القاهرة 12 سبتمبر 2023 الساعة 02:06 م
بقلم: محمود الغيطاني
في عام 1972م قدم المُخرج أحمد ضياء الدين فيلمه "من البيت للمدرسة" الذي يُعد من أكثر الأفلام ركاكة وسذاجة بشكل لا يمكن لطفل صغير أن يقتنع بأحداثه وما يدور فيه، مُعتمدًا في ذلك على سيناريو ضحل، شديد التلفيق كتبه السيناريست عدلي المولد المُحامي الذي رغب في أن يصل إلى الفكرة النابتة في ذهنه بكافة الطُرق السهلة والساذجة وأبسطها من دون الاهتمام بالمنطق الداخلي لأحداث فيلمه، لدرجة أن ما ذهب إليه من أحداث تلفيقية تعدت المنطق الواقعي في الحياة الواقعية إلى عدم الاقتناع بها على مستوى المنطق الفيلمي الداخلي للفيلم.
في صناعة السينما قد تتعارض الأحداث التي نراها في الفيلم مع المنطق الواقعي الذي نحياه، لكن مثل هذه الأمور مقبولة؛ فالمُشاهد دائمًا ما يُتقن فن التواطؤ، أي أنه يستطيع تقبل ما يدور من أحداث مُستحيلة باعتبارها أحداث مُمكنة، ولكن شرط هذا القبول أن تمتلك هذه الأحداث- غير المنطقية واقعيًا- منطقًا داخليًا وتسلسلا، وعدم تناقض بين بعضها البعض، أي أن الفيلم من خلال منطقه الداخلي الذي يذوّب الأحداث في هارمونية واحدة مُكتملة يجعلنا كمُشاهدين نغض الطرف عن مدى واقعية الأحداث التي نراها من عدمها، أما في حالة فقدان الفيلم لمنطقه الداخلي- وهو المنطق الأهم- ينصرف المُشاهد عن المُتابعة لينتبه بأن صُناع الفيلم يستهينون بعقله، مُقدمين له مجموعة من الأحداث التلفيقية التي لا يمكن قبولها بأي شكل من الأشكال.
ثمة مُلاحظتان لا بد من الانتباه إليهما قبل الدخول في العالم الفيلمي الذي قدمه المُخرج أحمد ضياء الدين لأهميتهما: أولاهما: أننا لاحظنا على أفيش الفيلم عبارة: غلطة الآباء تنمو مع الزمن؛ فتُحطم الأبناء! ولعل وجود مثل هذه العبارة على الأفيش يُعد بمثابة الرسالة الأخلاقية التي تحمل في طياتها الكثير من الحكمة والنصيحة من قبل صُناع الفيلم ليوجهونها للمُشاهد، أي أن صُناع الفيلم، هنا، قد اتخذوا موقف الناصح الذي لا بد له أن يدلي بحكمته للمُشاهد، ومن ثم وضعوا فيلمهم- حتى من قبل مُشاهدته- في موضع الفيلم الذي سيقدم لهم الحكمة، وهو ما لا يمكن قبوله على المستوى الفني.
المُلاحظة الثانية: هي كتابة عبارة "الفيلم الاجتماعي الكبير من البيت للمدرسة" على تيترات الفيلم، وهي العبارة التي لا بد لها أن تثير الكثير من الدهشة والتساؤل لا سيما تجاه كلمة "الكبير" التي تصف الفيلم الاجتماعي، ولماذا يراه صُناع الفيلم كبيرًا، ومن أقنعهم بمثل هذا اليقين بأن الفيلم هو فيلم اجتماعي كبير؟
إن هاتين المُلاحظتين لا بد لهما من تشكيك المُشاهد منذ اللحظة الأولى في الفيلم ومدى فنيته حتى قبل أن يُقبل على مُشاهدة المشهد الأول منه؛ لأن صُناعه هنا يطلقون الأحكام- سواء منها الأخلاقية، أو التي تحمل في طياتها حكمة- وهو الأمر الذي لا علاقة له في حقيقته بالفن، بقدر ما له علاقة بأمور أخرى تربوية بعيدة عن صناعة السينما.
