القاهرة 10 اكتوبر 2023 الساعة 01:01 م
كتب: عاطف محمد عبد المجيد
الباحث في شخصية التركي الرعوية، لا يجد فرقًا يُذكر بين أتاتورك العلماني وأردوغان الشعبوي، ولا بين محمد الفاتح وسليم الغازي، فداخل كل تركي يوجد هذا الذئب الأغبر الذي يجوس البراري والقفار، بحثًا عن صيد أو سطو، دون أي وازع من أخلاق أو ضمير.
هذا ما يقوله الكاتب الصحفي محسن عبد العزيز في كتابه "ليل الخلافة العثمانية الطويل.. سيرة القتل المنسية" الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، وفيه يرى أن اللحظة التي طلع فيها الأتراك على مسرح الأحداث كانت بداية الانهيار لأمتنا، مضيفًا أن الأتراك برابرة عاشوا على هامش الحضارة العربية، كما عاش برابرة الجرمان على هامش الحضارة الرومانية، وأسقطوها كما أسقط الأتراك الحضارة العربية.
ما يذكره الكاتب هنا أيضًا أن الأتراك عندما أقاموا دولتهم على أنقاض الحضارة العربية الإسلامية، وسرقوا الخلافة وزعموا أنهم خلفاء، فإنهم سرقوا الصنّاع والتجار، وحتى المشايخ، وحملوهم إلى إسطنبول، خاصة وأن تركيا لم يكن لديها قط ما تعطيه، مؤكدًا أن عقلية القرصان تقوم على السطو والقنص والهدم والسرقة، بلا أي وازع أو ضمير، والباحث في تاريخ تركيا الدموي لن يجد أي صعوبة في الاستدلال على غياب الأخلاق والضمير في قمة السلطة والحكم في تركيا، أي الخليفة أو السلطان، والصدر الأعظم، وحتى المفتي.
هنا يرى الكاتب أن تركيا تعيش لحظة الارتباك مرة أخرى، فإذا كان أتاتورك أخذها إلى الحداثة والتقدم، فأردوغان يعود بها مرة أخرى إلى عقلية الذئاب والقرصنة، ليضيف حيرة وتشتتًا إلى الشخصية التركية الضائعة بين الشرق والغرب، فلا هي شرقية ولا هي غربية، كما يقول أن تركيا أردوغان تقوم بدور القرصان، كأفضل ما يكون، فلا نعرف مع من تحارب، ولا من تصالح، وعدو اليوم هو صديق الغد، وصديق اليوم هو عدو الغد، ولا يوجد سبب للصداقة أو العداوة إلا القرصنة، مثلما يرى أن الحاكم التركي يتشبه دائمًا بالذئب الأغبر شعار قبيلته القديم، يراوغ ويخون ويغدر، حتى يلتهم الفريسة دون أي رحمة أو شفقة، والعرب دائمًا، يقول الكاتب، هم ضحيته، ولا يصده عن الافتراس إلا مصر حائط الصد لهذه الأمة.
