القاهرة 10 اكتوبر 2023 الساعة 12:58 م
بقلم: محمود الغيطاني
في عام 1984م بدأت موجة كاسحة لمجموعة من الأفلام التي يصنعها عددٌ من مُخرجي السينما في خلال عدة أيام لا تتعدى الأسبوع- على أكثر تقدير- وبميزانية شديدة الضآلة؛ ليسرع هؤلاء الصُناع بتعليب أفلامهم التي صنعوها في شرائط الفيديو- بدلا من عرضها في دور العرض السينمائي- وتصديرها إلى دول الخليج لا سيما المملكة العربية السعودية.
هذه الموجة من الأفلام المُتهافتة التي لم تقدم لنا أي شيء له علاقة بصناعة السينما، بل اهتمت بالهزل واللامعنى، أطلق عليها نقاد السينما أفلام المقاولات، وهي الأفلام التي عملت على مُنافسة ما يقدمه مخرجو الواقعية الجديدة بشراسة، حتى باتت تيارا موازيًا له ثقله وخطره على صناعة السينما والانحدار بها نحو هاوية جديدة تكاد أن تشبه هاوية سقوط السينما في السبعينيات، وإن كان سقوط الثمانينيات أكثر سوقية ورداءة، وفراغًا، وابتذالا؛ لتبنيه قيم الحرفيين والغوغاء التي سادت في فترة الثمانينيات بسبب سياسات السادات الانفتاحية السابقة التي غلّبت كل ما هو سوقي وحرفي وبذيء على ما هو راق وينتمي إلى التعلم أو الثقافة أو الفن!
هذه الموجة من الأفلام الفارغة كان لها جمهورها العريض من غير المُتعلمين وأنصافهم الذين لا علاقة لهم بالسينما، كما كان لها مُخرجيها الذين لم يقدموا سوى هذه النوعية من الأفلام، وهم المُخرجون الذين لم يعد يذكرهم التاريخ السينمائي؛ نظرا لأن ما صنعوه من أفلام لم يبق منها في تاريخ السينما أو ذاكرتها شيئا مثل المُخرجين صلاح سري، وناصر حسين، وسيد سيف، وإسماعيل حسن، وإبراهيم عفيفي، وأحمد ثروت، وغيرهم من المُخرجين الذين رأوا أن صناعة هذه الأفلام هي المُناسبة لهم كي يعملوا في مجال السينما المصرية.
كما لا يمكن إنكار أن هذه النوعية من الأفلام كان لها نجومها الذين رأوا فيها البيضة التي تبيض لهم ذهبا؛ ومن ثم لم يعنهم ما يقدمونه بقدر ما اهتموا بالمال الذي سيأخذونه في مُقابل تقديمها، ولقد كان أبرز نجوم سينما المقاولات إسعاد يونس، وفريدة سيف النصر، وسمير غانم، وسعيد صالح، ويونس شلبي، وغيرهم من المُمثلين الذين رأوا أنه لا غضاضة من تقديم أفلام سينمائية بمثل هذا القدر من التهافت والهزلية ما دام سيقابل هذا الهزل الكثير من المال.
إذن، فلقد كانت البداية الحقيقية لأفلام المقاولات في السينما المصرية عام 1984م، وهو ما أدى إلى ارتفاع الإنتاج السينمائي المصري فجأة إلى 63 فيلما في هذا العام؛ نظرًا لوجود الكثير من الأفلام الرديئة، إلى جانب غيرها من الأفلام النوعية التي يقدمها رواد الواقعية الجديدة وغيرهم من المُخرجين الجادين.
في هذا العام قدم المُخرج أحمد ثروت فيلمه "كله تمام" الذي كتب له القصة والسيناريو والحوار محمد أبو يوسف بالاشتراك مع المُخرج نفسه، وهو الفيلم الذي لا يقدم لنا أي شيء له علاقة بصناعة السينما سوى الهزل والمزيد من الهزل الذي لا معنى، ولا قيمة له سوى إثارة الغثيان مما يدور أمامنا على الشاشة، سواء على مستوى الأداء التمثيلي، أو القصة، أو الحوار الذي كان عبثيا ولا معنى له؛ الأمر الذي يعطينا نموذجًا واضحًا لفداحة الأفلام التي قدمها مخرجو المقاولات في هذه الحقبة الزمنية من عُمر السينما المصرية.