يبدأ المُخرج أحمد ضياء الدين فيلمه بسهير- قامت بدورها المُمثلة نجلاء فتحي- الطالبة في المرحلة الثانوية والتي تستعد للذهاب إلى مدرستها بينما تحاول أن تتعجل أمها تفيدة- قامت بدورها المُمثلة سميرة مُحسن- كي تنهي لها خياطة جونلتها المقطوعة والتي ترقعها الأم برقعة على شكل وردة.
تسرع سهير للحاق بمدرستها لكنها في أثناء سيرها في الطريق تصطدم بها سيارة لتقع أرضا؛ فيهبط السائق للاطمئنان عليها ويهبط معه حسن- قام بدوره المُمثل نور الشريف- ونلاحظ وجود محمود- قام بدوره المُمثل رشدي أباظة- داخل السيارة يدحن سيجاره. تؤكد سهير لحسن أنها بخير؛ فيعرض عليها أن يوصلها، وحينما تحاول الرفض يصرّ محمود على أن تستقل السيارة ليخبرها حسن أن عمه محمود وكيل نيابة وأنهم سوف يوصلونها إلى مدرستها.
توافق سهير، ويظل حسن ينظر إليها مُعجبا بها طوال الطريق، وهو الأمر الذي يلاحظه عمه محمود الذي كان في طريقه إلى إحدى المُستشفيات من أجل أخذ أقوال أحد المُصابين فيها. تصل سهير، لكنها حينما تدخل إلى فصلها الدراسي تلاحظ مُدرستها ناهد- قامت بدروها المُمثلة عزيزة راشد- الوردة التي رتقت بها أمها على جونلتها؛ فتطلب منها خلعها؛ مما يجعل سهير في موقف مُحرج وتطلب من المُدرسة أن تخلعها بعدما ينتهي دوامها الدراسي، لكن ناهد تُصرّ على خلع الوردة من على الجونلة وتنزعها عنوة؛ فينكشف القطع الموجود في الجونلة، وهو ما يجعل ناهد تشعر بالندم على فعلها وتطلب من سهير الذهاب إليها في حجرة المُدرسات بعد انتهاء الحصة.
تعتذر ناهد للفتاة عما حدث، وترتق لها الجونلة بنفسها، لتعدها بأنها ستقوم بتفصيل جونلة لها، لكن سهير ترفض العرض وتشكرها مُنصرفة. أثناء خروج الفتيات من المدرسة بعد انتهاء اليوم الدراسي تعرض عليها صديقتها ميرفت أن توصلها معها في سيارة خالها عصام- قام بدروه المُمثل أشرف عبد الغفور- فتوافق سهير على مضض، لكنها تشعر بالكثير من الاستياء من عصام الذي يحاول التحرش بها والنظر إليها بنظرات لا تليق. حينما تهبط ميرفت أمام بيتها تطلب من خالها أن يوصل سهير إلى البيت؛ فينتهز الفرصة ويوافق، لكن سهير تظل بعيدة عنه مُلتصقة بالباب بسبب نظراته الشرهة إلى ساقيها اللتين تحاول تغطيتهما، وحينما تزداد حدة تحرشه توقفه أمام إحدى البنايات مُدعية بأنها تسكن هنا.
تهبط سهير أمام البناية وتتظاهر بدخولها حتى ينصرف عصام الواقف أمامها مُنتظرا دخولها، وأثناء محاولة اختفائها عن نظره داخل البناية يُفتح المصعد ليخرج منه حسن الذي قابلته في الصباح حينما صدمتها سيارة عمه؛ فيُفاجأ بها مُرحبا، وتدخل المصعد لكنه يصعد معها. يسألها حسن عن كونها تسكن في هذه البناية، لكنها تخبره بأنها في زيارة لخالها الذي يسكن في الدور الأخير، فيبتسم ليقول لها: أيوة، فيلا الأستاذ محمود حسن؛ لتؤكد على كلامه. يسألها بخبث عن رأيها في ابن أخيه حسن لترد عليه بأنه لطيف. حينما يصل المصعد إلى الدور الأخير يخرج معها حسن؛ فتتساءل مُستاءة عن السبب في خروجه معها، ليرد عليها ضاحكا بأن الأستاذ محمود حسن هو عمه الذي كان في السيارة في الصباح وأن هذه الفيلا هي فيلته، أي أنه يعرف بأنها تكذب عليه.