هنا وفي كتابه الذي يصفه بأنه ليس تأريخًا لدولة السفاحين العثمانيين، لكنه يصور لحظات مما قاموا به من تخريب وتدمير لمقدرات هذه الأمة، طال المسجد والمدرسة والمستشفى، والبشر والشجر والحجر، كما يصور لحظات دالة وكاشفة على الشخصية التركية وبنية العقل التي تحكمها في غياب البُعدين الحضاري والأخلاقي لهؤلاء الرعاة القساة، هادفًا هنا إلى كشف الخديعة التي يرددها البعض جهلًا وزورًا بأن خلافة العثمانيين السفاحين قامت بحماية الإسلام، بينما الحقيقة أن العثمانيين هم تتار هذه الأمة وبرابرتها كما قال جمال حمدان، وإنهم دمروا الحضارة الإسلامية عندما أصبح لهم الغلبة، في الماضي، على عقل هذه الأمة وفلسفتها، يشير إلى أن الغزاة دائمًا ما يحتاجون إلى أعذار واهية حتى يقوموا بغزو بلاد الآخرين، كأن يرفعوا شعارات دينية أو إنسانية كالعدل أو حماية الخلافة الإسلامية، رغم قتلهم للبشر في طريقهم للغزو، وسحقهم للعدل، وسيرهم بالأقدام فوق كل ما هو مقدس، وهو ما قام به سليم الأول عند الاعتداء على مصر وغزوها، ذاكرًا أن رجل أوروبا المريض، يقصد أردوغان، يبدو أنه لا يريد أن يتعلم الدرس أبدًا، مشيرًا إلى أن الأتراك هم قبائل بدوية عاشت وسط آسيا، وبعد الفتح الإسلامي، كان الأمويون يجلبونهم كعبيد، وعندما جاءت الخلافة العباسية استعانت بهم كجنود مرتزقة، واستطاع السلاجقة أن ينشئوا دولة لهم في الأناضول.
الكاتب الذي يذكر هنا أن الخلافة العثمانية كانت خلافة سفاحين، لا تتورع عن قتل أي معارض أو مفكر مهما كانت قيمته، كما فعلت مع عبد الرحمن الكواكبي، يؤكد أيضًا أن الأتراك كانوا بعيدين عن عقل الحضارة العربية وفكرها الفلسفي، ولذلك انجذبوا إلى الفكر السلفي المتخلف الذي كان يناسب عقولهم، فأصابوا تيار العقل والتفكير بالجمود والتراجع حتى انهارت الحضارة الإسلامية، متسائلًا متى تدرك بعض الدول المتحالفة مع أردوغان أن عقلية القرصان التركي لا تفرّق بين دولة وأخرى؟ ذاكرًا أن من قام بتدمير الحضارة العربية لن يتوقف عن تدمير دولة هنا وأخرى هناك.
مما يراه محسن عبد العزيز هنا أن الدول تبحث عن الجديد دائمًا في عصور القوة والازدهار، وفي حالات الضعف تبحث عن القديم بخرافاته، وينطبق هذا على مصر مثلما ينطبق على الدول الأخرى، مشيرًا إلى أن مصر انحازت إلى الصناعة في تجربة محمد علي القوية، وبعد موت محمد علي ومجيء عباس الأول عاشت مصر مرحلة انهيار سريع، مثلما يشير أيضًا إلى أنه بعد نجاح ثورة 25 يناير استطاع الإخوان أن يقتنصوا كرسي الحكم بالحيلة وخداع الجماهير، وعادت تركيا لتطل على المشهد المصري مرة أخرى حتى جاءت ثورة 30 يونية لتُسقط حكم الإخوان، ومعه مؤامرة الأتراك الذين لا يعترف الغرب بهم جزءًا منه رغم عضوية الناتو، والشرق لا يعترف بهم جزءًا أصيلًا من حضارته وثقافته، رغم أنهم سرقوا الخلافة لقرون، كذلك يرى الكاتب أن تركيا ستظل دولة برابرة تقوم على القرصنة وتمد بصرها حيث يوجد الغاز أو البترول، ويستيقظ ضميرها لحماية الشعب الليبي، لكنها لا تفكر أبدًا في حماية الشعب الفلسطيني، لأن فلسطين ليس لديها لا غاز ولا بترول.
