القاهرة 24 اكتوبر 2023 الساعة 11:55 ص
بقلم: د. حسين عبد البصير
آمن المصريون القدماء في البعث مرة أخرى وفي حياة ثانية بعد الموت وفي الخلود. كانت المقبرة في مصر القديمة مسكنًا للمتوفى. وقامت بوظيفتين أساسيتين. كانت المقبرة توفر حماية غير محدودة للمتوفي للراحة الأبدية، وكذلك كانت مكانًا للمعزين من أهل المتوفي، لأداء الطقوس التي كانت تساعد المتوفي في الحياة الأبدية. لذلك، كان المصريون القدماء جادين جدًا في طريقة بناء مقابرهم.
كان لدى قدماء المصريين مجموعة متنوعة من الممارسات الجنائزية التي اعتقدوا أنها كانت ضرورية لضمان خلودهم بعد الموت. تضمنت تلك الطقوس تحنيط الجسد، وقراءة التعاويذ السحرية، والدفن مع أثاث جنائزي معين يُعتقد أنه كان ضروريًا في الحياة الآخرة.
على الرغم من أن أنواع الأثاث الجنائزي قد تغيرت عبر التاريخ المصري القديم، فإن الغرض منها كان هو حماية المتوفي وتوفير متطلبات العيش مرة أخرى في الحياة الآخرة. ومنذ أقدم العصور في التاريخ المصري، دُفن جميع المصريين مع بعض الأثاث الجنائزي، والذي اعتقدوا أنه كان ضروريًا للحياة بعد الموت. وكانت ذلك الأثاث يتكون من أشياء يومية مثل الأطباق والأمشاط والحلي، إلى جانب الطعام. وكان بإمكان المصريين الأثرياء أن يُدفنوا بالمجوهرات والأثاث والأشياء الثمينة الأخرى، مما جعلها أهدافًا للصوص المقابر.
كان الاستعداد بشكل صحيح للآخرة أحد الممارسات الجنائزية التي اتبعها المصريون. وكانت "الكا" هي القوة الحيوية في المفهوم المصري القديم للروح. ولم تكن تعود إلى جسد المتوفي، إذا لم يكن يتم التحنيط بالطريقة الصحيحة. في تلك الحالة، كان الجسد يتلاشى، وربما أصبح التعرف عليه متعذرًا، مما كان يجعل من الحياة الآخرة بعيدة المنال بالنسبة لبعض الموتى. إذا لم يتم اتخاذ الاحتياطات المناسبة، فقد تحدث اللعنة. وكانت الإدانة تعني أن المصريين لن يعيشوا أمجاد الآخرة. ولن يصبحوا شخصية مؤلهة في العالم الآخر. ولن يتم الترحيب بهم من قبل الآلهة في العالم الآخر.
جاءت فكرة المحاكمة على النحو التالي: كي يتم النظر في قبول بعض المصريين في الحياة الآخرة، كان على أولئك الذين ماتوا أن يخضوا لحكم متعدد الخطوات من قبل بعض الآلهة. تم توضيح مفهوم الحياة والإيمان بها في كتاب الموتى. وكتاب الموتى "برت إِم هِرو"، أو كتاب الخروج في النهار، هو نص جنائزي مصري قديم. وكُتب بشكل عام على ورق البردي. واُستخدم منذ بداية الدولة الحديثة إلى حوالي منتصف القرن الأول قبل الميلاد. و"الكتاب" هو أقرب مصطلح لوصف مجموعة النصوص التي تتكون من عدد من التعاويذ السحرية التي كانت تهدف إلى مساعدة المتوفى في رحلته عبر الدِوات، أو العالم السفلي، وإلى الحياة الآخرة. وكتبه العديد من الكهنة على مدى حوالي 1000 سنة. كان كتاب الموتى، الذي كان يتم وضعه في تابوت أو حجرة دفن المتوفي، جزءًا من تقليد النصوص الجنائزية التي تضمنت نصوص الأهرام ونصوص التوابيت، والتي كانت مرسومة على أشياء، وليست مكتوبة على ورق البردي. تم استخلاص بعض التعاويذ الواردة في الكتاب من تلك الأعمال القديمة والتي يرجع تاريخها إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد. وهو نص جنائزي من عصر الدولة الحديثة.
تألف كتاب الموتى من تعاويذ تتعلق بالميت وبالآخرة. وتعد التعويذة رقم 125، على وجه الخصوص، هي الأهم؛ لأنها تقدم المفهوم الذي كان يتم فيها محاكمة المتوفي في العالم الآخر في محكمة الإله أوزيريس. وتم تصوير تعويذة المحاكمة بشكل مرئي في العديد من الآثار والمناظر المصرية. وقد صورت العملية على النحو التالي. كان يتم وزن قلب المتوفي مقابل ريشة الماعت. وكانت الربة الملتهمة عِممت، تنتظر لتأكل القلب، إذا تبين أن المتوفي آثم. وكان من بين الآلهة المهمة الأخرى، الرب أوزيريس، الذي كان القاضي الأهم في تلك المحاكمة. وكان يصدر النتيجة النهائية لعملية المحاكمة على المتوفى في قاعة المحاكمة. وذلك؛ لأن أوزيريس قام من بين الموتى، واستعاد مكانته الصالحة بعد أن تم نصره ضد أخيه الشرير ست الذي قتله.
وكان المتوفي يدافع عن نفسه أمام الرب أوزيريس. وكان يقول إنه لم يرتكب أية خطيئة، وهو ما يعرف بـ "الاعتراف السلبي". وكان يجلس في قاعة المحاكمة اثنان وأربعون من مساعدي الربة ماعت. وكانوا يشاركون في الحكم على مدى حسن حياة المتوفي. وكان يمثل ذلك العنصر الأساسي لدخول المتوفي إلى الجنة في الحياة الآخرة. وبعد إصدار الحكم النهائي بحسن حياة المتوفي، كان أهله وأصدقاؤه يحتفلون ويتفاخرون بصلاحه ودخوله الجنة في الحياة الآخرة.
|