يبدأ الفيلم على مشهد فتحي- قام بدوره المُمثل سمير غانم- جالسًا أمام التلفاز في بيته بينما يتابع برنامج الأطفال الذي تقدمه زوجته المُذيعة المشهورة سهير وجدي- قامت بدورها المُمثلة إسعاد يونس- التي تُحادث الأطفال بحديث لا يمكن أن يكون من أحاديث العقلاء قائلة: وكمان الطفل يونس شلبي، قلت لك ميت مرة يا يونس، ميت مرة: متلفش كتبك في جرنان، الواحد يحط كتبه في شوال، أو في زكيبة قماش تكون واخدها من صاحبك سعيد صالح!
مثل هذا الحديث الذي نستمع إليه من مُذيعة تقدم برنامجا للأطفال لا يمكن لنا أخذه على محمل الكوميديا؛ فهو لا يحمل في فحواه أي شكل من أشكال الكوميديا التي قد يبرر بها صُناع الفيلم ما ذهبوا إليه، بل هو حديث يحمل الكثير من الهزل، والاستهانة بصناعة السينما والمُشاهد معًا، وليس من العقلاني مُطلقا توجيه مثل هذا الحديث للأطفال حتى لو على سبيل الكوميديا المُفتقدة التي قد يذهب إليها صُناع الفيلم من أجل تبريرها.
نُلاحظ أن فتحي يشعر بالرعب الشديد من الطباخ علي- قام بدوره المُمثل علي الشريف- وهو الطباخ الذي يتعامل معه هو وزوجته وكأنه هو مالك البيت، أو كأنه السيد وهما من يعملان لديه، كما نراه كثيرا ما يزجرهما ويسبهما بينما هما راضخين تماما أمامه غير قادرين على التنفس أو التفوه بكلمة واحدة أمامه!
يعمل فتحي ككاتب مقال في إحدى الصحف، ويظن في نفسه العبقرية في مجال الصحافة، وأن ما يكتبه شيئا مُهما ذا قيمة لا يمكن الاستغناء عنه، بل ويرى نفسه مظلوما؛ لأنه لم يأخذ فرصته الحقيقية من الشهرة، بل يتقاضى 30 جنيها فقط على المقال الذي يكتبه.
تصل سهير إلى البيت ليستقبلها فتحي كطفل صغير يفتقد أمه قائلا: يا حبي وحشتيني، اتأخرتي ليه أوي كدا؟ لترد عليه: إيه يا بيضا؟ أنتي بتخافي تقعدي لوحدك يا بيضة؟ فيقول: طبعا، مكدبش عليكي، حد مجنون يقعد مع الطرزان دا عم علي؟! دا يرعب بلد، مبيرضاش يلبي لي أي طلب نهائي!
ربما نلمح في مثل هذا الحوار الكثير من الاستخفاف والهزل الذي يقدمه الفيلم؛ فصُناع الفيلم يرغبون في التأكيد على الخوف الشديد، والخشية من علي الطباخ الذي لا يلبي لهما طلباتهما وكأنه يحتل المنزل، أو أنه مالكه الحقيقي بينما هما مُجرد ضيوف عنده.
تُلاحظ سهير أن فتحي مُنشغلا في كتابة شيء ما، وحينما تسأله عما يشغله يقول لها: أنا بكتب مقالة صحفية طبية فسيولوجية هتاكلي صوابعك وراها. فتسأله: عن إيه يا حبيبي؟ ليقول بسماجة: البيض، لماذا يا أطباء العالم، يا مُخترعي المُعجزات لا تلد الفرخة بدلا من أن تبيض؟ لتسأله: ازاي الفرخة تولد بيضة مسلوقة؟! ليرد: دي عايزة تفكير يا حبي؟ احنا لو اديناها شوية ميه سُخنة، بلاش بتغلي عشان متموتش، ميه دافية هتنزل البيضة برشت، ودا مُفيد. فتسأله سهير: طب ولما نعوز نلون البيض عشان شم النسيم؟ يقول: عايزين بيض أحمر نديها ميكروكروم، عايزين بيض أزرق نديها توتيا زرقا، عايزين بيض أصفر اديها الصفرا. لتقول: طب الأومليت نعمل فيه إيه؟ ليرد: اديها شربة ياخدوا أومليت للصبح!
