القاهرة 05 سبتمبر 2023 الساعة 12:55 م
ترجمة وإعداد: محمد زين العابدين
يشرح الملاّح في عالم الطبيعة (تريستان جولي)، كيف يمكن أن تساعدنا الحاسة السادسة في تقييم العالم من حولنا. إن العودة إلى الطبيعة، سواء أكانت حفيف الرياح في الأشجار، أو الجلوس مع صديقك المخلص، سيساعدك على التنبؤ بما سيأتي بعد ذلك.
من الممكن تحقيق مستوى من الوعي في الهواء الطلق، والذي على الرغم من شيوعه في السابق أصبح الآن نادرًا جدًا، لدرجة أن الكثيرين يطلقون عليه "الحاسة السادسة"، وهي القدرة على استخلاص النتائج من جميع الأدلة المقدمة لحواسنا دون تفكير تقريبًا.
إنه ليس شيئًا غامضًا، ولكنهُ حدْسُ خبير، وقدرة تمَّ شحذُها على الربط بين النقاط التي توفرها لنا حواسنا لتكوين صورة أشمل لبيئتنا. فبمجرد أن تعرف الطريقة، سيصبح من السهل عليك استشعار الاتجاه بالنسبة للنجوم والكواكب، والتنبؤ بحالة الطقس من خلال الأصوات الصادرة من الغابات، والتنبؤ بردود أفعال الحيوان من خلال لغة جسده في الحال.
وعلى المستوى الأساسي، فإننا لم نفقد هذه المهارات بالكامل.. تخَّيلْ أنكَ تستيقظ في غرفة مظلمة تمامًا بفضل الستائر الثقيلة، وتسمع صياح الدِّيَكَة في الخارج، قد لا يتطلب الأمر أي تفكير واعٍ لتقدير أن الضوء يسطع في الخارج.
إن نُباحَ الكلب في الوقت المعتاد، يخبرنا بوصول ساعي البريد. لكِّنَ هذه الأمثلة طفولية مقارنة بما تستطيع عقولنا رؤيته في الهواء الطلق.. ولكن كيف نعرف أنه يمكن استرجاعه؟ لأن القليل من الأفراد احتفظوا بهذه المهارات.. سكانُ القبائل الأصلية، والصيّادون الخبراء، وصيَّادو الأسماك.
ويضيف (تريستان جولي): "لقد جلست مع قبائل (داياك) في (بورنيو) وهم يشرحون لي أن غزالًا سيظهر فوق حافة التل، واندهشت بعد لحظات عندما التقت عيناي بالفعل بعينى الغزال في المكان الذي توقعوه!
وبعد مناقشة متأنية، أصبح من الواضح أن قبيلة (الداياك) كانت متناغمة لا شعوريًا مع العلاقة بين الملح الموجود على صخرة، والنحل، والمياه، والزمن، واتساع الغابة، وكلها أمورٌ تشير إلى أن الغزلان سوف تأتي لتلعق الملح في الغابة في هذا الوقت".
يمكن العثور على بقايا هذه القدرات، في علاقتنا مع الحيوانات الأليفة.. عندما تمشي مع كلبٍ في حديقة المدينة، فمن السهل إلى حدٍ ما معرفة ما إذا كان الشخص الذي يقترب من خلفه يصاحبُهُ كلبٌ أم لا، إن الوقت الذي نقضيه في الاستمتاع بهذه الطريقة، من خلال التعَّلم من الحياة في الهواء الطلق، يساعدنا على البدء في إعادة بناء حاستنا السادسة المفقودة.
وإذا جعلنا هذا جزءًا منتظمًا من تجربتنا في الهواء الطلق، فسرعان ما نجد أن دماغنا يتولى المسؤولية، ويصوغ اختصاراتٍ وشفراتٍ للأشياء، ويسمح لنا باستخلاص النتائج دون تفكيرٍ واعٍ.. سنشعر بوجودِ كلبٍ يسيرُ خلفنا، وسنتوقع أن الطقس سيكون جيدًا غدًا، إنها مجرد قفزة صغيرة من ذلك، إلى استشعار ما سنجده عند الزاوية، أو ما سيفعله الحيوان بعد ذلك.
على مدى السنوات القليلة الماضية، كنت أبحث عن طرق يمكننا من خلالها تطوير هذا الشعور. ومن الأمور المركزية في ذلك "المفاتيح"، وهي مجموعة من الأنماط والأحداث في الطبيعة التي تستحق اهتمامنا.. نلاحظ شكلاً في شجرة أو سحابة، ونربطه بمعناه، وسرعان ما نضطر إلى التفكير فيه، وإنما سنشعر فقط بالمعنى.
وبنفس الطريقة، يمكننا مشاهدة الحيوانات، وتعَّلم كيفية تقدير المراحل الأساسية في لغة أجسادهم.. إنه لأمرٌ يحقق الرضا بشكلٍ لا يُصَّدق أن تكون قادرًا على التنبؤ بما سيفعلهُ السنجاب، أو أبو الحناء بعد ذلك.
وللبدء في هذه التجربة المثيرة حاول أن تلعب لعبة "خطوات الجَّدة" مع طائرٍ يسير على العشب، لاحظْ كيف يمكنك اتخاذ خطوات قليلة تجاه طائرك، عندما يكون رأسُهُ للأسفل ويُنَّقِر. ولكنْ إذا حاولتَ ذلك، عندما يكون رأس الطائر مرفوعا، فإنه يطير بعيدًا!
مارِسْ هذه اللعبة الصغيرة البسيطة عدة مرات، وستكون قد تعلمتَ "مفتاحكَ الأول".. ثم أضِفْ إليه بضعة مفاتيح أخرى، وسوف تتمكن قريبًا من التنبؤ -ليس فقط بموعد طيران الطائر- بل بالشجرة التي سيطير إليها، وماذا سيفعل عندما يصل إلى هناك!
ويختتم (جولي) كلامه بالتأكيد على أن "هناك القليل جدًا من الأمور العشوائية في محيطنا، ومع القليل من الممارسة يمكننا أن نتعلم الشعور بالأشياء التي قد نجدها مذهلة. إن فهم كيف ولماذا يحدث هذا، يضع أمامنا طريقة جديدة وقديمة جدًا لتجربة بيئتنا. إنها تجربة أكثر جذرية في الهواء الطلق مما كانت عليه منذ قرون".
* المصدر: مجلة ((The Simple Thingsالإنجليزية - عدد يوليو 2018.
|