القاهرة 24 اكتوبر 2023 الساعة 11:39 ص
بقلم: حاتم عبد الهادي السيد
( 1956 - 1973)
لقد شارك الشاعر البدوي في رصد أحداث العدوان الثلاثي مسجلًا في ديوان الشعر البدوي (النبطي) أسمى معاني الحب والانتماء بالانتصار على المستعمرين وتحرير الأوطان من مثل هؤلاء الغاشمين.
هذا ولقد لعب الشعر البدوي دورًا عظيمًا فى الإشادة بأبطال مصر فى كل حروبها خاصة بعد عدوان 1956م ولقد سجل الشاعر البدوي بقلمه ما يختلج في صدره من معاني الانتماء والولاء والوطنية- ومع أن الشعر البدوي اشتهر باسم الشعر النبطي خطأ- إلا أنه يجب الإشارة إلى ذلك لنفرق بينه وبين الشعر الشعبي أو الزجل والشعر العامي كذلك، ولكن قد يسأل سائل فيقول: من أين تعلم البدو الشعر وهم كانوا في عزلة وبعيدًا عن روافد الثقافة والمعرفة؟ والإجابة تكون- كما أرى- في طبيعة الحياة (المكان) في سيناء، حيث الصحراء وشاطئ البحر الأبيض المتوسط الساحر، وحيث النخيل وطيور السمان والبلشون والنوارس المهاجرة، وحيث الفضاء الممتد.
كما أن هجرة القبائل العربية إلى سيناء قد أكسبت سكانها ثقافة مختلطة، فوجدنا قبائل تهاجر من قريش وجذام ولخم وبلى ومن قيس وعيلان وربيعة وجهينة وحمير وبنى جمعة وبني سليم، وغيرهم ممن قصدوا مصر عن طريق سيناء، كما وجدنا بعض القبائل مثل السواركة والترابين والتياها والسماعنة والرميلات والفواخرية والسلايمة وغيرها، وقد جاء هؤلاء بثقافتهم علاوة على وجود بعض الأسر والقبائل التركية الذين نزحوا من البوسنة والهرسك واسطنبول وشبه جزيرة البلقان وغيرها حيث جاؤوا مع محمد علي باشا إلى مصر واستقر بعضهم في القلاع والحصون بشبه جزيرة سيناء، ثم تزوجوا بالسكان هناك فنشأت ثقافات مختلفة.
كل ذلك أثر في اللغة والفكر وأكسب المواطن السيناوي تنوعًا وتعددًا في الثقافات ومع انصهار هذه الثقافات الوافدة بالثقافة المحلية للأهالي تكونت الثقافة السيناوية، وليس غريبًا أيضًا أن تكسب الحروب أهالي سيناء خيالا خصبًا وتفردًا، ناهيك عن وجود الحضارة الفرعونية على أرضها ومشاهدة سكانها لكل الغازين والطامعين الذين جاؤوا إلى مصر عبر أراضيها، علاوة على أنها طريق للحج المصرى القديم، وطريق للعائلة المقدسة إلى القدس، كما أنها فوق كل ذلك كانت طريقًا حربيًا (طريق حورس) وقد أكسبت كل هذه الأحداث أبناء سيناء ثقافتهم إلا أن البدو المهاجرين من الجزيرة العربية احتفظوا بطابع البداوة كثقافة خاصة بهم وحافظوا على عاداتهم وتقاليدهم ولغتهم فنشأ الشعر البدوي الذي أرخ لسيناء: تاريخها وحضارتها، وأكسبها تميزها أيضًا.
