القاهرة 20 سبتمبر 2023 الساعة 01:31 م

بقلم: أحمد محمد صلاح
يبدو أن طاليس سيظل يؤرقني فترة طويلة وأنا أحاول أن أختصر أو أوجز كما وضعت العنوان لتلك الموسوعة ولكن الرجل كان هو البداية، والبداية دائما ما تكون مشوقة، هو من وضع حجر الأساس وهو من أشعل الشمعة، شمعة الفلسفة التي ما زالت تضيء وتحترق.
ولست هنا لأكتب بإسهاب عن الرجل فقد فندت بعضا من أطروحاته على مدار فصلين سابقين، ولكنني في خضم البحث وجدت شيئا آخر في فكر وفلسفة طاليس، ذكرها الباحث الأستاذ حسام المنفي في موقع "الحوار المتمدن" بعنوان المدرسة المالطية أول المدارس الفلسفية عند الإغريق
فيقول حسام المنفي: "كان طاليس يعتقد أن كل جزء في العالم حي، وأن المادة والحياة وحدة لا ينفصل أحد أجزائها عن الآخر، وأن في النبات والمعادن نفسًا خالدة كما في الحيوان والإنسان، وأن القوة الحيوية تتغير صورتها ولكنها لا تموت أبدا، وأن المغناطيس حي لأن فيه قوة تحريك الحديد. وتنسب لطاليس مقولة (الكون مليء بالآلهة). ولكن علينا أن نقف هنا ونتساءل: هل هذا يعد اعتراف منه بوجود قوة إلهية عُليا مفارقة أو كامنة في المادة نفسها؟ أم أنه كان يقصد معنى آخر مختلفا عن المعنى الحرفي الذي جاء في تلك الشذرة؟
وهنا الإجابة تأتي على حد قول د. مصطفى النشار في كتابه القيم "فكرة الألوهية عند أفلاطون" حيث يقول: وثمة قول آخر ينسبه "أرسطو" إليه وهو يقول (إن العالم مليء بالآلهة) وكان لهذا القول تفسيرات عدة، فيشير إليه "أفلاطون" في كتاب "القوانين". وقد فسره أرسطو في كتابه "النفس" بأن طاليس ربما عنى بذلك أن للعالم نفسا. وكذلك فسر المؤرخ "أيتبوس" هذا القول بأن طاليس كان يقول بوجود عقل للعالم، وجاء "شيشرون" الذي رأى أيضا أنه كان يقول بعقل إلهي أوجد الأشياء من الماء..
وعلى أي حال فإنه يمكن القول بأن هذه العبارة التي وردت على لسان طاليس تعبر عن الاتجاه السائد بين الفلاسفة الطبيعيين أنئذ، وهو الذي كان يرى في المادة قوة حيوية دافعة.
وتتفق د. أميرة حلمي مطر في تفسير تلك المقولة التي نسبت لطاليس مع التفسير الذي قدمه د. مصطفى النشار حيث تقول: غير أن قول طاليس بأن الكون مليء بالألهة يجب ألا يفيد أي نزعة دينية ثيولوجية عند طاليس، لأن المادة كانت تتسم عند القدماء بالحياة ولهذا وصف مذهبه بالنزعة الحيوية، وهي نزعة سادت معظم مذاهب القدماء في المادة.
في هذا النص يطرح "حسام المنفي" فكرة ورؤية طاليس عن الإله، والتي خلص إليها طاليس -من خلال التدبر والفكر- بأن كل الأشياء مملوءة بالآلهة، وكان يقصد بالآلهة هنا القوة الخفية التي تحرك الأشياء، حتى إنه ظن أن المغناطيس بما فيه من قوة جذب هي قوة إله داخله، أو كما حددها أفلاطون هي الروح، لذلك نستطيع أن نقول إن طاليس كانت له نزعة دينية، أو بشكل أكثر دقة اطلع على كتابات الديانات السابقة والتي كانت محفوظة بشكل ما في مكتبة الاسكندرية وتأثر بها.
هذا الطرح وإن كان البعض قد يأخذه علي، ولكنني أقول بشواهد الأشياء، وتحليل الكتابات، واستخلاص المعاني، فليس من الطبيعي أن يتلقى طاليس علومه في أكبر جامعة في العالم تحوي مكتبه ضخمة ولا يطلع على ما فيها، وكلنا نعلم أن القائمين علة مكتبة الإسكندرية جمعوا كل الكتب في العالم ووضعوها بها، حتى ولو لم يرد إلينا كشوف بهذه الكتب واللفائف، لذلك فإن تأثره بالنزعة الدينية كان واضحا خصوصا في ما قاله بأن الماء أصل الأشياء، وبالطبع لا أشير هنا إلى الإسلام فالرجل جاء قبل الإسلام بما يزيد عن الألف عام، ولكن هذه الأفكار كانت في كتب سماوية أخرى، أما ما يعزز وجهة نظري عن أنه قد قرأ كتب الديانات السابقة، فعندما سئل عن الله قال: هو ما ليس له بداية ولا نهاية.
كان الرجل فيلسوفا متحدثا، من أهم ما قاله عندما سُئل عن أصعب الأشياء فقال: أن تعرف نفسك، أما عن أسهلها فقال: أن تسدي النصح، وسئل كيف يستطيع الناس أن يعيشوا عيشة الفضيلة والعدالة؟ فأجاب: ألا نفعل نحن ما نلوم غيرنا على فعله.
|