أظن أنه لا بد لنا من التوقف هنا هنيهة قبل الاستمرار في أحداث الفيلم من أجل تأمل ما سبق؛ فاصطدام سيارة محمود حسن وكيل النيابة بسهير في الطريق ومعرفتنا في المشهد التالي حينما يصل إلى المشفى أن سهير في الحقيقة ابنته التي لا يعرف عنها شيئا قد يكون من قبيل المُصادفة المقبولة؛ فالأم تفيدة التي تعمل كعاملة نظافة في المشفى حينما شاهدته تذكرت من خلال الفلاش باك Flash Back ماضيها معه حينما كانا متزوجين زواجا عُرفيا تركت من أجله أهلها للأبد، وكيف أنها حينما أخبرته بأنها حامل في الشهر الثاني وأنهما لا بد لهما أن يتزوجا بشكل رسمي، يتنصل منها ليخبرها بأنه قد توظف كوكيل نيابة في الصعيد وعليه أن يذهب أولا من أجل استلام عمله وترتيب أمر زواجهما لكنه لا يعود إليها مرة أخرى؛ مما يجعلها فيما بعد تتزوج من المعلم مدبولي- قام بدوره المُمثل محمد رضا- نقول: إن هذه المُصادفة من المُمكن لنا كمُشاهدين تقبلها، لكن أن يذهب في اليوم نفسه مُباشرة- بعد حادث الاصطدام- لأخذ أقوال أحد المُصابين في المشفى نفسه الذي تعمل به تفيدة يأتي كمُصادفة أقل قبولا بعض الشيء، إلا أن المُصادفة الثالثة التي اعتمد عليها المُخرج كي يستكمل بها أحداث فيلمه كيفما رسمها في ذهنه تبدو لنا شديدة التلفيقية والعمدية؛ حيث اضطرت سهير إلى الهبوط من سيارة عصام لتتخلص منه، وادعت بأنها تسكن في إحدى البنايات التي هي نفس البناية التي يسكن فيها أبوها الحقيقي وابن أخيه حسن. إن المُخرج قد لجأ إلى هذه المُصادفة غير المنطقية والعمدية تمامًا من أجل التقاء سهير بحسن مرة أخرى؛ ومن ثم يستطيع استكمال أحداث فيلمه كما رسمها قبلًا، أي أن الفيلم هنا يقوم على التلفيقية غير المُقنعة والتي لا منطقية فيها.
يهبط حسن خلف سهير حينما يعرف أنها كانت تكذب عليه ليسألها عن السبب في كذبها؛ فتحكي له أنها كانت في صُحبة خال صديقتها ميرفت، ولأنها فتاة فقيرة تسكن في بدروم مع أمها وزوجها رغبت أن تجنب نفسها الكثير من الإحراج؛ لذلك ادعت بأنها تسكن في هذه البناية وحاولت التخفي عن أنظاره حتى ينصرف. يشعر حسن بالكثير من الإعجاب بسهير ويخبرها بذلك، لكنها تؤكد له أن الأغنياء من أمثاله دائما ما يحاولون التلاعب بالفتيات الفقيرات وتتركه راحلة عنه.
يخبر أحد المُدرسين- الذي كان خطيبا للمُدرسة ناهد- بأنها إذا ما كانت لديها رغبة في أن تهدي سهير ملابس جديدة فعليها أن تفعل ذلك من دون أن تعرضها للكثير من الإهانة بأن توزع في حفل نصف العام جوائزها، وتكون جائزة سهير بعض الملابس الجديدة. بالفعل في حفل مُنتصف العام تقدم سهير على المسرح المدرسي رقصة استعراضية، وهو الحفل الذي يحضره عصام مع ابنة أخته ميرفت؛ فيشاهد سهير أثناء رقصها وتزداد رغبته فيها، وتقوم ناهد بتوزيع الجوائز وتكون جائزة سهير لتفوقها في جميع المواد والرقص الإيقاعي.