هنا أيضًا يذكر الكاتب أن هناك متشابهات تغري بالمقارنة بين مصر وتركيا، فتركيا جسر بين آسيا وأوروبا، كما أن مصر جسر بين آسيا وأفريقيا، بل إن الجسم الأكبر في كل منهما يقع في قارة، بينما لا يقع في القارة الأخرى إلا قطاع صغير، مؤكدًا أن الصراع بين مصر وتركيا هو صراع قوى النور وقوى الظلام، فمصر أينما تحل تكون الحضارة والفكر والإبداع، بعكس تركيا التي تحمل الخراب في كل مكان، مستنكرًا وساخرًا من إضافة كلمة حضارة إلى تركيا، فالأتراك ليسوا سوى قبائل رعاة أغاروا على الممالك حولهم، وكوّنوا إمارتهم في الأناضول ثم اندمجوا في الحضارة الإسلامية كعبيد ثم جنود مرتزقة، وكانوا أحد أهم أسباب ضعفها وسقوطها تحت أرجل التتار عام 1258 ميلادية، وقد تصدت مصر لهؤلاء التتار وهزمتهم في عين جالوت 1260 بقيادة قطز، كما تصدت للصليبيين حتى أخرجتهم من المنطقة نهائيًّا، مؤكدًا أيضًا أن مصر أصبحت أكبر قوة في العالم الإسلامي تدافع عن مقدساته وتصد المعتدين على الأوطان، حتى خرج العثمانيون من جحورهم كالجراد وهاجموا مصر، متأسفًا أن مصر هُزمت من هؤلاء البرابرة، ومنذ تلك اللحظة أصبح الصراع سجالًا بين الحضارة المصرية والبربرة العثمانية، مقارنًا بين مصر التي ترسل الفنون والآداب والفكر إلى ليبيا وسوريا، وتركيا التي ترسل الإرهابيين والقتلة المأجورين.
هنا وبعد أن يتساءل متى كان للمرتزقة والقتلة ضمير؟ مستنكرًا رغبة أردوغان في العودة إلى الخلافة العثمانية ساحبًا خلفه تيار الإسلام السياسي كالمكفوفين بلا وعي ولا فكر ولا ضمير، يقول محسن عبد العزيز إذا كان الاستعمار هو سيطرة حضارة راقية على حضارة متخلفة، فإن الاستعمار التركي للعالم العربي يبدو استعمارًا عكسيًّا مقلوبًا ولذلك جاء عقيم الإنجازات، وقد جاء مرتديًا مسوح الإسلام ثم قام بابتزاز الدول التي احتلها وعصر مواردها وأرسلها إلى عاصمته، مشيرًا إلى أن تركيا لم تظهر على مسرح السياسة العالمية إلا بعد أن قفزت على خلافة الإسلام قفزًا واغتصابًا، بل لم تجد مبررًا لوجودها بعد ذلك إلا في دعوى الإسلام، ذاكرًا أن الاحتلال الفرنسي على بشاعته كان حاملًا لشعلة الحضارة، ورغم أن الحملة الفرنسية لم تبقَ في مصر إلا قرابة ثلاث سنوات، فإنها كانت كافية لتثير خيال المصريين وعقولهم، بعد أن استطاعت البعثة العلمية المصاحبة للحملة كشف غموض حجر رشيد، وكذلك القيام ببحث علمي دقيق لكل أحوال مصر، ووضعوه في كتاب وصف مصر، مؤكدًا أن التاريخ يعيد نفسه، ونحن لا نتعلم أبدًا.
إلى جانب كل هذا وبعد أن يذكر أن مؤرخي الإسلام السياسي الذين يكرهون العقل والتفكير، يقومون فقط بالبحث عن مميزات واهية للخلافة العثمانية البربرية، ضاربين عرض الحائط بأهم صفات المؤرخ كالموضوعية والعقل، ومتى كان لتيار الإسلام السياسي أو الأتراك عقل؟ هؤلاء مجانين العصر وكل عصر، يكتب محسن عبد العزيز هنا عن جمال حمدان وبرابرة الأتراك والتتار، عن العثمانيين الذين سرقوا القمح، عن إبراهيم باشا نابليون الشرق، عن سحب الأفغاني بيعته للخليفة، عن أمبراطور الحريم والخصيان، عن قتل الأتراك للكواكبي، عن التركي الأسود وأديب نوبل، عن الخليفة الذي لا يحج، عن هروب الخليفة العثماني، وعن صاحبة قواعد العشق التي أصبحت لقيطة إسطنبول.
|