من خلال هذا الحوار الهزلي الذي لا معنى له، ولا يمكن له أن يضيف أي شيء إلى سيناريو الفيلم أو أحداثه سيتأكد لنا أننا أمام مسخ يطلقون عليه اسم الفيلم السينمائي، فلا يوجد حوار من الأساس، بل مجموعة من المُهرجين الذي يحاولون تقديم تهريجهم رغم أنه لا طعم له، ولا لون، ولا رائحة.
حينما يتجه فتحي إلى الجريدة التي ينشر فيها مقالاته نُلاحظ أن السكرتيرة سلوى- قامت بدورها المُمثلة فريدة سيف النصر- تشعر تجاهه بالكثير من الإعجاب الذي قدمته المُمثلة بشكل فيه الكثير من الابتذال، لكن الكارثة الحقيقية حينما تنتقل الكاميرا إلى مكتب رئيس التحرير ونراه جالسا مع أحد الأشخاص ليقول له: تعرف يا خواجة، أنا أجعص كوفتجي في البلد كلها، أنا كنت أعمل صُباع كفتة ميعملوش كفتجي في العالم، أصغر صُباع كفتة كنت أعمله كان كدا حاجة بتاعة نص متر. ليرد عليه الرجل مُندهشا: نص متر؟! فيقول رئيس التحرير: آه، دا صُباع كفتة عشان الأطفال. ليسأله الرجل: وعلى كدا مبينكسرش منك الصُباع دا؟! فيقول: لا، ينكسر ازاي؟! ما أنا كنت ببيع الصُباع بسيخه! فيسأله الرجل: وإيه اللي خلاك اشتغلت صحفي أومال؟! ليقول: دا سؤال حلو يا خواجة، أنا كان ليا واحد صاحبي صحفي إنما دمه خفيف أوي، جه اتحداني، قال لي: شوف، لو عملت لي صُباع كفتة طوله 40 كيلو متر، أنا هعمل لك دعاية محصلتش، قلت: ماشي، عملت التحدي، أتاريه كان عازم واحد صاحبه في بنها، عملت له الصُباع، قعد بيه في شبرا وصاحبه بقى ياكل وهو في بنها، صاحبه ياكل ويقول له: اسحب، يروح مدي له الصُباع!
ربما حرصنا هنا على تتبع هذا الحوار الشديد العبثية لبيان مدى الهزل الذي يحرص عليه المُخرج في صناعة فيلمه الذي لا معنى له، كما أننا لا بد لنا من التساؤل: ما علاقة كل ما قاله رئيس التحرير بأن يعمل في الصحافة، وما علاقته بالصحافة كي يكون رئيسا لتحرير إحدى الصحف؟!
يدخل فتحي لرئيس التحرير مُقدما له الهراء الذي يكتبه من مقالات لنعرف أن عنوان أحد مقالاته: يا حلاوتك يا خوخة، جيبتك بعد دوخة، أي أن صُناع الفيلم حريصون، كل الحرص، على التكريس لثقافة الشارع والحرفيين، وسائقي الميكروباص بشكل فيه الكثير من الابتذال واللامعنى!
أثناء وجود فتحي في مكتب رئيس التحرير يدخل أحد الفتوات الذي ينشر مُذاكراته في الجريدة مُسلسلة، ويذكر له رئيس التحرير أنها قد لاقت الكثير من القبول؛ حتى إن مكتبه قد ضاق من كثرة خطابات الإعجاب التي تصله؛ ومن ثم فهو يمنحه 14 ألفا من الجنيهات كمُقابل لهذه المُذكرات التافهة التي يكتبها عن إجرامه وقتله لإحدى الراقصات لأنها لم تكن تتقن الرقص! وهنا يخبره البلطجي بأنه قد اصطحب معه ابن الخُط السفاح الذي قتل الكثير من الضحايا؛ فيشعر رئيس التحرير بالسعادة الجمة، ويعرض عليه 18 ألفا من الجنيهات في مُقابل نشر مذكرات الخُط!
هنا يشعر فتحي بالدهشة الشديدة ليسأل رئيس التحرير بعد انصرافهما عن السبب في مثل هذه المبالغ المُبالغ فيها من أجل نشر مُذكرات مُجرمين؛ ليخبره رئيس التحرير بأن مُذكراتهما قد رفعت من توزيع الجريدة بشكل لم يكن مُنتظرا، فيؤكد له فتحي بأنهما لا علاقة لهما بالصحافة، لكن رئيس التحرير يخبره بأنه إذا ما أراد أن يكون مشهورا؛ فعليه ارتكاب جريمتي قتل، ثم يعود إليه كي ينشر له مُذكراته!