تفرح سهير بالملابس حينما تراها في البيت وترتدي إحداها لتذهب إلى موعد مع حسن الذي ربط بينهما الكثير من الحُب، لكن سهير تتشكك أثناء حديثها معه بأنه يحبها كما تحبه، ولأنه أراد أن يؤكد لها جديته يصطحبها معه إلى فيلا عمه الأستاذ محمود، وهناك يسألها محمود عن عمل أبيها لتخبره بأن زوج أمها يعمل كتاجر غلال، وحينما يسألها عن مكتبه تخبره بالحقيقة وأن زوج الأم يبيع "الكشري" على عربة صغيرة في الشارع؛ الأمر الذي يجعله ينزعج كثيرا، ويتساءل مُندهشا موجها حديثه لابن أخيه: أنت عايز تتجوز واحدة من ولاد الحواري؟!
تخرج سهير مُنزعجة ليلحقها حسن مُؤكدا لها أنه يحبها، وأن كلام عمه لا يعنيه. يلاحظ المعلم مدبولي/ زوج أمها أنها ترتدي ثيابا جديدة حينما تعود إلى البيت ويسألها عن هذه الثياب من أين أتت بها، وحينما تخبره بأنها جائزة المدرسة لا يصدقها ويذهب معها إلى المدرسة بالفعل مُستفسرا، لكن ناهد تؤكد له أن هذه الملابس هي جائزتها بالفعل. هنا تدخل ميرفت لتدعو ناهد إلى حفل عيد ميلادها، كما تدعو سهير أمام المعلم مدبولي الذي يوافق بشرط ألا تتأخر عن الساعة التاسعة مساء.
من أجل المزيد من الأحداث التلفيقية وصيرورة الأحداث كما يرغبها صُناع الفيلم نجد أن ميرفت تسكن في الشقة المُقابلة تماما لشقة خالها، وأن أمها قد رفضت أن تقيم حفل عيد الميلاد في شقتها لعدم وجود من ينظف الشقة؛ لذلك فقد كان الحفل في شقة عصام. في الحفل نشاهد عصام الذي يتناول الويسكي في فنجال الشاي طوال الحفل، كما أنه يتابع سهير بعينيه راغبًا فيها رغم أن شقيقته تلح عليه أن يهتم بخطيبته التي تشعر بالكثير من الغضب. حينما ينصاع عصام لشقيقته للترحيب بخطيبته يذهب إليها فقط لأنها تقف مُحادثة لسهير، وهنا تنطلق موسيقى إحدى الرقصات ليطلب عصام مُراقصة سهير بدلا من مُراقصة خطيبته التي لا يهتم بها. تشعر خطيبته بالكثير من الغضب والغيرة، بينما تبدأ سهير الرقص معه، لكنه أثناء مُراقصتها يحاول أكثر من مرة تقبيلها أمام الجميع بشكل لا يمكن تصديقه، ولا يمكن أن يحدث من رجل أمام خطيبته في الحياة الواقعية، لكن مصدر الدهشة هنا ليس محاولته تقبيلها أكثر من مرة أمام الجميع، بل كان المصدر الحقيقي للدهشة هو رد فعل سهير التي أبدت شيئا من التمنع فقط.
إن مشهد مُراقصة عصام لسهير من المشاهد التي تم تقديمها بشكل فيه الكثير من المُبالغة غير المُقنعة مُطلقا؛ فناهيك عن رغبته في تقبيلها، وهو ما يمكن لنا تجاوزه على مضض رغم أن خطيبته تتابعه ببصرها شاعرة بالغيرة، فإن موقف سهير كان مُجرد الاستياء والتمنع فقط، وكأنها تتمنع تمنع المُتدللات، أي مُجرد تمنع ظاهري، كما أنها رغم ذلك تستمر في الرقص معه من دون محاولة الانسحاب أو حتى إبداء استيائها بدفعه، أو حتى الاعتراض على ما يفعله قولا؛ ومن ثم كان المشهد غير مُقنع وشديد التلفيق.
