القاهرة 24 اكتوبر 2023 الساعة 12:18 م
![لا يتوفر وصف.](https://scontent.fcai19-3.fna.fbcdn.net/v/t1.15752-9/395288718_644292594457338_4003438746193968478_n.jpg?_nc_cat=109&ccb=1-7&_nc_sid=8cd0a2&_nc_ohc=GdVXuDB0_BwAX_ZqFN4&_nc_ht=scontent.fcai19-3.fna&oh=03_AdTQ0fj2d93veLlDmrW5Fj_fgsENsqkFomvwnVktd9fj3g&oe=655F0D0F)
كتبت: سماح ممدوح حسن
من المعروف أن الباحث المسرحي المصري د.سيد على إسماعيل وضع عدة دراسات تتناول تاريخ المسرح المصري من جوانبه كافة، والدراسة محل هذا المقال، عن بداية الرقابة المسرحية في مصر الدراسة بعنوان "الرقابة والمسرح المرفوض".
لماذا بالأساس نشأت فكرة منع عمل مسرحي؟ ولِمَا فكّر البعض في خلق هيئة رقابية بيدها السماح والمنع، ولأي أسباب؟ السبب ببساطة أن الحكّام لمّا علموا بتأثير المسرح على الجمهور المصري، التأثير المُوقظ المحرّض الذى يحث المتفرج على التفكير في أحواله والبحث عن حقوقه والمطالبة بها ومحاسبة الحكّام، جعل أولئك الحكّام يخافون هذا الفن ولم يكن من سبيل لديهم للقضاء عليه إلا بالرقابة.
• بداية الرقابة على المسرح المصري
لا يعرف كثيرون أن بداية الرقابة على المسرح المصري ومنع بعض أعماله بدأت مع الحملة الفرنسية، ولمّا كان الفرنسيون يهتمون بإنشاء المسارح التي تقدم على خشبتها المسرحيات الأوروبية لم يخلُ الأمر من بعض الأعمال المصرية، لكن حينها اهتم القائمون على المسرح بالاحتراس من هذه الأعمال لألا تحتوى على ما يثير الحفيظة المصرية ضد الحملة الفرنسية، وبالتأكيد لم تكن تلك الرقابة إلا على المسرحيات المصرية، رقابة لا تخضع لها المسرحيات الأجنبية.
ثم جاء عصر محمد علي مؤسس الدولة الحديثة والتي كان المسرح أحد أركان حداثتها هذه، لكن الرقابة في عهده اختلفت قليلا. فقد دعى محمد علي الفرق الأجنبية لتأدية أعمالها في مصر، فرق إيطالية وفرنسية وغيرها، وتسابق الجميع لتقديم أعماله حتى سادت الفوضى من كثرتهم، فبعث محمد علي لقناصل دول هذه الفرق يأمرهم بتنسيق الأمور بينهم. وأيضًا وضع لوائح حددت بعض الآداب التي لا بد أن يخضع لها الممثلون والجمهور، كارتداء ملابس مناسبة وعدم التدخين وعدم التلفظ بكلمات نابية وغيرها. وأيضًا قرر حضور بعض رجال الشرطة ورجال المطافئ(الإطفاء) في كل مسرح.
في عهد الخديوى إسماعيل، كان على المسرحيين تقديم أعمالهم إلى رئيس التشريفات في قصر الخديوي قبل أن تُقدم أمام الخديوي وكان هذا أول نظام لتراخيص المسرحيات. وفي عهد الخديوي إسماعيل أيضًا كانت أولى المسرحيات الممنوعة وهي مسرحية "يعقوب صنوع" بعنوان "ضريتين" وكانت ضمن ثلاثة أعمال مسرحية مُثّلت أمام الخديوي استحسن اثنين منها ورفض الثالثة التى تنتقد تعدد الزوجات وهو الأمر الذب لم يعجبه، فلم تُمثّل المسرحية مرة أخرى.
وقد أسس أول جهاز رقابي نظامي رسمي في عهد الخديوي محمد توفيق تحت اسم"حفظ التياتيرات وتشغيلها" وذلك في عام 1879. وكان كلما زادت عدد الفرق المسرحية خاصة الشامية والأجنبية فى مصر توسع هذا الجهاز الرقابي فب شروط منعه للأعمال.
وقد ذكر"سيد علي إسماعيل" فى دراسة سابقة له عن المسرح التقريري أو التسجيلي أن هناك مسرحية بعنوان "أدهم باشا" منعتها السلطات لأنها أدت إلى مشاجرات ومصابين بين الممثلين وبين الجمهور اليوناني في مصر، بعدما كانت المسرحية تعرض رواية تحكي فيها عن هزيمة اليونان على يد الأتراك في حرب بينهم.
وفي العِقد الأول من القرن العشرين، مُنعت مسرحية ل"حسن مرعي" بعنوان"حادثة دنشواي، أو صيد الحمام" والتى مثّلت إعدام المصريين في حادثة دنشواي وقد أثارت هذه المسرحية انفعال وحمية المشاهدين بما حدث للمصريين في دنشواي من ظلم، فمنعت السلطات المصرية والاستعمار المسرحية من العرض.
فيما بعد وحتى عام 1919، كانت تصاريح المسرحيات تختم بختمين إنجليزى وفرنسي. وبالتأكد كانت أداة جميع الرقباء مصريين أو أجانب هم رجال البوليس السري حينها، ومن يخالف اللوائح الموضوعة للعروض يُعرّض للاعتقال وإغلاق مسرحه.
• المنع بالتأويل وأغراض أخرى
لم يكتفِ الرقيب في تلك الفترة بالأخذ بالأسباب الظاهرية أو حتى المعلنة لمنع الأعمال المسرحية، كالمسرحيات الاجتماعية والسياسية التي تثير حماسة الجماهير على الظلم، أو منافاتها للآداب العامة، أو القيم المحليّة، أو سخافة الرواية أو إهانة مهنة معيّنة، أو اقتصاص الرواية من رواية أخرى مثلا، لكنهم تجاوزا المنع بالظاهر إلى المنع بتأويل المعنى، كما حدث في منع مسرحية بعنوان "دار العجائب، من تأليف محمد إبراهيم منصور". ورغم أن المسرحية تحكي عن ملك فرنسي، لكن بما أن المؤلف مصري، فقد افترض الرقيب أن المسرحية رمزية وبها إسقاطات على بعض الحكّام المصريين. فتحكي المسرحية عن الملك الذى يغتصب كل فتاة تمر بحياته، في القصر ومن العامة ومن أى مكان. حتى يغتصب ابنته التى لم يكن يعلم أنها ابنته. فقد اغتصب أمها من قبل وماتت قبل أن تخبره الحقيقة. وهنا أوّل الرقيب المعنى واتهم المؤلف بتعمده التورية بهذا الملك الفرنسي.
في هذه الدراسة أورد "سيد على إسماعيل" العديد من نماذج المسرحيات الممنوعة من العرض، قديماً وحديثا، وكانت أسباب المنع في كلاهما تقريبًا واحدة. إما لأسباب سياسية أو اجتماعية وإما لإسقاطها على واقع معيّن مظلم لم تكن من مصلحة الحكماء إلقاء الضوء عليه.
|