ألا تتبدى لنا هنا مدى العبثية التي يعيش فيها المُشاهد الجالس من أجل مُشاهدة هذا الهزر الذي لا معنى، ولا قيمة له؟ ألا نُدرك أن تقديم أفلام باسم صناعة السينما بمثل هذا الشكل لا بد له من قتل الصناعة في حد ذاتها؟
يعود فتحي إلى منزله ليؤكد لزوجته بأنه لا بد له من أن يكون مُجرما من أجل أن يكون مشهورا ويأتي بالكثير من الأموال جراء جرائمه! لكنها لا تأخذ حديثه مأخذ الجد، إلا أنه يظل يفكر في الأمر؛ ليوقظها من نومها مُخبرا إياها بأنه سيقوم بقتلها. تنزعج الزوجة من حديثه؛ فيخبرها بأنه لن يقتلها بالفعل، بل سيدعي قتلها لتقبض عليه الشرطة، وتحكم عليه بالإعدام، وحينما يتم الحُكم، وفي اللحظة الأخيرة، عليها أن تظهر في المحكمة لتؤكد لهم أنها ما زالت حية، ويكون هو قد اكتسب الكثير من الشهرة وكتبت جميع الجرائد عنه وعن قضيته في قتل زوجته.
تخبره سهير بأنه لا بد من وجود جثة أولا من أجل اقتناع الشرطة بوجود جريمة قتل؛ فيخبرها بأنهما سيلجآن إلى شقيقها صلاح/ الطبيب البيطري- قام بدوره المُمثل وحيد سيف- من أجل توفير جثة لهما وإيهام الشرطة بأنها جثة الزوجة.
من أجل المزيد من الهزل والعبثية في تقديم هذا الشيء الذي لا يمكن لنا أن نُطلق عليه توصيف الفيلم السينمائي، نشاهد عم علي الطباخ الذي يقوم كل ليلة بالصراخ وإصدار أصوات غريبة، بل والإيهام بوجود شبح يعزف على البيانو في بهو الفيلا التي يقطنانها، وارتداء العديد من الأقنعة المُرعبة، ونعرف أنه يقوم بهذه الأفعال من أجل إخافتهم ودفعهم لترك الفيلا؛ لأن مالكها فرغلي- قام بدوره المُمثل أحمد عدوية- يرغب في استعادتها وتحويلها إلى كباريه، ورغم أنه عرض على فتحي مبلغا كبيرا من المال إلا أنه يرفض تركها له!
ثمة تناقض هنا في الأحداث لا بد لنا من مُلاحظته، وهو أن فرغلي قد عرض على فتحي مبلغ 20 ألفا من الجنيهات كي يترك له الفيلا، وحينما رفض فتحي زاد فرغلي المبلغ إلى 25 ألفا من الجنيهات، ورغم أن فتحي لا يمتلك المال، ورغم أنه يعاني من تلقيه 30 جنيها فقط على مقاله، ورغم أنه يرغب في الشهرة كي يكتب مُذاكراته كمُجرم ويحصل على 20 ألفا من الجنيهات مثل ابن الخُط إلا أنه يرفض ما يعرضه عليه فرغلي!
إنها رغبة المُخرج في استمرار فيلمه كما يراه في ذهنه من دون وجود أي منطق عقلي؛ فمن الطبيعي لمن هو في وضع فتحي الذي يرغب في الشُهرة من أجل 20 ألفا من الجنيهات أن يقبل بالمبلغ الذي عرضه عليه فرغلي، وهو مبلغ بالفعل كبير يكفيه من عناء التفكير في ادعاء الجريمة أو السجن، لكن لأن المُخرج لا بد له من صناعة فيلمه بأي شكل مهما كانت لا منطقيته؛ نرى فتحي يرفض مثل هذا العرض.