تنتبه سهير إلى أن الساعة قد وصلت الحادية عشرة؛ مما يجعلها تسرع بالعودة إلى بيتها، لكن زوج الأم يتظاهر بغضبه لتأخرها ويطردها من البيت ليقول لها: ارجعي مطرح ما كنتي. ورغم أنه لم يكن يقصد طردها؛ حيث قال لأمها أنه يتظاهر بذلك فقط وسيفتح لها الباب بعد قليل حتى لا تفعل ذلك مرة أخرى، إلا أنها تصدق ما فعله وتعود إلى بيت ميرفت مرة أخرى بينما تهطل الأمطار على رأسها بغزارة.
من العقلاني والمنطقي لأي إنسان أن السير تحت المطر لا يمكن له أن يُمرض المرء للدرجة التي تجعله غير قادر على الوقوف على قدميه أو سعاله بشدة وبشكل متواصل بمُجرد خروجه من تحت المطر مُباشرة، لكن سهير حينما وصلت إلى البناية التي تسكن فيها ميرفت نراها في حالة تداعي كامل وكأنها مُصابة بالمرض منذ فترة طويلة، كما أنها تدق باب شقة عصام بدلا من باب شقة ميرفت المُقابلة لها، رغم معرفتها بأن ميرفت تقطن في الشقة المُقابلة- وهو تلفيق جديد من صُناع الفيلم كي يكتمل كما رسموه- تبدو لنا سهير مريضة وكأنها على وشك الموت بشكل فيه الكثير من السذاجة؛ لذلك بمُجرد ما يفتح لها عصام باب شقته نراها تكاد أن تهوى أرضا ليسندها مُستقبلا إياها في الداخل. تسأل سهير عن ميرفت؛ ليؤكد لها بأنه سيستدعيها، لكن عليها أن تغير ملابسها المُبتلة حتى لا يصيبها البرد. بالفعل تطيعه سهير وحينما تخرج من الحمام غير مُتزنة- لسنا ندري سبب عدم اتزانها- يناولها عصام فنجالا من الويسكي ليدفئها بينما تبدو لنا سهير شديدة السذاجة- ربما يظن المُخرج سذاجتنا نحن- ولا تعرف أن ما تناولته مشروبًا كحوليًا.
ربما لا تقتصر المشاهد الساذجة المُصطنعة على ما سبق فقط، لكن مشهد اغتصاب عصام لها كان فيه الأكثر من السذاجة والمُبالغة التلفيقية غير المُقنعة، وبالتالي لا يمكن للمُشاهد التفاعل أو التعاطف معه؛ فمقاومتها لعصام- أثناء اغتصابها- بدت لنا مُجرد تمنع امرأة راغبة في الأمر، لكنها تتدلل عليه، كما أنها لم تحاول الصراخ أو الاستنجاد بأحد رغم معرفتها بأن صديقتها تقطن في الشقة المُقابلة، وأن أي صوت في الليل من المُمكن سماعه بوضوح، وفي المُقابل حينما استيقظت في الصباح رأيناها تصرخ؛ الأمر الذي جعل عصام يحاول كتم صوتها كيلا يسمعها أحد؛ مما يفتح الباب لتساؤل المُشاهد: إذا كانت لديها المقدرة على الصراخ كما فعلت حينما استيقظت؛ فلم لم تصرخ حينما كان عصام يغتصبها رغم أنها لم تكن مُغيبة؟!
تعود سهير إلى بيتها باكية بعدما يعدها عصام بأنه سيتزوجها، ويبدو عليها الشرود الدائم أثناء وجودها في المدرسة، وحينما يقابلها حسن تخبره بأنهما لا بد لهما أن يفترقا، ويجب عليهما التوقف عن علاقتهما؛ نظرا لأنهما من مستويين مُختلفين تماما؛ الأمر الذي يجعله يسافر إلى الإسكندرية من أجل التمرن كمُحامٍ في مكتب هناك والابتعاد عن سهير.
أثناء وجودها في الفصل الدراسي تشرد سهير لتكتب خطابا لعصام تخبره فيه بأنه قد مرت العديد من الأيام ولم يوف بوعده لها، لكن حينما يقترب المُدرس منها تضعه في كراستها التي يأخذها المُدرس، لينتبه فيما بعد إلى الخطاب ويحتجزها بعد انتهاء حصته التالية في الفصل ليلومها على هذا الأمر.
