القاهرة 15 اكتوبر 2023 الساعة 12:27 م
بقلم: أمل زيادة
عزيزي عمر خورشيد،،
مر أسبوع ثقيل من أصعب أيام حياتنا، بدأ الأسبوع بذكرى يوم النصر الغالي يوم 6 أكتوبر، وتبعه نصر طالما حلمنا بحدوثه، حلم لم نره يتحقق حتى ولو في أفلام الخيال العلمي، حلم ولد داخل كل عربي، حب القضية الفلسطينية، فاجأتنا المقاومة الفلسطينية بهجمات منظمة أدخلت السرور على قلوبنا، ليظل يوم 7 أكتوبر يومًا مميزًا آخر من أجمل أيام حياتنا.
مما لا شك فيه، أن لكل شيء ثمن، وأن الحروب يسدد فاتورتها الشعوب، وهذا ما يحدث الآن على أرض الواقع، كنا نتوقع تبعات ما حدث، لكن تظل الحرب شيئا قاسيًا..
معاصرة حدث مثله أمر يحتاج لقدرات خاصة، لا أعتقد أني أمتلكها، رغم الألم والحزن الذي يخيم على الأجواء إلا أن مشاهد الانتصارات التي أثلجت صدورنا لها مفعول السحر..
لي صديقة تقيم هناك وسط النيران، داخل أرض المعركة، امتدت صداقتنا لما يزيد عن عشرين عامًا، انقطعت أخبارها، بدأ القلق يجد طريقه لقلبي، ما السبيل للاطمئنان عليها، حتى هداني تفكيري وتواصلت مع أخوة من قلب فلسطين النابض تمكنوا من الوصول إليها، وطمأنتي عليها هي وأسرتها الصغيرة.
صديقتي هذه طالما راودها حلم الهجرة هي وأبناؤها، شأنها شأن من تقطعت بهم السبل داخل مجتمعاتهم المحدودة الموارد، ترغب في الاندماج في مجتمعات أخرى وثقافات أخرى، ربما وجدت ما تشعر بافتقاده في محيطها.
عندما انقطعت أخبارها بشكل مفاجىء، تساءلت هل تراها تشعر بالخوف أم الندم؟! ربما تشعر بالخوف أكثر من الندم، حتى أن أحد أبنائها رغب في الهجرة بطرق غير شرعية، لكنها رفضت بشدة كما رفضت أنا عندما أخبرتني.
عندما اندلعت الحرب، تساءلت هل ترانا أخطأنا؟
هل كنا من الأنانية أن أحبطنا محاولة قد تجدي نفعا، هل كان يتوجب علينا تركه يجرب، ربما نجا ووصل لشاطئ الأحلام؟!
استفقت من تساؤلاتي بفزع، ليقيني أنهم يهربون من الموت للموت، ما أصعبها خيارات وما أقساها حياة!
عزيزي عمر خورشيد،،
يزداد يقيني كل يوم بأن هذه الحياة ليست عادلة على الإطلاق، كنت أعتقد أني شخص مليء بالطاقة والتفاؤل، إلا أن الأخبار المؤسفة ما زالت تلاحقني أينما ذهبت..
رحل عن عالمنا شخص عزيز آخر، رجل تقي، شخصية مختلفة قد تكون نادرة، أستاذ اللغة الإنجليزية الذي رافق ابني طيلة رحلة تعليمه منذ كان في الصف الرابع الابتدائي، لم يكن مدرسًا فقط، إنما أبا له ولرفاقه، أرى أن الضمير خلق أولًا، ثم جاء هو ليحصد كل الضمير الموجود في العالم.
هذا المدرس الفاضل علم ابني معنى أن يكون رجلًا على خلق، وكيف يتحمل المسؤولية، حيث أوكل إليه وإلى زملائه مهمة توصيل زميلاتهن لمنازلهن خشية تعرضهن لأية مضايقات، زارعًا فيهم ببساطة النخوة والرجولة وتحمل المسؤولية، ناهيك عن تفانيه وإخلاصه المنقطع النظير في عمله، رجل أتمنى أن يجود الزمان بمثله، فهناك أشخاص نتمنى أن تكون منهم نسخٌ عديدة، هذا المدرس واحدٌ منهم..
المدهش في الأمر، أنه قام بتسجيل مقطع فيديو يطلب مسامحتنا، وطلب الرحمة لأن الوقت الذي سنشاهد فيه الفيديو سيكون قد غادر دنيانا وبحاجة للدعاء، لم يكن يتحدث بخوف أو تردد، إنما بهدوء وثقة في أنه سيغادر هذا العالم قريبًا وقريًبا جدًا..
تساءلت بدهشة هل يمكن أن أفعلها يومًا؟! أن أترك مثل هكذا شيء؟ لكني لا أملك القدرة على مسامحة من تسبب بإيذائي يومًا.. لا أسامح من حولني من شخص محب متسامح ومقبل على الحياة، إلى النقيض، لشخص داخله كره تجاه أشخاص بعينها!
كيف أطلب من الآخرين فعل شيء لا أستطيع القيام به؟!
عزيزي عمر خورشيد،،
وسط كل هذه العتمة أشرق يومي، وتسارعت دقات قلبي، عندما شاركنا لحن رصاصتك التي أحب حفل الذكرى الخمسين لانتصارات أكتوبر.. كم كانت سعادتي عندما شاركنا لحنك الاحتفالات بالذكرى والنصر، رغم كل هذا الضباب المحيط بحياتنا.
أدركت حقيقة واحدة أنك وحدك القادر على القضاء على الهموم بمنتهى البساطة، فقط بالاستماع إلى لقاء من لقاءاتك النادرة أو لموسيقاك الآسرة..
عزيزي عمر خورشيد،،
كن بخير، لأننا بحاجة لنكون مثلك.
|