تخبر سهير شقيقها صلاح بالأمر، وهو ما يبدأ في نقاش فتحي فيه وإعداد الخطة من أجل تنفيذه، ويتفقا بالفعل، في حضور سهير، على أن يبدأ فتحي بالتعامل مع زوجته بشكل مُهين أمام الجميع؛ كي يؤكد لهم أنه ثمة الكثير من الخلافات بينهما قبل الادعاء بمقتلها، وأنه سوف يخفيها في بدروم الفيلا الذي لا يعرف عنه أي إنسان شيئا، إلى أن يتم الحُكم عليه، وحينها ستخرج للعالم لتؤكد للشرطة بأنها ما زالت حية!
ربما نندهش هنا حينما نعرف أن بدروم الفيلا لا يعرف عنه أي إنسان أي شيء؛ فالبدروم له باب في بهو الفيلا، وهو باب يراه الجميع؛ فكيف لم يسأله السفرجي، أو الطباخ عن هذا الباب من قبل، وإلام يؤدي؟! كما أن فرغلي صاحب الفيلا أيضا لا يعلم شيئا عن البدروم الموجود في فيلته، هو أمر غير عقلاني ولا يمكن قبوله، ولكن لأن المُخرج أراد ذلك فقلد فرضه علينا كمُشاهدين، ولا بد لنا من تصديقه، والتواطؤ معه في مثل هذا العبث الذي يقوم بصناعته وتقديمه لنا.
يحتفل فتحي بعيد ميلاده ليدعو الجيران، وسلوى/ السكرتيرة المُعجبة به؛ كي يوهم الجميع بأن ثمة علاقة بينه وبين سلوى، وأثناء عيد الميلاد يتعامل مع زوجته/ سهير بفظاظة غير مقبولة، ويغازل سلوى أمام الجميع ليترك الحفل غاضبا بعدما يتشاجر مع سهير ويخرج مع سلوى. حينما يعود فتحي يجهز البدروم لزوجته كي يكون مُريحا لها خلال الشهر الذي ستقضيه فيه، ويدعي بالفعل أن زوجته قد اختفت ولم تعد إلى البيت، ومن ثم يتصل بالشرطة التي تؤكد له بأنهم سيبذلون قصارى جهدهم للعثور عليها.
يقوم فتحي بدفن الجثة التي يأتي بها صلاح من الحانوتي- قام بدوره المُمثل توفيق الدقن- في حديقة الفيلا ويلبسها ملابس زوجته، ويرسل بأكثر من خطاب عبثي إلى الشرطة باعتباره مجهولا ليبلغهم بأن فتحي هو من قتل زوجته، لكن لأن الشرطة لا تأخذ هذه الخطابات بجدية؛ يعرض فتحي على سهير أن يفعل مثلما يرى في الأفلام بأن يبيع ذهبها ويبدأ في ارتياد الملاهي الليلية مع سلوى ليصرف فيها ببذخ؛ الأمر الذي لا بد له من أن يثير شكوك الشرطة حوله، ويؤكد لهم بأنه بالفعل قد قتل الزوجة.
يقوم فتحي ببيع ذهب امرأته، ويتردد بالفعل على الملاهي الليلية حيث تراقبه الشرطة، وهنا يرسل بخطاب جديد للشرطة يبلغهم فيه بأن فتحي قد قتل الزوجة ودفن جثتها في حديقة الفيلا. حينما تصل الشرطة من أجل البحث ويجدون الجثة يقبضون على فتحي الذي يُحكم عليه بالإعدام وتأتي الكثير من الصحف من أجل مُتابعة قضية القتل التي ارتكبها لنراه سعيدا بأنه قد بات مشهورا بمثل هذا الادعاء، مُطمئنا إلى أنه سيخرج منها بسهولة حينما تظهر الزوجة قبيل موعد تنفيذ حُكم الإعدام.
يُلاحظ كل من علي/ الطباخ وفرغلي أن صلاح يتردد كثيرًا على الفيلا رغم سجن فتحي، ومقتل سهير، وهو ما يجعلهما يشعران بالريبة من وجوده الدائم في الفيلا؛ لذا يطلب فرغلي من علي مُراقبة صلاح لمعرفة ما وراءه. حينها يكتشف علي أمر البدروم، ويعرف أن سهير ما زالت حية، وأنها تقيم فيه. يسرع فرغلي، متعاونا مع علي، إلى البدروم ليقيدا سهير وصلاح، ويرفضا خروجهما، بل ويطلب فرغلي منها إمضاء شيكات تقدر بأربعين ألف من الجنيهات. وحينما يطلبان منه إطلاق سراحهما من أجل اللحاق بفتحي وإيقاف تنفيذ حُكم الإعدام يرفض فرغلي، ويأخذهما إلى عزبته ليسجنهما فيها، راغبا في التخلص من فتحي بالإعدام.