تشعر ميرفت بالغيرة من اهتمام المُدرس بسهير، وتظن أن بينهما شيئا، أو أنه يحاول مُضايقتها، وأثناء خروجها تذهب معها سهير لتستقل السيارة مع عصام وبعد نزول ميرفت تطلب منه أن يفي بوعده وإلا أبلغت عنه الشرطة وأخبرت خطيبته بما فعله، إلا أنه يؤكد لها بأنه سيسافر إلى الإسكندرية في الغد من أجل فسخ الخطبة وسيعود كي يتزوجها، لكن سهير حينما تسأل ميرفت عن عودة خالها من السفر تؤكد لها ميرفت أن خالها لم يسافر.
تتيقن سهير بأن عصام يتلاعب بها، وهو ما يجعلها غير راغبة في الذهاب إلى المدرسة، وحينما تلاحظ ناهد تغيبها تخبرها ميرفت بأنها ستذهب إليها لتستطلع سبب هذا الغياب، وهناك تخبر أمها بأن سهير ربما تتغيب لأن المُدرس يضايقها ويحتجزها بعد انتهاء اليوم الدراسي مُنفردا بها في الفصل؛ الأمر الذي يجعل الأم تثور وتذهب إلى المدرسة لاستطلاع الأمر.
هناك يخبرها المُدرس أن علاقته بسهير هي علاقة المُدرس بالتلميذ، وأنه كان يلومها بعدما وجد خطابا غراميا في كراستها، لكن الأم لا تصدق هذا الادعاء، وتخبر المُديرة بأنها ستبلغ الشرطة بالأمر، إلا أن ناهد تؤكد لها الأمر، وتخبرها بأنها ستذهب معها إلى البيت لمُقابلة سهير التي لا يمكن لها أن تنكره.
على الجهة الأخرى تسرع سهير إلى بيت عصام ليذهب معها إلى المدرسة وينقذ المُدرس الذي لا ذنب له، لكنه يرفض مُتهما إياها بالجنون؛ مما يجعلها تهدده بأنها ستخرج لإخبار شقيقته وإخبار الشرطة بما بدر منه؛ فيحاول منعها من الخروج وخنقها للتخلص منها، لكنها تلمح سكينا بجوار رأسها على المنضدة فتأخذه لترشقه في ظهره في نفس اللحظة التي تصل فيها ناهد إلى شقته للبحث عن سهير عنده، وحينما تجد الباب مفتوحا تدخل لتُفاجأ به يموت بينما لا يوجد أحد في الشقة بعدما هربت سهير من الباب الخلفي.
تحاول ناهد تخليصه من السكين بإخراجه من ظهره، وتبدأ في الصراخ؛ ليتم اتهامها بقتل عصام نظرا لأن بصماتها على السكين وعدم وجود أحد في الشقة سواهما، ورغم أنها تؤكد بأنها قد ذهبت للبحث عن سهير إلا أنه يتم احتجازها على ذمة التحقيق.
تهرب سهير لتُهاتف بيت حسن، لكن الخادم يخبرها بعنوانه في الإسكندرية لتذهب إليه. وهناك تعيش مع حسن لحظات حب يتخللها تذكرها للحادث وخوفها من مصيرها، لكنها في يوم تقرأ في الجريدة بأن الشرطة تبحث عنها لإغلاق القضية، وبمُجرد قراءتها للخبر نراها- من خلال مشهد شديد الاصطناع- في حالة وهن شديد وعدم القدرة على الوقوف على قدميها حتى أنها يغشى عليها حينما تقف، ولما يأتي حسن بالطبيب يخبره: هي محتاجة لرعاية كتير، ولازم تتنقل المُستشفى، المُهم إنها متعرفش إن حياتها في خطر؛ عشان متفكرش كتير، وبعدين تتعب أكتر! مما يجعلنا في دهشة قصوى من صيرورة الحدث وقول الطبيب؛ فهي لم تكن تعاني من أي شيء، وكانت صحتها جيدة جدا حتى أننا رأيناها في مشاهدها في الإسكندرية تجري على الشاطئ وتلعب الكرة مع حسن؛ ومن ثم فلا مُبرر مُقنع لهذا المرض المُفاجئ الذي يجعل حياتها في خطر، وهو المرض الذي لم يحدده الفيلم سوى أنه جعلها مريضة وغير قادرة على الحركة فقط لتلازم الفراش، فضلا عن أن وجهها وماكياجها يؤكدان أنها لا تعاني من أي شيء حتى لو مُجرد الإجهاد!