هذا ولقد شارك أبناء سيناء فى ثورة 23 يوليو 1952م، كما شاركوا فى الدفاع عن الوطن عام 1956م ورأينا مئات الشهداء من البدو يموتون دفاعًا عن الوطن، وقد سجل ديوان الشعر البدوي السيناوي هذه البطولات يقول شاعرهم :
مضت علينا أعوام وسنين وسنين
لعبوا بنا الأفرنج على هواهم
والواسطة منا ملوك وسلاطين
منهم تعذبنا وذقنا بلاهم
في ألف وتسع مئة وخمسين واثنين
ثاروا رجال الشعب والله هداهم
جمال وصحبته ومن وراهم ملايين
فكوا جيوش شعوبهم من عداهم
جمال جاب الحق من ها الملاعين
بالرغم من أنوفهم مع لحاهم
أمم قنال الشعب رغم العدوين
وان ما عجبهم مستعد للقاهم
واللى حصل عام ستة وخمسين
توافقوا على غدرنا من هواهم
طبع اليهود الغدر حين بعد حين
نكثوا عهود الأنبياء من عماهم
بريطانيا وفرنسا ها الملاعين
لما اعتدوا على مصر ما لن هداهم
ومعهم بن جوريون ها الكافر الشين
جيشه عدو الدين واحنا عداهم
غاروا علينا ناس ماعندهم دين
بارودهم تتلامعن تبين ايداهم
جمال لحق جيشهم سكة الدين
ولخبط عليهم أرضهم مع سماهم
والله ما يدوموا حكومة بفلسطين
وجيوش العروبة حايطه من وراهم
شباب العرب عزهم نصرة الدين
أهل السعد من يوم ربي نشاهم
لو سلحونا كان حنا حظيظين
يوم النهار الشين نفزع معاهم
لكننا شعوب وللحكومة مطيعين
ووين ما صلوا نصلى وراهم
وشاعرنا هنا- يحدثنا عن الثورة وعن حرب 1956م وبطولات رجال قواتنا المسلحة ضد اليهود والإنجليز والفرنسيين، وكان يتمنى أن يتم تسليح أبناء سيناء حتى يكونوا مستعدين في أي وقت للدفاع عن الوطن في الشدائد والمحن، كما يؤكد أن أبناء سيناء مطيعون للحكومة وللدستور المصري ويتحملون أى مسؤولية وأي تضحيات من أجل مصرنا الحبيبة، ولا شك أنها وطنية لا تحتاج إلى تشكيك أو مزايدة، فأبناء سيناء هم حماة الوطن على البوابة الشرقية.
ومن الأمثلة التي نسوقها من ديوان الشعر البدوي قصيدة للشاعر (سلمى الجبري) أحد شعراء سيناء، حيث يصف حال أبناء سيناء بعد انسحاب الجيش المصرى عام 1956م وفيها يدعو المواطنين إلى الصبر وعدم الخوف لأن الأمل قادم لا محالة، بل يدعوهم لمحاربة الاستعمار حتى آخر قطرة في دماء أبناء سيناء من البدو والحضر، يقول:
وسرنا ندادي ومشينا بالقيولة
ونخاف فيك عقب ما أنت لنا دار
فيك عدو الله رابط خيوله
والله ما يرضى بك عند كفار
سيناء ما عادت ردصا بالسهولة
إن ما غزاها يوم قد ألف طيار
إن ما غزاها سرب من كل دولة
وجيوش من فوق مجنزرات تقذف النار
لما دخنها يصير مثل الثعولة
يا نموت يا نعيش في عز وأحرار
والخوف ما طول أعمار النذولة
دون الوطن كلنا جنود وثوار
ثم يصف بسالة أبناء سيناء في التصدى للمستعمرين، فيصفهم بأنهم وقود النور والنار وأنهم ناضلوا من أجل تحرير أرض سيناء المحتلة، كما كانوا من قبل مشاركين في تعمير سيناء بعد كل حرب خاضتها مصر من أجل الكرامة الوطنية يقول :
ذكرت فعل جيوشنا يوم الأخطار
جيوشنا في الملاقي عنيدين
جيوشنا أبطال الأدوار الأطوار
وتشهد لهم القناة في حروب كثيرين
ورجال سينا وقود النور والنار
ناضلوا للتحرير وكانوا قديرين
ثم يصف شاعرنا تكاتف أبناء سيناء مع رجال القوات المسلحة في حرب الشجاعة التي أدت إلى رضوخ المستعمر وانسحابه من مصر يجرجر أذيال الخيبة والندم أمام إصرار القيادة المصرية بزعامة الرئيس البطل/ جمال عبد الناصر فنراه يقول:
عهد التكاتف في الوفا والشجاعة
لأبطالنا وجيش مصر العتيدي
لا يرضخ جيشنا لمن هو يريد الطماعة
وقادته من ساسه من قديمٍ تكيدي
وتشهد أرض سيناء لأهل الوفا بالشجاعة
جيش الوطن قدم الدرس لكل باغ عنيدي
