القاهرة 30 اكتوبر 2023 الساعة 08:47 ص
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد،،
احترت كثيرًا ماذا أكتب؟!
عندما يكون المصاب جلل، والفاجعة كبيرة، أكبر من أي قدرة على التحمل، أشعر بالحيرة، هل التوقف عن الكتابة هو الصواب، أم الاستمرار فيها هو القرار السليم؟!
لا أخفي عليك، لقد فكرت في التوقف عن الكتابة مؤقتًا، حتى تهدأ الأوضاع أو يتم الوصول لحلول توقف هذا النزيف اليومي الذي استمر لمدة تعدت 22 يومًا.
تمنيت أن تكون هناك هدنة، تساعدنا جميعًا على التقاط الأنفاس وإعادة ترتيب أوراق حياتنا.
لم أستطع، وجدت أن من واجبي أن أستمر بالكتابة رغم ثقل هذه الأيام، بما تحملها من مشاهد وصور وذكريات وأوجاع أدمت قلوبنا.
أثبتت الحياة أن ما نراه على الشاشات من خلال الدراما لم يكن قمة البشاعة أو منتهى الرعب، في مقابل الواقع المزري وما نراه ونعاصره هذه الأيام.
يشاهد وطننا العربي والعالم بأكمله حالة الحرب البربرية الطاحنة التي يواجهها المدنيون العزل في غزة، كل ذنبهم أنهم أصحاب الأرض، يحملون جنسية يريد المحتل محو أثرها.
ضرب أهل فلسطين وبالأخص سكان قطاع غزة مثالًا يحتذى به في التمسك بالأرض والدفاع عنها، على الرغم من الظروف التي لم ولن نعاصرها يومًا بعد ذلك.
نعايش ألمهم عبر الشاشات ولقطات الهاتف، وما ينقله المراسلون دون زيف أو اقتطاع أو محاولات تضليل.
اعلم أننا عانينا الأمرين في أثناء حربنا مع العدو، لكن أعتقد أن الهجمة هذه المرة أشد إيلامًا، ليس لأنها تحدث على مرأى ومسمع من الجميع من العالم، وإنما لأنها تشعرنا بالضعف رغم كل ما لدينا من وسائل لإيصال الحقيقة.
ولكن لمن نوصل الحقيقة؟!
هل نوصل الصورة لرعاة الحق وحاملي رايات حقوق الإنسان؟!
كيف ذلك وهم من حاربونا سابقًا، ويحاربونهم الآن؟!
لم يكن لفشلنا معنى يومًا إلا الآن، فشلنا هذه المرة أكبر لأننا لم نفشل بالفعل فقط، بل فشلنا مطعم بالخذلان؟!
اكتشفت أن حالة الحزن واليأس طالت الجميع، لست وحدي! هناك غصة في القلوب، مجرد شعورك أنك لم تهب لنجدة أخيك أو صديقك، حتى مناصرته ببضع كلمات لم يعد متاحًا، تقطعت كل السبل للوصول إلى كل من هم على الجانب الآخر من الحياة! إحساس قهري بالخوف والخذلان.
رغم كل هذا الحزن والأسى والألم الذي ترك أثره في الوجوه، إلا أن هناك أخبار مفرحة تأتي بها وكالات الأنباء تصديهم المذهل لهجمات المعتدي، أثبتوا ببساطة أن التاريخ لم يكن يوما منصفًا؟!
كان مزيفًا، لم يتركوا أراضيهم، فضلوا الموت فيها، روي كل شبر في غزة بدماء أهلها.
إنهم يضربون لنا مثلًا بالصمود رغم عزلتهم، رغم كل المحاولات للقضاء عليهم وعلى أصواتهم، صمدوا أمام محاولات التجويع وتضييق الخناق عليهم، يقاومون بكل الطرق الممكنة للإبقاء على أثرهم.
لعل هذا هو الفارق الوحيد بيننا وبينهم، فصاحب القضية لا يفرط بحفنة تراب من أرضه أما الآخرين يهربون طلبًا للأمان.
يقولون إن الدعاء في هذه الأوقات لا يفيد، لكني أراه أضعف الإيمان فنحن ندعي بقلوب مؤمنة أن تنقضي هذه الغمة، ليقيننا بأن وعد الله حق، وأنه لا بد للغد أن يحمل يومًا البشرى، سنطمئن على أحبابنا التي عزلهم المحتل وهجرهم من بيوتهم.
عزيزي عمر خورشيد،،
كتبت لك الأسبوع الماضي أننا نعيش أسوأ أيام حياتنا، ما زلت عند رأيي، لكني أيضًا أشعر أننا جيل محظوظ، عاش وسيموت وهو ملم بكل الحقائق دون زيف أو تضليل.. جيلنا شاهد على الحقائق التاريخية، سيكتبها، ويوثقها للمستقبل، لدينا ما نرويه للأجيال القادمة، سنحكي لأطفال الغد أننا عشنا وشاهدنا بطولات شعب لا يملك من هذه الدنيا القاسية غير العادلة إلا روحه وأرضه، فقد الأولى لتخلد الثانية.
عزيزي عمر خورشيد،،
أحمد الله أنك لم تكن بينا هذه الأيام الثقيلة، حتى لا يتألم جيتارك أو يصيبه الحزن مثلي، مثلنا جميعا.
عزيزي عمر خورشيد،،
أحاول أن أكون بخير، لأكتب لك مجددًا.
|