تطلب سهير من حسن أن ينقلها إلى المشفى الذي تعمل فيه أمها في القاهرة، وحينما يعود إلى عمه يطلب منه مئتي جنيه؛ فيرفض عمه لأنه يعرف بأنه في حاجة للمال من أجل الزواج بالفتاة التي هربت من القضية، هنا يخبره حسن أنها لم تهرب وأنها في المشفى. يؤكد العم على أنه لا بد له من استجوابها قبل الذهاب إلى المحكمة. وحينما يذهب إلى المشفى لا يجدها- أي أنها تمتلك من القوة وعدم المرض ما يجعلها تخرج وتمشي على قدميها-.
في المحكمة يؤكد محمود وكيل النيابة أن ناهد هي من قتلت عصام، ويطلب المحامي استدعاء سهير للشهادة في اللحظة التي تدخل فيها سهير بكل صحتها وعنفوانها إلى قاعة المحكمة مع حسن وأمها؛ لتؤكد للقاضي بأن عصام قد اعتدى عليها وحينما ذهبت إليه حاول قتلها مما جعلها تقوم بقتله بدورها.
تذهب أمها/ تفيدة إلى محمود وتذكره بنفسها؛ لترجوه بأن ينقذ ابنتها، لكنه يؤكد لها بأن البنت لا بد من مُحاكمتها لأنها مُجرمة مُدانة بقتل عشقيها. هنا تخبره الأم بأن سهير هي ابنته، لكنه يكتب قرار القبض عليها، ليثنيه بكتابته استقالته التي قدمها للنائب العام.
ينتقل بنا المُخرج إلى المشفى حيث عادت سهير مرة أخرى لاستكمال مرضها- الذي يرغبه المُخرج- رغم أنها لم تكن مريضة حينما ذهبت إلى قاعة المحكمة- ونرى حسن معها بينما هي في كامل ماكياجها وتبدو عليها الصحة الوافرة، لكن المُخرج أراد لها أن تموت في هذا المشهد كي يستطيع أن يختم فيلمه، وبالتالي يخرج حسن من حجرتها مذهولا في الوقت الذي يصل فيه محمود لرؤية ابنته وحينما يراها قد ماتت يقوم بتقبيلها لينتهي الفيلم الشديد السذاجة الذي قدمه لنا المُخرج أحمد ضياء الدين.
إن فيلم "من البيت للمدرسة" للمُخرج أحمد ضياء الدين لا يمكن لنا أن نُطلق عليه توصيف الفيلم السينمائي؛ فهو فيلم شديد السذاجة والتلفيقية في أحداثه التي لا يمكن لطفل أن يصدقها، أي أن هذا الفيلم لو كان فيلما من أفلام التحريك التي تُقدم للأطفال فهم لا يمكن لهم أن يقتنعوا بما رأيناه فيه من أحداث. كما أن أحداث الفيلم ونهايته اللامعقولتين يفتحان الباب للتساؤل مرة أخرى: أين هو الفيلم الاجتماعي الكبير الذي أشار إليه صُناع الفيلم في تيترات البداية؟! وهل هذا الهراء الذي رأيناه من المُمكن أن يكون فيلمًا اجتماعيًا، بل ويتم وصفه بالكبير؟!
إن هذا الفيلم يؤكد لنا أن فترة السبعينيات التي حاولت عدم الإشارة إلى الهم الاجتماعي، والانفصال الكامل عن المُجتمع وما يعانيه أفراده، والحرص على تقديم العديد من الأفلام التغييبية والإلهائية قد جعل السبعينيات من أسوأ الحقب السينمائية التي مرت بها السينما المصرية؛ نظرًا لأن هذه الفترة قدمت الكثير من الأفلام على هذه الشاكلة.
|