وهذا هو الشاعر حامد أبو إبراهيم من شعراء البادية يبعث بتوجيهات خاصة للبدو والحضر المقيمين على أرض سيناء لتثبيت الإرادة الوطنية لديهم، واصفا عبد الناصر بأنه الرئيس القوي، وأن مصر تمتلك من الصواريخ والعتاد ما يجعل أي قوة صهيونية تخشى بأس جنودنا البواسل حيث يقول:
على جناح الطير لأبعث مراسيل
لأهل العقول اللي تقدرن جوابي
لرجال سينا معزة الركب والخيل
يا صابرين على الشقا والعذابي
ابشروا بالخير لازاود الكيل
نطلع لجيوش العدا من الطوابى
وعبد الناصر عنده صواريخ بالميل
تعطي بلاد العدو تغدى خرابي
ويتجلى الشعر البدوي واصفًا جهاد أبناء سيناء وصمودهم، كما يصفهم بأنهم عيون الجيش لأنهم كانوا يساعدون قواتنا المسلحة، ويدلونهم على المسالك الممهدة في الصحراء، كما كانوا يعملون عيونًا للجيش وللإدارة المصرية ضد المحتل الغاشم، يقول شاعرهم/ سليمان عياط :
وفي أرض سينا ريح الأصالة بيشتم
والرجال كما خاضوا من أمور قهورة
وفي محنة الاحتلال أعز وأعظم
والرجال على طلب المعالي صبورة
ويوم أظلم ليل الاحتلال وأعتم
كانوا حتى الصبح يوم شع نوره
عيون الجيش ليالى الحزن والهم
وجنود العمار في ربوع الوطن باروده
هذا ولقد تجلى شاعرنا حماد أبو محمود في وصف رجال قواتنا المسلحة في دفاعهم المستميت عن أرض سيناء، وفي الكر والفر، واصفًا مصر بأنها درع الوطن العربي، وهذا دليل على حب أبناء سيناء للتراب الوطني ودفاعهم عن الوطن، يقول:
سميت باسم الله وخطيت بالعود
من بعد فرقات الليالى الطويلة
واليوم في الميدان ليكون يوم مشهود
والليبي يظهر من بنات الشعيلة
وحفظي من ركوب الخيل
واعد ومن رب موعود
وديما مع الأجواد يعمل نفيلة
وجوده منين ما يجود بيرسم جود
وجوده بيظهر في السنين المحيلة
واللي بدا بالجود والخير ما يجود
والخير من اللي دوم حاير دليله
ومن خيرك يا مصر تعطؤ بلا حدود
ولا عمرك على المحتاج كنت بخيلة
مصر يا درع الوطن لكب بأذن جهود
وفي الحرب ويا السلم أنتى الدليلة
سلاحك الإيمان قبل ما يصير بارود
والإسلام بالإيمان يصبح تفضيلة
وكم طامع بسلاحك مرجود
يمسى ويصبح ما يحقق صميلة
ومن عادة الفرسان طارد ومطرود
وأما المدد والعون ربي كفيلة
والخيل بنواصيها الخير معقود
والنصر لكي يا مصر ما فيه حيلة
وصلوا على اللي للشفاعات محمود
محمد رسول الله نال الفضيلة
هذا ولقد تبارى شعراء سيناء لاستنهاض الهمم ومحاربة الصهاينة، فها هو شاعر البادية وأمير شعراء البدو الشيخ عنيز أبو سالم يحث الأهالى لمناهضة المحتل الغاشم، فنراه يصف الأهالى بالسباع الذين يجب عليهم الانقضاض على قطط اليهود وقائدهم (موشب ديان) كما ينصحهم بالتسلح بالإيمان والشهادة والموت من أجل الكرامة الوطنية ومن أجل أن ترتفع رايات مصر خفاقة فى العلا، يقول:
قال العرادى عند مبدا قصيدة
لا بد ما تروى من الدم ريضان
وقال ديارنا ما هي علينا بعيدة
ولا بد ما نردها كيف، كيف ما كان
ونبدل الحزن بليالى سعيدة
ولو شرينا كل شبرين بإنسان
يجمع موحد كلمته مع عقيدة
وبارودهم على خطفة الروح دجان
والكل رافع راية النصر بايده
والروح متكفل بها صاحب الشان
وعدونا ناره علينا شديدة
وقدم لنا من العلقم كاس مليان
والمعتدي يستاهل الضرب على إيده
حتى يعرف أن صاحب الحق سلطان
والله يعطي النصر لمن هو يريده
ولا انتصر مخلوق ما عنده إيمان
واسبد ربك ما يحاسب عبيده
وينصب لكل اللي عملناه ميزان
ولا بد ما يطلب الحق سيده
ولا بد ما تبقى سواليف عربان
السبع عيب يصير للقطط صيده
واحنا حرام نسير طمعة لديان
هكذا حفظت ذاكرة الشعر تلك البطولات الرائعة لأبناء سيناء، ولرجال القوات المسلحة المصرية ولإصرار الشعب المصري على طرد المحتل الغاشم ولتحقيق النصر على أعداء الوطن.
|