القاهرة 04 اكتوبر 2023 الساعة 11:40 ص
بقلم: أحمد محمد صلاح
• أنكسمندريس:
هو أحد أعمدة المدرسة المالطية أو الأيونية، ويقال أنه عاصر طاليس وتتلمذ على يده، وإن اختلف في ذلك المؤرخون بعد أن اختلفوا في تاريخ ميلاده ووفاته، ولكن من الجلي أنه تتلمذ على آراء طاليس سواء شفاهة أو نقلًا، أو حتى معاصرةً وإن كنت أشك في ذلك.
وهو أول من دون الفلسفة، وله كتاب بعنوان "في الطبيعة" وكان متداولًا في عصره، وأول من كتب الفلسفة نثرًا، ومن أقواله التي نقلها ثاوفراسطس: "هذا اللانهائي دائم أبدي"، "اللانهائي خالد لا يفنى".
سمي أنكسمندريس مذهبه ونظرياته الفلسفية باسم (اللانهائي) أو "الأبيرون"، وقد أثارت لفظة اللانهائي اختلافا كبيرا بين المترجمين والمفسرين، فهل هي تعني "لا محدودة"، أو "لا نهائية"، أو "لا متعينة"، أما العرب فقد فهموا من الأبيرون أنه اللانهائي، فيقول الشهرزوري: وكان رأيه أن أول الموجودات المخلوقة للباري تعالى الذي لا نهاية له ومنه كان الكون وإليه ينتهي الكل.
والأبيرون من اللفظ اليوناني (بيراس) أي محدود أو نهائي، ويسبقها حرف النفي، فالذين ترجموا اللفظة باللامحدود نظروا إلى هذه المادة من جهة الكم أي من جهه حدودها، وكذلك الذين ترجموها بما لا نهاية له، غير أن اللفظ أخد مفهومًا ودلالة فلسفية ورياضية، فيقال أن العالم لا نهائي ولا يقال أنه لا محدود.
أما أرسطو فيفسر مذهب أنكسمندريس تفسيرًا ماديًا، فأرسطو هو الذي وصف أصحاب المدرسة الأيونية بالطبيعيين الأولين، وكانت العناصر الأربعة المعروفة في الطبيعة هي النار والهواء والماء والتراب، أو الأرض.. فقال طاليس بالماء، وأنكسمانس بالهواء، وهرقليطس في بعض أقواله بالنار، وهؤلاء جميعًا من الماديين كما يصفهم أرسطو، أما أنكسمندريس فقد رفض القول بمادة أو (اسطقس)، فيقول عنه أرسطو منتقدًا مذهبه: "فلا يمكن وجود مادة واحدة بسيطة لا نهائية لا كما يذهب البعض من أنها إحدى العناصر تخرج هذه عنها أو تستمد منها، لأن هناك من يذهب إلى وجود مادة متميزة عن العناصر وهي اللانهائي ليست الماء ولا الهواء حتى لا تفسد الأشياء بما فيها اللانهائية"، وأكبر الظن أن أرسطو فسر اللانهائي بأنها هيولي كما كتبها، وهي ليست جسما بل قوة محضة.
أما سمبلقيوس فهو أول من قال عن الأبيرون إنه مبدأ وفكرة، والمبدأ في الفلسفة غاية في الأهمية، لأن الأشياء يتسلسل بعضها عن بعض كما يرى بالحس حتى نبلغ أصلا أو مبدأ لا يحتاج إلى مبدأ آخر، فالأبيرون هو البدء لا الماء ولا الهواء، ولو كان للأيبرون مبدأ لكان له نهاية أو حد، وبذلك يمكن أن نفهم لماذا سمي البيرون باللانهائي.
وبالتالي فقد وضع أنكسمندريس نظرة جديدة للفلسفة والتفكير في فكرة البدء، باختصار وضع نظرية "اللانهائي" أي القوة غير المنظورة، القوة التي ليس لها بداية وليس لها نهاية، مختلفا بذلك عن أستاذه طاليس وعدد من الفلاسفة الذين أرجعوا العالم إلى عناصر مادية أربعة، وقد خالفه عدد من الفلاسفة في طرحه بسبب عدم قدرتهم على استيعاب مبدأه البعيد عن المادية، مما قوبل بالرفض، ولكنه في فترة لاحقة وجد نوعًا من القبول بعدما اتفقت نظريته مع الأديان ووجود الخالق.
|