حينما يخبر أحد رجال العزبة سهير بأن الجريدة قد أكدت بأن حُكم الإعدام سيتم تنفيذه في زوجها في هذا اليوم؛ يقدم لنا المُخرج مشهدًا لا عقلانيا ولا يمكن تقبله سوى في أفلام الكارتون فقط التي تفتقد لأي شكل عقلاني أو منطقي. حينما نرى سهير بجسدها الضئيل تقفز فجأة في الهواء راكلة الباب الحديدي الصلب الذي لا يمكن زحزحته بقدمها؛ مما يؤدي إلى انهيار الباب بكل بساطة وكأنه مُجرد ورقة ركلتها بقدمها! ثم لا تلبث أن تخرج لمواجهة رجال العزبة الأشداء الذين يبدون كجدران ضخمة أمامها، بل وتتشابك معهم لتقضي عليهم جميعا بكل بساطة، وتهرب مع أخيها صلاح إلى الطريق محاولين اللحاق بالذهاب إلى فتحي قبل تنفيذ الحُكم!
يحاول كل منهما إيقاف أي سيارة، لكن السيارات لا تلتفت إليهما، إلى أن يفكر المُخرج في المُنقذ الخيالي المُعتمد على المُصادفة كي يحاول الانتهاء من فيلمه كما رسمه في ذهنه، وتمر إحدى سيارات الشرطة التي تتوقف لهما، ويخبران الشرطة بالأمر وبأنها ما زالت حية؛ ليتم الاتصال لإيقاف تنفيذ حُكم الإعدام!
يخرج فتحي بالفعل، وينجو بحياته، لكنه أثناء نزوله على درج المحكمة مع زوجته وشقيقها يرى الحانوتي- توفيق الدقن- صاعدا لاتهامه بسبب الجثة التي باعها لهما، وهنا يقترب أحد الضباط من فتحي مُؤكدا له بأنه لا يمكن له الانصراف؛ لأنه مُتهم في قضية الجثة التي أخذها من الحانوتي، وينتهي هذا المسخ الذي لا يمكن له أن يشبه الفيلم على هذا المشهد!
إن السينما التي قدمها مخرجو المقاولات في فترة الثمانينيات من القرن الماضي كانت من أردأ ما تم صناعته في تاريخ السينما المصرية؛ فهم لم يقدموا سوى هزلا لا يمكن له أن يؤدي سوى إلى الخواء والعدمية، ولعلنا نُلاحظ هذه العدمية من خلال هذا الفيلم الذي قدمه لنا المُخرج أحمد ثروت ليجعلنا نتساءل: أين هو الفيلم، وما هو الحدث، وأين هي السينما، وما الذي يرغب في قوله لنا؟!
إنه لم تكن لديه الرغبة في تقديم أي شيء سوى مُجرد السُخرية منا كمُشاهدين بدعوى تقديم شكل من أشكال السينما التي لا يمكن لنا، على سبيل المجاز، الادعاء بأنها سينما كوميدية؛ فالمُمثلون أنفسهم لم يقدموا لنا أي شكل من أشكال الأداء، بل كانوا يمزحون أمام الكاميرا بشكل شديد الهزلية والعبثية العمدية؛ مما يعني أنهم يدركون جيدًا بأنهم لا يقدمون لنا شيئا، لكن الأمر مُجرد شكل من أشكال التجارة التي ستجني لهم الأموال فقط!
في فيلم "كله تمام" للمُخرج أحمد ثروت ثمة فراغ يفضي بنا إلى المزيد من الفراغ؛ ورغبة سادية من المُخرج وصُناع الفيلم في تعذيبنا كمُشاهدين، وبالتالي فكل من يصبر على هذا الشيء حتى نهايته لا بد أن يكون مُصابا بالمازوخية والمقدرة على تعذيب نفسه باحتمال هذا المسخ حتى المشهد الأخير، وهو ما شعرنا به بالفعل أثناء مُشاهدة الفيلم الذي شعرنا به طويلا كدهر، لا يريد أن ينتهي، لكننا كنا مُرغمين على مُتابعته حتى النهاية من أجل تناوله بالتحليل والبحث!
|