترفات، وذلك بعدما أعلنت تضامنها مع الفلسطنيين في منشور على حسابها على إنستجرام، الشكوى التي ربما تعرضها للإيقاف عن المشاركة في بطولات التنس للمحترفات.
وقد أوقف نادي نيس الفرنسي لاعبه الجزائري "يوسف عطال" حتى إشعار آخر، بعدما اتهم بإعلان منشور يعادي السامية. ولم يكتفِ النادي بالإيقاف، بل فُتح تحقيق يتهم فيه اللاعب بالتحريض على الكراهية والعنف على أساس ديني.
أما ألمانيا، وهي واحدة من أكبر الدول المساندة للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، فقد فسخ نادي "ماينز الألماني" عقد لاعبه "أنور الغازي" من أصول مغربية، بسبب تغريدته المساندة للفسطنيين، وبهذا ربما يكون للغازي السبق في أقصر مدة تعاقد، حيث لم يمض على تعاقده مع النادي شهر واحد.
ولم يسلم السباح المصري "عبد الرحمن سامح" من ذلك القمع أيضًا بعدما حذف الاتحاد الدولي للسباحة صورة السبّاح من صفحة الاتحاد الرسمية بسبب إعلانه دعم فلسطين. وكان عبد الرحمن سامح قد توّج بالميدالية الذهبية في بطولة العالم للسباحة التي أقيمت في اليونان، وصرح السباح المصري بعد تتويجه بالمركز الأول في سباق 50 متر فراشة أن حياته أصبحت مهددة بالخطر، بعد أن تلقى تهديدات بالقتل بسبب مساندته لفلسطين.
كذلك تعرض اللاعب "عيسى العيدوني" لاعب منتخب تونس ونادي يونيون برلين الألماني إلى هجمة شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي، تشنها جماهير النادي الألماني بسبب إعلان تضامنه مع فلسطين. وطالب أنصار النادي بضرورة فسخ العقد وإبعاد اللاعب عن صفوف الفريق بسبب مساندته للشعب الفلسطيني. حتى اللاعب "نصير مزراوي" طالته النار بعدما هاجمته جماهير "بايرن ميونخ" الألمانية بعد منشوره المساند للفلسطنيين.
كذلك تعرض اللعب المصري "محمد صلاح" لهجمة لكن من نوع آخر لأنها من "نيران صديقة" من الجماهير العربية، التي استهجنت سكوت محمد صلاح عن التعليق على الأحداث. حتى خرج أخيرًا بفيديو للتعليق.
في كثير من الأحيان، يتعالى السياسيون على الرياضيين باعتبار أنهم لا يخرجون عن دائرة تقديم الترفيه للجماهير، الأمر الذي يعتبرونه أقل أهمية من السياسة التى تدير الشؤون الحيوية لأولئك الجماهير. لكن وبالتجربة والزمن، ثبت أن الرياضة والسياسة متحدين برباط وثيق، إلا أن السياسة حوّلت الترابط لصراع بعد أن تناسي السياسيون أن الرياضيين هم بشر لهم أيضًا انتماءاتهم.
|